دائما ما تحتفى الولايات المتحدة بنفسها كقوة عظمى عسكريا وسياسيا واقتصاديا، لكن هذا لم يمنع من ارتكاب أبرز مؤسساتها من أخطاء فادحة كلفتها أحيانا مليارات الدولارات وأحيانا أخرى أسرار بالغة الأهمية.
حيث كشفت تقارير صحفية أن خطأ مطبعيا تسبب فى توجيه الملايين من رسائل البريد الإلكترونى العسكرية الأمريكية بشكل خاطئ إلى دولة مالى. وأشارت صحيفة فاينانشيال تايمز أن هذه الرسائل تحتوى على معلومات حساسة للغاية، بينها وثائق دبلوماسية وإقرارات ضريبية وكلمات المرور وتفاصيل سفر كبار الضباط والغرف الفندقية التي يقيمون بها.
وذكرت "سى إن إن" أن ملايين الإيميلات أرسلت من غير قصد إلى حسابات إلكترونية في مالي خلال العقد الماضي. وأضافت أن هذا الخطأ يعرض الأمن القومي الأمريكي لمخاطر، حيث إن المعلومات الشخصية التي تتضمنها الرسائل الإلكترونية يمكن استغلالها في تنفيذ عمليات قرصنة إلكترونية، ويمكن توظيفها في ملاحقة تحركات عناصر البنتاجون، مع العلم أنه لم يتم الإبلاغ عن حالة من هذا القبيل.
وقد احتوت إحدى الرسائل على أرقام غرف فندقية لرئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال جيمس ماكونفيل والوفد المرافق له في رحلة قاموا بها إلى إندونيسيا في مايو الماضي.
وبحسب ما نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن سبب الخطأ يعود إلى تقارب النطاق الإلكتروني الأمريكي "mil" مع النطاق المالي "ml".
وقالت الصحيفة إنه رغم التحذيرات المتكررة على مدار عقد من الزمان، يستمر التدفق المستمر لحركة مرور البريد الإلكتروني إلى نطاق ML، معرّف الدولة لمالي، نتيجة لخطأ الأشخاص في كتابة MIL، وهي اللاحقة لجميع عناوين البريد الإلكتروني العسكرية الأمريكية.
وقد تم تحديد المشكلة لأول مرة منذ ما يقرب عقد من الزمان من قبل يوهانس زوربير، وهو رجل أعمال هولندي لديه عقد لإدارة نطاق على الإنترنت مع حكومة مالي.
ومنذ يناير الماضي يقوم زوربير بجمع رسائل بريد إلكتروني ضلت طريقها في اتجاه حكومة مالي، وحاول رجل الأعمال إقناع الولايات المتحدة بأخذ هذه القضية على محمل الجد، ولديه حاليا ما يقرب من 117 ألف رسالة موجهة بشكل خاطئ إلى مالي، منها حوالي 1000 رسالة وصلت يوم الأربعاء الماضي وحده.
وفي رسالة أرسلها إلى الولايات المتحدة في أوائل يوليو الجاري، كتب زوربير أن هذا الخطر حقيقي ويمكن استغلاله من قبل أعداء الولايات المتحدة.
وقالت فايننشال تايمز إن حكومة مالي استعادت الاثنين من رجل الأعمال زوربير السيطرة على نطاق ML، بعد انتهاء عقد إدارة النطاق الذي استمر 10 سنوات.
وأضافت الصحيفة أن "حكومة مالي المتحالفة بشكل وثيق مع روسيا"، ستكون قادرة على جمع رسائل البريد الإلكتروني التي وجهت لهذا النطاق بشكل خاطئ.
من جانبها، اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية بحصول هذا الخطأ، وأكدت أنها تتخذ الإجراءات المناسبة للتعاطي مع تسرب معلومات تتعلق بالأمن القومي.
ولم يكن هذا الخطأ الأول الذى يقع فيه البنتاجون. ففي يونيو الماضى، أعلنت وزارة الدفاع الامريكية أنها أخطأ فى تقدير قيمة الأسلحة والمعدات العسكرية المرسلة إلى أوكرانيا بأكثر من 6 مليار دولار خلال العامين الماليين الأخيرين.
وقالت المتحدثة باسم البنتاجون سابرينا سينج إن مراجعة تفصيلية للخطأ المحاسبى كشفت أن الخدمات العسكرية كثيرا ما استخدمت تكاليف الاستبدال بدلا من القيمة الدفترية للمعدات التي تم سحبها من مخزونات البنتاجون وإرسالها إلى أوكرانيا.
وأوضحت المتحدثة أن الحسابات النهائيةأظهرت أن هناك خطأ قدره 3.6 مليار دولار في السنة المالية الحالية، و2.6 مليار دولار في السنة المالية 2022، التي انتهت في 30 سبتمبر الماضى.
وأضافت أنه نتيجة لذلك، تتوفر لدى البنتاجون الآن أموال إضافية لاستخدامها في مواصلة دعم لأوكرانيا، مؤكدة أن أخطاء التقييم لن تؤثر بأى حال من الأحوال في تقديم المساعدات الجارية لأوكرانيا.
وجاء هذا بعد نحو شهر من نشر صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا قالت فيه إن البنتاجون استخدم بشكل خاطئ تقييم المعدات الجديدة بدلا من المعدات المستخدمة المأخوذة من المخزونات الأمريكية.
وخصص البنتاجون أكثر من 44 مليار دولار للدعم العسكري لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها منذ غزو روسيا في فبراير 2022، ويقول البنتاجون إن الخطأ يترك له 3 مليارات دولار أخرى لإنفاقها.
ودون احتساب الخطأ، قال مسئولون إن لدى البنتاجون حوالي 2.7 مليار دولار متبقية في خزائنه لأوكرانيا، وبالتالي فإن الخطأ يضاعف بشكل فعال المبلغ المتبقي ليتم إنفاقه. وقال مسؤلو البنتاجون إن الإدارة المالية تتحسن، لكنها فشلت في خمس محاولات متتالية لاجتياز المراجعة التي يتطلبها القانون.