نشرت جريدة «المؤيد» خبر زواج صاحبها الشيخ على يوسف، فهبت العواصف، وأصبح الموضوع مهما عاما يفرض نفسه على كل الأطراف النافذة فى مصر، الخديو عباس الثانى، المندوب السامى البريطانى، الصحافة ، وآخرين.
نشرت جريدة «المؤيد» فى عددها 16 يوليو، مثل هذا اليوم، عام 1904 خبرًا نصه: «جرى بعد ظهر يوم الخميس الماضى، عقد قران صاحب هذه الجريدة على إحدى كريمات حضرة صاحب الفضيلة الحسيب النسيب السيد عبدالخالق السادات، فى حفلة قاصرة على بعض العلماء والأخصاء، وقصدت العروس الكريمة بعدئذ المنزل المعد لها فى جهة الظاهر حيث تمت رسوم القران».
كان الشيخ على يوسف وقتئذ، «الرائد الأول للصحافة المصرية الكبيرة»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ» مضيفا: «ترك قريته النائية فى الصعيد بلصفورة فقيرًا غاية الفقر، وجاء إلى القاهرة على ظهر مركب فى النيل ليتلقى العلم، لعله، إن أفلح، يصبح فقيها أو معلما وإن فشل يتكسب الرزق بقراءة القرآن على المقابر»، لكن الصحافة أغرته فدخل ميدانها ليكون أول مصرى صميم يملك جريدة يومية كبرى، يكتب فيها كتاب الطليعة فى ذلك الوقت، قاسم أمين، سعد زغلول، مصطفى لطفى المنفلوطى، مصطفى كامل الطالب بكلية الحقوق قبل أن يتخرج ويصدر جريدة «اللواء»، كذلك كان أول صحفى يصل بقلمه إلى مركز أدبى رفيع فى الدولة، فقد توثقت صلاته بأكبر الشخصيات المصرية المعاصرة، واتصلت أسبابه بعد ذلك بالخديو عباس الثانى، ثم بالخليفة التركى فى القسطنطينية».
يذكر الدكتور «سليمان صالح» فى الجزء الأول من كتابه «على يوسف وجريدة المؤيد»، أن على يوسف أخذ يوطد علاقته بالخديو حتى أصبح جليسًا له، وأحد نصحائه ووسطائه فى قضاء مصالحه كما هو الحال فى تجارة الخديو بالرتب والألقاب «ومن هؤلاء الوسطاء أيضًا إبراهيم المويلحى وأمير الشعراء أحمد شوقى»، وكان هؤلاء يتنافسون فيما بينهم على القيام بهذه المهمة، وكانت تجارة الرتب والألقاب هى إحدى الوسائل التى استخدمها الخديو لكى يحصل منها على المال اللازم للإنفاق منه على الحركة الوطنية، وكان على يوسف أحد الذين استخدمهم فى هذه التجارة».
تزوج «يوسف» فى شبابه زيجة متواضعة، لكنه مع تغير الأحوال وصعوده الاجتماعى الكبير فكر فى الزواج مرة ثانية من جميلة ثرية تناسب وضعه الجديد فهداه البحث إلى «صفية» صغرى بنات عبدالخالق السادات شيخ الطريقة الوفائية، ويصفها «بهاء الدين»، قائلًا: «كانت من بيت ثراء وعراقة، وبيضاء اللون، جميلة الوجه، بدينة جدًا، على طراز الجمال الذى كان مفضلًا عند الشرقيين فى ذلك الزمان ولها».
يذكر فتحى رضوان فى كتابه «نصف قرن بين السياسة والأدب»: «كانت فتاة جميلة وذكية، وكان أبوها يصحبها إلى كل مكان يقصده فرآها الشيخ على يوسف فوقعت من نفسه موقعًا ملك عليه زمام قلبه، وكان والدها صديقًا ليوسف، ولم يكن لديه مانع من تزويجها له، وإن كان يكبرها كثيرًا فى السن إلا أنها كانت مأخوذة بشهرته وعلو مقامه وتردد اسمه على الألسنة».
تمت الخطبة وحسب «بهاء الدين»: «قدم الشيخ على يوسف الهدايا، المهر والشبكة، وكانوا يسمونها «النيشان»، ومرت سنة وسنتان وأربع سنوات والشيخ على يوسف لا يكف عن سؤال الأب: «متى يزف إلى عروسه؟، والسادات يماطل ويخلق العراقيل، وضاق الشيخ يوسف بالأمر ورأى أن الوضع أصبح مهينًا لكرامته، كما ضاقت العروس بالأمر مثله».
يؤكد سليمان صالح: «نتيجة لهذا التسويف لجأ الشيخ على يوسف إلى صديقه محمد توفيق البكرى نقيب الأشراف وزوج ابنة الشيخ السادات «شقيقة صفية»، وكان على يوسف ساعده فى القضية المعروفة بـ«قضية السفهاء» إذ تدخل لدى الخديو لمنع اتهام البكرى بالاشتراك فى وضع قصيدة الهجاء فى شخص الخديو ونشرتها جريدة الصاعقة، وكان مؤلفها مصطفى لطفى المنفلوطى».
يؤكد صالح: «قام الشيخ البكرى بوضع خطة لإتمام الزواج فى بيته، وبحضور عدد كبير من العلماء، حيث تولى الوكالة عن صفية أحد شيوخ الأزهر المعروفين وهو الشيخ حسن السقا، أى أن العقد كان قد تم بشكل شرعى، وكان الهدف من هذه الخطة هو وضع الشيخ السادات أمام الأمر الواقع».
يذكر بهاء الدين: «احتفل الحاضرون احتفالًا سريعًا بالزفاف، وخرجت العروس مع عريسها تشيعها الزغاريد إلى بيت الزوجية فى حى الظاهر، ويذكر حلمى النمنم فى كتابه «رسائل الشيخ على يوسف وصفية السادات»: «فى يوم السبت 16 يوليو 1904 نشرت «المؤيد» الخبر فى باب الحوادث المحلية»، فعرف الشيخ السادات ليبدأ عاصفة غضبه باللجوء إلى القضاء الشرعى لإبطال هذا الزواج.