الموسم الصيفى الحالى، هو امتداد لمواسم تتوالى منذ التسعينيات من القرن العشرين، وهو أكبر من السجال السنوى بين محبى الصيف والشتاء، فالتغيرات المناخية تفرض قوانينها على العالم، والحر هذا العام والأعوام الماضية لا يفرق بين قارة وأخرى، والعالم يتابع نشاطه بالمزيد من الانبعاثات، ورجال الصناعة والدول الكبرى غير مبالية بأى انبعاثات أو تحذيرات، أو جفاف وفيضانات وحرائق.
من آسيا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، تشهد أحوالاً جوية سيئة بشكل استثنائى، وتتجاوز درجات الحرارة 47 درجة مئوية، فى الظل، تتجاوز الخمسين درجة فى الشمس، مع تحذيرات من ارتفاع مخاطر نشوب حرائق، فى كل أنحاء العالم، وأمطار غزيرة فى بعض المناطق، حيث قتلت 33 فى كوريا الجنوبية وعشرات المفقودين وفى شمال الهند أدّت الأمطار الموسمية الغزيرة إلى مقتل 90 شخصاً على الأقل، بعد موجة حر شديدة.
فى الصيف الماضى، تسببت درجات الحرارة المرتفعة فى أوروبا وحدها فى وفاة أكثر من 60 ألف شخص، ويتوقع أن تتواصل وفيات الحر، وترتفع عن السنوات السابقة، خاصة أن دولا كثيرة فى أوروبا لم تكن حتى عقدين تهتم بالتكييفات الباردة، فضلا عن المراوح، ووسائل مواجهة الحر التى يعرفها سكان الدول الحارة.
هذا العام يقول العلماء إنه الأعلى حرارة منذ 120 عاما، لكن هذه التقارير تتكرر طوال عشر سنوات، وتتواصل التحذيرات من التغيرات المناخية، وآخرها قمة المناخ فى دورته الـ27، التى عقدت بشرم الشيخ، فى وقت يواجه العالم انعكاسات خطيرة للتغير المناخى، ارتفاعات فى الحرارة وحرائق وفيضانات وجفاف، وذوبان للجليد، وتغيرات تجتاح كل قارات العالم، ويدفع ثمنها الجميع، بينما الفقراء معاناتهم مضاعفة، الأمر الذى يرتب ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذه التأثيرات السلبية الخطيرة.
وهذا الحر الصيفى وتوقعات تدهور أشد، تجعل قضية المناخ إحدى القضايا التى تتعلق بالسياسة والاقتصاد، وغذاء البشر، وتنعكس أكثر على حياة مئات الملايين فى أفريقيا والعالم، يواجهون فيضانات وجفافا وسيولا، وحرائق تلتهم غذاء الإنسان وكساءه، وتهدد حاضره ومستقبله، من تحولات مناخية متنوعة، تؤثر - بشكل مباشر - على الزراعة وأنشطة الحياة والتوازن الطبيعى للكائنات الحية، بشكل يقود لظهور سلالات من الآفات والحشرات أو الفيروسات والأمراض لم تكن معروفة، أو أنها نشأت من خلال طفرات أو تجارب، وأبرزها فيروسات أنفلونزا الطيور، والخنازير، وسارس، وكورونا، وبقية الأنواع والسلالات التى تمثل تهديدات محتملة للبشر على ظهر الكرة الأرضية، وهى تهديدات ليست بعيدة عن انعكاسات التغير المناخى.
وعلى مدار عقود ظلت قضية التغير المناخى بعيدة عن الاهتمام العالمى، وبالرغم من تحذيرات العلماء، بقيت خارج دوائر الفعل، بينما الأحاديث والتقارير تدور حول تأثيرات التلوث على الغلاف الجوى، وارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الأشعة الخطرة، وخلال الثمانينيات والتسعينيات، شهدت قارة أفريقيا التأثيرات والآثار الأكثر سلبية على البيئة، وواجهت موجات من الجفاف واختلالات البيئة مع زحف الصحراء على الأراضى.
وكانت قمة المناخ «COP 27»، فرصة لطرح البدائل التى تحقق وفاء الدول المسؤولة بتعهداتها تجاه إصلاح ما تسببت فيه، والتوصل إلى توصيات قابلة للتنفيذ، باعتبار أن قضية التغيرات المناخية لا تخص الدول الفقيرة أو أفريقيا، بل تتعلق بمستقبل العالم، ويفترض أن تكون هناك دراية بأهمية هذا الملف، خاصة أن القمة عقدت بحضور أكثر من 40000 مشارك و100 رئيس على الأقل، ورؤساء حكومات ووزراء، فى «مؤتمر الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للمناخ»، ولا تزال التوصيات طازجة وهذه الموجة الحارة تذكر العالم والدول الصناعية بأن عليها تنفيذ تعهداتها تجاه تعويضات وتمويلات الطاقة المتجددة والخضراء، ومساعدة الدول الأفريقية على تجاوز خطر التغير المناخى الناتج عن أنشطة الدول الكبرى، وهى توصيات سوف تنتقل إلى «COP 28» الذى ينعقد فى الإمارات، لتتواصل المناقشات والتوصيات، حتى يمكن إنقاذ الأرض من نتاج عمل البشر.