وكأنك تطرق على باب جارك لتطلب المساعدة أو تستعين بصديقك ليجيب لك عن سؤال لا تعرف عنه شيئا أو تتخلى عن الخجل وتستدعى طفلك الصغير لكى يعدل لك أمراً على هاتفك الذكى لم تتعلمه بعد، هكذا فكرت شركة أبل عام 2011 عندما قررت إطلاق "سيرى" المساعد الشخصى الصوتى الذى يساعد مستخدمى هواتف آيفون فى الحصول على المعلومات المختلفة والقيام بدلا منهم بعدد لا نهائى من المهام، فبضغطة واحدة على الزر الرئيسى بهاتف الآيفون ستجد صوتا لطيفا أنثويا يرد على أسئلتك ويتجاوب معك وينفذ أوامرك، وليس هذا فقط بل فى بعض الأحيان ستجده يضحك معك وعليك، ووقت الملل مستعد أن يقول لك بعض النكات ويسخر من أفعالك وكأنه فرد من عائلتك وليس صوتا داخل الهاتف.
فالمساعد الشخصى "سيرى" أصبح الصوت الذى يميز هواتف آيفون، خاصة بعد تعلق المستخدمين به بشكل كبير، وأصبح هناك عبارة متداولة بينهم وهى "اسأل سيرى" فلا يوجد مستخدم لآيفون لم يتساءل يوما عن تلك المرأة صاحبة هذا الصوت المميز وطريقة عملها ومدى علاقتها بشركة أبل.
وفى عام 2013 بدأ العالم يعرف لأول من هى تلك المرأة عندما ظهرت "سوزان بانيت" الأمريكية صاحبت الـ68 عاما على شاشة CNN وقالت إنها صاحبة صوت "سيرى" وانبهر المستخدمون حول العالم بهذا الإعلان وبدأوا فى تداول صورها ومعلومات عنها باعتبارها صوت أبل الأشهر فى العالم.
وفى حوار خاص لـ "انفراد"، عرفنا أكثر عن "سوزان بانيت" وحكت عن بداية تعاملها مع شركة أبل وأغرب المواقف التى تعرضت لها، كما تحدثت عن رؤيتها لمستقبل العالم فى ظل التطور التكنولوجى الكبير.
عرفت صوتى على الآيفون بالصدفة
قالت "سوزان بانيت" عن بداية تعاملها مع شركة أبل، إن المفاجأة التى لا يصدقها أى شخص عندما ترويها، هى أنها اكتشفت صوتها على خدمة "سيرى" بالصدفة عندما أرسل لها صديق يعمل فى نفس مجال التعليق مقطعا صوتيا عبر البريد الإلكترونى يقول لها "أليس هذا صوتك"، وعندما ضغطت على الملف الذى أرسله لها تفاجأت بشكل كبير عندما وجدت نفسها هى التى تتحدث بطريقة ذكية ومضحكة، وأضافت أنها استخدمت هاتف زوجها لتسأل "سيرى" أول سؤال لأنها لم تكن تمتلك آيفون وكان أول سؤال "كيف الحال".
وعند سؤالها عن إذا كانت أبل استخدمت صوتها دون معرفتها أو إذن لها، نفت هذا الأمر وقالت إن فى عام 2005 عرض عليها العمل فى مشروع غامض لم تعرف أى تفاصيل عنه، وعملت لمدة شهر كامل لأربع ساعات يوميا، وخلال هذا الشهر قامت بتسجيل مئات من العبارات والأرقام والمقاطع بطرق مختلفة، وبعد ذلك بدأت أعمال أخرى ولم تعرف أى شىء عن المشروع أو كيف سيستخدمون العبارات التى قامت بتسجيلها أو مصيرها، ولكن بعد سماع صوتها على هاتف آيفون "الذى لم تكن تستخدمه فى ذلك الوقت" علمت أن المشروع كان المساعد الشخصى "سيرى" وشعرت بفرح كبير لأنهم قاموا باختيارها وأن صوتها أصبح يعرفه الجميع.
لا أستخدم "سيرى" وأخشاه
ولم تكن هذه هى المفاجأة الأولى التى تحدثت عنها "سوزان بانيت" خلال الحوار، ولكنها قالت إنها لم تستخدم تلك خدمة إلا عدة مرات قليلة فى الماضى وتشعر بالخوف عندما تسمع صوتها على الهاتف، خاصة عندما توجه لخدمة "سيرى" سؤال وتجد نفس الصوت يرد عليها بالإجابة مرة أخرى، وعلقت على هذا الأمر بـ"أنا أعمل فى مجال التعليق الصوتى منذ فترة طويلة ولا أريد أن أكون محاطة بصوتى حتى فى حياتى الخاصة".
ولكنها قالت إنه على الرغم من الشعور بالغرابة من الخدمة التى حملت صوتها لسنوات، إلا أنها حصلت على شعبية كبيرة بسبب "سيرى" وعندما تتحدث فى العلن فى مطعم أو مقهى تجد شخصا يقول لها "هل أنتى سيرى" دون حتى أن يعرفوا أن اسمها "سوزان"، ولكن هذا الأمر يعنى أنها نجحت فى هذه المهمة وأتاح لها مجالات أخرى متعددة فى العمل.
"سيرى" عبارة عن ذكاء اصطناعى لا أكثر
بسبب التخبط الكبير الذى أصاب العالم بسبب الطريقة التى تعمل بها خدمة المساعد الشخصى "سيرى" طلبنا من "سوزان بانيت" شرح طريقة عمل تلك التكنولوجيا المعقدة، فأشارت إلى أن هناك عددا كبيرا من المستخدمين الذين يعتقدون أنها هى الشخص الذى يرد على الأسئلة فى الوقت الفعلى وهو أمر خاطئ ومستحيل، وقالت إن "سيرى" هو عبارة عن نظام ذكاء اصطناعى تم برمجته لمحاكاة العقل البشرى للرد عن أى سؤال والقيام بأى مهمة يطلبها مستخدم آيفون منه مثل الروبوت بالضبط، ولكن الفرق أن مساعد صوتى "سيرى" تم برمجته أيضا ليكون صديقا للإنسان وليس مجرد آلة فيمكنه إلقاء نكات ومواساة مستخدم آيفون وقت الحزن والدخول فى مناقشة معه، لذلك تك الاستعانة بصوت بشرى مألوف، وتم تركيب هذا الصوت على إجابات النظام ليكون مساعدا شخصيا صوتيا أشبه بالبشر وليس الآلة.
وهنا يذكر أن خدمة المساعد الشخصى الخاصة بأبل "سيرى" تعمل مع عدد كبير من الأصوات فى عدد كبير من الدول بما فى ذلك صوت رجل عربى وليست "سوزان بانيت" فقط هى من يتم استخدام صوتها، ولكنها وفقا للإحصائيات تعد الأشهر بين كل الأصوات المتاحة للمستخدمين حول العالم قبل تغير صوتها واستبداله بفتاة أخرى مع التحديث الأخير لهواتف آيفون.
وردا على هذا التغير قالت "سوزان" إن فى هذا المجال يجب إجراء تحديثات مستمرة على النظام لذلك المنافسة مقبولة، وأضافت أنها لم تغضب نهائيا بعد استبدالها ولكنها شعرت بفخر بما حققته مع المستخدمين خلال تلك السنوات، وعلى الرغم من أنها لم تتلق أى عروض من شركات تكنولوجية أخرى لتكون صوت المساعدات الخاصة بها مثل مايكروسوفت إلا أن لديها مشروعات فى مجال الأفلام.
علينا تنمية عقولنا لمواجهة الذكاء الاصطناعى
وعن سؤالها عن التكنولوجيا الحديثة ومدى تأثيرها على البشر، قالت إن من البعيد أن تستبدل التكنولوجيا حياتنا الطبيعية، وعلى الرغم من التخوفات إلا أن كل تكنولوجيا لديها حد معين، فالهدف الأساسى من تطوير أى تقنية هى جعل حياة البشر أسهل وأكثر متعة ورفاهية، ولكن هذا يجب أن يكون بحذر وعلى العالم أن يتذكر قوة العقول البشرية التى نمتلكها وينميها بشكل مستمر من أجل أن تبدع بشكل يفوق الذكاء الاصطناعى، وعند هذا الحد فقط ستمكن العالم من التخلص من الخوف الخاص بسيطرة الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا على حياتنا.
وأشارت "سوزان" أن "سيرى" لم يكن التجربة الأولى لها بل كانت الأهم فى تاريخها، فهى بدأت كمغنية هاوية فى السبعينات ولاحظ صاحب الأستوديو التى كانت تعمل داخله أن صوتها خالٍ من أى لكنات لذلك طلب منها العمل كمعلق صوتى على الإعلانات، ومن هنا بدأت العمل بشكل منتظم فى مجال التعليق الصوتى وأصبح لديها مدرب صوت ووكيل أعمال، وبفضل التسجيلات التى قامت بها فى الإعلانات أصبحت الصوت الخاص بخدمة "سيرى" بالإضافة إلى صوت عدد من شخصيات الأفلام الكارتونية.