صيف حار، وحرارة غير مسبوقة على الأرض، لدرجة أن متابعى الطقس أنفسهم مع موجات تسلم بعضها، فى سجال سنوى بين محبى الصيف وعشاق الشتاء الذين يتبارون فى إثبات أفضلية البرد عن الحر، كأن كل منهم لديهم اختيار. الفصول تتبدل والتغيرات المناخية تتواصل، والعالم يتابع نشاطه بالمزيد من الانبعاثات، ورجال الصناعة والدول الكبرى غير مبالية بأى انبعاثات أو تحذيرات، أو جفاف وفيضانات وحرائق.
التقارير صارت طقسًا سنويًا مع كل صيف وعلى مدى ثلاثة عقود منذ التسعينيات من القرن العشرين، ورغم أن وكالات الأنباء تنقل عن مراكز وعلماء أن هذا الصيف هو الأعنف، إلا أن مراجعة تقارير السنوات الخمس الأخيرة تشير إلى أن كل عام فى التقارير هو الأعلى حرارة، فقد نقلت أسوشيتدبرس، عن أحد العلماء البارزين، أن الأسبوع الحالى قد يكون الأكثر سخونة منذ 120 ألف عام.. وفى مصر يوضح مركز معلومات تغير المناخ، أن السبب هو امتداد منخفض الهند الموسمى الشهير وراء إحداث موجات الحرارة فى مصر والمنطقة، ومع الحر يأتى ارتفاع نسبة الرطوبة فى الجو، وأن المنخفض يلعب دورًا فى جذب الرياح الموسمية الاستوائية إلى الهند وجنوب شرق آسيا، ويؤدى إلى ارتفاع درجة الحرارة فى كل من السعودية وبلاد الشام والعراق ومصر.
لكن الواقع أننا لسنا وحدنا فى هذا الحر، حيث يتعرّض عشرات الملايين من البشر لموجة حر شديدة تستمر فى نصف الكرة الشمالى مع حرائق عنيفة فى كاليفورنيا، وولايات أمريكية أخرى فى حين تشهد آسيا أحوالًا جوية سيئة بشكل استثنائى، فى تجلٍّ جديد لظاهرة الاحتباس الحرارى.
وفى فينيكس كبرى مدن أريزونا جنوب غربى الولايات المتحدة، بلغت درجات الحرارة 47 درجة مئوية، وفى أوروبا، حيث يزداد الاحتباس الحرارى بنسبة تبلغ ضعف المعدل العالمى، أصدرت إيطاليا إشعار تنبيه أحمر يضع 16 مدينة فى حالة تأهب فى أنحاء البلاد، وقال مركز الأرصاد الجوية الإيطالى، إنه يخشى «موجة حرارة صيفية هى الأشد وواحدة من أشد موجات الحرارة على الإطلاق».
وتطال موجة الحر ألمانيا، حيث سُجلت أعلى درجات الحرارة فى البلاد فى مدينة موهرندورف كلاينسيباخ فى بافاريا، وفى اليونان تواصل السلطات غلق «الأكروبوليس» فى أثينا بسبب ارتفاع الحرارة، وحذرت السلطات اليونانية من ارتفاع مخاطر نشوب حرائق.
ومع ارتفاع درجات الحرارة تتزايد الحرائق فى كل أنحاء العالم، فى كندا، التهمت الحرائق أكثر من عشرة ملايين هكتار هذا العام، وهى مساحة غير مسبوقة فى تاريخ البلاد، ويتوقع أن تزداد هذه المساحة المنكوبة مع اشتعال 906 حرائق فى البلاد، منها 570 حريقًا خارج السيطرة، وفقًا للأرقام الوطنية الصادرة عن مركز رصد حرائق الغابات فى كندا.
وفى آسيا، تزداد أيضًا الأحوال الجوية سوءًا، وأصدرت اليابان تحذيرات لعشرات الملايين من سكانها من التعرض لضربة شمس فى 20 مقاطعة من مقاطعات البلاد الـ47، بعدما سُجّلت درجات حرارة شبه قياسية فى أجزاء كبيرة منها، فى حين ضربت أمطار غزيرة بعض المناطق، فى كوريا الجنوبية يكافح عمّال الإنقاذ للوصول إلى أشخاص محاصرين فى نفق غمرته المياه بعد هطول أمطار غزيرة فى الأيام الأخيرة خلفت 33 قتيلًا على الأقل وعشرة مفقودين بعد حدوث انزلاقات تربة.
وفى شمال الهند، أدت الأمطار الموسمية الغزيرة إلى مقتل 90 شخصًا على الأقل، بعد موجة حر شديدة، وأصدرت خدمات الأرصاد الجوية الصينية رسائل تحذيرية عدة، حيث توقعت أن تبلغ الحرارة 45 درجة مئوية فى منطقة شينجيانغ الصحراوية جزئيًا، و39 درجة مئوية فى منطقة كوانجشى الجنوبية.
وأكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن الحرارة هى أحد أخطر الأحداث المرتبطة بالطقس، ففى الصيف الماضى تسببت درجات الحرارة المرتفعة فى أوروبا وحدها فى وفاة أكثر من 60 ألف شخص، وفقًا لدراسة حديثة.
وفى عام 2021 بلغت درجات الحرارة فى بعض مناطق كندا 40 درجة مئوية، وتجاوزت الحرارة 50 درجة، واقتربت من 60 فى بعض الدول، وتكررت حرائق الغابات خلال الصيف فى السنوات الماضية، وتتواصل توقعات العلماء بين تشاؤم تام وتشاؤم متوسط، وعلى مدى عقود يحذر العلماء من تأثير قطع الأشجار وحرق الغابات والتلوث الصناعى على رفع درجات حرارة الجو، مع تحذير من ذوبان الثلوج وارتباك الفيضانات والسيول، ولم يتوقف العلماء على مدى سنوات من إطلاق تحذيرات من أجل أخذ قضية التغير المناخى بجدية، والسعى لإنقاذ الأرض من هذا الواقع الصعب، وقالوا إن عام 2023 قد يشهد رقمًا قياسيًا لدرجات الحرارة بسبب التغير المناخى، وهذه الحرارة دليل آخر على الاقتراح الذى أصبح مدعومًا بشكل هائل بأن الاحتباس الحرارى العالمى يدفعنا إلى مستقبل أكثر سخونة.