كانت الساعة الواحدة ظهر يوم 17 يوليو، مثل هذا اليوم، 1967، حين توجهت سيدة الغناء العربى أم كلثوم بوصفها رئيسة «التجمع الوطنى للمرأة المصرية» إلى بنك القاهرة بشارع عدلى، لتقدم التبرعات التى جمعها «التجمع الوطنى» منذ أن بدأ نشاطه قبل أيام، حسبما تذكر الأهرام فى عددها 18 يوليو 1967.
كانت أم كلثوم تواصل نشاطها فى العمل الذى نذرت نفسها من أجله بعد هزيمة 5 يونيو 1967، وهو تسخير جهودها لصالح المجهود الحربى بجمع التبرعات له، وذلك فى ظل تضافر الجهود الرسمية والشعبية من أجل الاستعداد لخوض معركة تحرير الأرض التى احتلتها إسرائيل فى 5 يونيو، وكانت فكرتها بإنشاء «التجمع الوطنى للمرأة المصرية» إحدى أدواتها فى ذلك، فماذا عن هذا «التجمع»؟، وماذا عما قدمته من تبرعات الذهب إلى بنك القاهرة؟
تجيب مجلة «الكواكب» فى تحقيق أعده الكاتب الصحفى عبدالتواب عبدالحى، بعنوان «أم كلثوم تقود العمل الوطنى للمرأة المصرية»، عدد «833»، 18 يوليو 1967»، بأن «هيئة مكتب التجمع» تجتمع مساء كل خميس فى بيت أم كلثوم، لتناقش فيه مع أعضاء اللجان التى تفرعت منذ الاجتماع التأسيسى فى 13 يوليو 1967.
أما عن أصل فكرة «التجمع الوطنى للمرأة»، فتذكر «الكواكب» أنها راودت رأس أم كلثوم من حيث إنه يوجد فى مصر 147 جمعية نسائية تقريبا، كلها نوعان، إما جمعية جهودها فى مجال معين من الخدمة العامة، كالدرن وتحسين الصحة ورعاية المكفوفين، وإما جمعية تقدم جهودها فى قطاع محلى معين - حى أو مدينة - لا تتعداه، وهذا التخصص النوعى والمحلى لا يكفى، والبلد اليوم تطلب العون العام، كما أن مثل هذه الجمعيات تملك من طاقة أعضائها ما يزيد على حاجتها لكنها لا تعرف كيف تصرف هذه الطاقة فى خدمة البلد.
كانت المحامية مفيدة عبدالرحمن «20 يناير 1914 - 3 سبتمبر 2002» من قيادات «هيئة مكتب التجمع»، وهى من أوائل المحاميات فى تاريخ مصر، وكانت عضوة مجلس الأمة عن دائرة الغورية والأزبكية عام 1959، وشرحت الفكرة فى أول اجتماع شهدته سيدات 23 جمعية، ثم تكلمت أم كلثوم واقترحت تسميتها «هيئة التجمع الوطنى للمرأة المصرية» ولم يعترض أحد، وقالت: «لا رئاسة للهيئة ولا مقر ولا شكليات، ونجتمع كل مرة فى مقر إحدى الجمعيات، ونوقش فى الاجتماع تقسيم نشاط هيئة التجمع واستقر الرأى على تشكيل أربع لجان هى:
لجنة للتبرعات، وتقوم بتنظيم وسائل جمع التبرعات، ذهب، فلوس، ملابس، وتتوازى مع النشاط الحكومى الحالى لجمع التبرعات ولا تتعارض معه، وتبتكر وسائل جديدة للحث على التبرع، وتجند الطالبات فى كل المحافظات لخدمة الغرض خاصة وهن فى إجازة الصيف طاقة معطلة، وتم الاتفاق على أن يكون التبرع النقدى عن طريق دفاتر معونة الشتاء، وتسلمت أم كلثوم 10 دفاتر ووزعتها على أعضاء اللجنة، وانتشرت السيدات الأعضاء فى البيوت والأندية، وسيتم تسليم الحصيلة إلى أم كلثوم لتقوم بتوريدها إلى خزينة معونة الشتاء، وتتسلم دفعة جديدة من الدفاتر، وعن جمع التبرعات بالذهب اهتدت هيئة التجمع إلى طريقة عملية فى جمعه بالتيسير على المتبرعات بأن تنتقل إليهن جهة التبرع، بدلا من أن ينتقلن هن إليها، وتركز لجنة التبرعات أكثر على التبرع بالذهب لقيمته المطلقة فى المبادلة بالعملة الصعبة.
أما باقى اللجان، «لجنة المستشفيات» وغايتها زيارة جرحى الحرب والترفيه عنهم، وحل مشاكلهم، ومنها أدقها عائليا، و«لجنة محاربة الإسراف والشائعات» و«لجنة اتصال» مهمتها شرح القضية على المستويين العربى والعالمى.
كانت الحصيلة الأولى لتبرعات الذهب 16 كيلو، وذهبت أم كلثوم إلى بنك القاهرة بشارع عدلى يوم 17 يوليو 1967 لتسليمها، وتذكر الأهرام فى عدد 18 يوليو 1967، أنها قدمت للجنة تبرعات الذهب بالبنك فى كيسين يحتويان على ألفى جنيه من الذهب «اليزابيث» وزنها 15 كيلو و800 جرام تقدر قيمتها بالعملة المصرية 10 آلاف و168 جنيها، وقالت أم كلثوم إن هذه هى الدفعة الأولى من حصيلة التبرعات بالذهب التى تلقاها «التجمع الوطنى للمرأة» وهى من الملك سعود، وستسلم للبنك دفعات أخرى خلال أيام تتضمن تبرعات عدد كبير من زوجات المسؤولين ومن القادرين.
وكشفت أم كلثوم عن أنها «ستقدم مجموعة من الحلى الخاصة بها وبعض التحف التى تقدر قيمتها بأكثر من قيمة الذهب، ومنها قلادة من مجموعة جنيهات ذهبية أثرية من عهد الإسكندر الأكبر»، وحتى تتمكن لجنة قبول التبرعات بالذهب فى البنك بفرع عدلى من تسلم هذه التبرعات بدقة بعيدا عن زحام الجمهور، قرر مدير الفرع أن تنتقل اللجنة فى موعد تحدده السيدة أم كلثوم إلى منزلها لتتسلم هذه التبرعات.