اتضحت معالم الخطة التى وضعتها الدولة المصرية لتهيئة مناخ أكثر جذبا للاستثمار خلال الفترة الأخيرة، فالخطة شهدت تحركات على المستوى التشريعى والحكومى وأيضا الإعلامى، ففى الوقت الذى أصدر فيه البرلمان عدد مطمئن من التشريعات والتعديلات على القوانين الخاصة بعملية الاستثمار فى مصر والتى كان آخرها تعديلات قانون الاستثمار ومن قبلها قانون إلغاء الإعفاءات الممنوحة لجهات الدولة، كثفت الحكومة من تحركاتها أيضا واستقبلت عدد كبير من ممثلى الشركات العالمية فى مصر كان آخرها شركة بلاك روك وهى واحدة من أكبر الشركات التى تدير الاقتصاد فى العالم أن لم تكن الأكبر على الإطلاق.
ولمن لا يعرف فإن شركة بلاك روك هى أكبر شركة فى العالم لإدارة المخاطر والأصول المؤسسية ذات الدخل الثابت فى العالم، حيث تبلغ الأصول التى تديرها حوالى 10 تريليون دولار، وهى أكبر شركة تريليونية فى العالم لدرجة أن البعض يصفها بأنها تمثل دولة وليست مجرد شركة نظرا لحجم الأصول الضخمة التى تدريها.
وتأتى تلك الزيارة بعد أيام قليلة من موافقة مجلس النواب على تعديلات قانون الاستثمار والتى تبلور توجه الدولة نحو تشجيع الاستثمار، والعمل على خلق مناخ استثمارى جاذب لمواجهة المنافسة الشرسة إقليميًا ودوليًا لجذب رؤوس الأموال، خاصة بعد أزمة الطاقة التى عصفت بالعديد من بلدان العالم والتى ترتب عليها بحث المستثمرين مؤخرًا عن بدائل لها وفرة نسبية فى مصادر الطاقة، وهى الميزة التنافسية التى تتمتع بها مصر حاليًا، ويتعين اغتنامها وتدعيمها بحزم تحفيزية مميزة، لاستقطاب الاستثمارات فى القطاعات المختلفة.
وجاء القانون الجديد للتعاطى مع الظرف الزمنى والاقتصادى الذى تمر به مصر حاليًا، وبالإضافة إلى التصدى للمشكلات الإجرائية باعتبار إنها من أهم التحديات التى تواجهها الدولة فى سبيل جذب المزيد من الاستثمارات، وتشجيع القائم منها، فكان لزامًا أن يتم التصدى لمعوقات الاستثمار بشكل حاسم بما يحقق الإصلاح المتكامل الذى تستهدفه الدولة، وذلك كله فى إطار ما وجه به المجلس الأعلى للاستثمار.
وألزمت تعديلات قانون الاستثمار الجديد، وزارة المالية بصرف الحافز خلال خمسة وأربعين يومًا من نهاية الأجل المحدد لتقديم الإقرار الضريبى، وإلا استحق عليها مقابل تأخير يُحسب على أساس سعر الائتمان والخصم المعلن من البنك المركزى فى الأول من يناير السابق على تاريخ استحقاق الحافز مع استبعاد كسور الشهر والجنيه، ولا يعد هذا الحافز دخلًا خاضعًا للضريبة.
ويعمل القانون الجديد على التوسع فى نطاق المشروعات الجائز منحها هذه الموافقة من أجل تنفيذها ليشمل المشروعات الاستثمارية الجديدة المزمع إقامتها لمزاولة أى من الأنشطة الاستثمارية الخاضعة لأحكام قانون الاستثمار.
كما وضع قانون الاستثمار الجديد، معالجة تشريعية لمسألة خروج المخلفات الخطرة من المناطق الحرة إلى داخل البلاد، ويستهدف القانون منح حافز استثمارى إضافى بمحددات وضوابط خاصة لجذب مزيد من الصناعات فى مناطق مختلفة من البلاد إلى جانب أن التعديلات تضمنت خطة هامة لتشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر، وخطوة نوعية تهدف إلى تحسين ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصرى.
ويستهدف القانون تحفيز نشاط القطاع الخاص ودعم الاستثمارات الصناعية وجذب مزيدا من النقد الأجنبى وكذلك التأكيد على تمتع جميع المشروعات الاستثمارية سواء المقامة قبل العمل بأحكام قانون الاستثمار أو فى تاريخ لاحق عليه بالحوافز العامة الواردة بقانون الاستثمار وزيادة بعض الحوافز الخاصة الممنوحة للمشروعات الاستثمارية.
أما عن تفاصيل زيارة شركة بلاك روك لمصر، فمنذ أيام قليلة التقى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، بمقر مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة، مسئولى شركة "بلاك روك" العالمية، إحدى كبريات شركات إدارة الأصول حول العالم؛ لاستعراض فرص الاستثمار فى السوق المصرية، وذلك بحضور جوردن فريزر، العضو المنتدب بشركة "بلاك روك"، وإيميلى فليتشر، مديرة الصناديق بقطاع الأسواق الناشئة فى شركة "بلاك روك"، وكريم عوض، الرئيس التنفيذى لمجموعة هيرميس المالية.
وفقا لم تم الإعلان عنه، أعرب رئيس الوزراء عن ترحيبه بمسئولى الشركة فى العاصمة الإدارية الجديدة، قائلًا: أتمنى أن تُتاح أمامكم الفرصة للتجول فى العاصمة الإدارية لتروا بأنفسكم ما تم إنجازه هنا فى غضون 6 سنوات فقط.
وأشاد الدكتور مصطفى مدبولى بشركة "بلاك روك" التى تعد واحدة من كبريات شركات إدارة الأصول والمخاطر حول العالم، من خلال محفظتها الاستثمارية التى تتخطى 9 تريليونات دولار.
وأعرب "مدبولي" عن تقديره لزيارة مسئولى الشركة إلى مصر، مؤكدًا أن هذه الزيارة مهمة لزيادة التعاون المشترك خلال المرحلة المُقبلة.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة مستمرة فى تنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية، مؤكدًا: "أولويتنا خلال الفترة الحالية هو تعزيز فرص مشاركة القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادي".
وأضاف: "نعمل الآن على مسارين متوازيين، الأول هو برنامج الطروحات الحكومية، وتخارج الشركات العامة من حصص ملكيتها فى العديد من الشركات لصالح المستثمرين من القطاع الخاص، سواء المحلى أو الأجنبى، وفقا لوثيقة سياسة ملكية الدولة، وفى هذا الصدد أعلنا بالفعل أمس عن نتائج العام الأول من هذا البرنامج، إذ تم التخارج من حصص فى شركات حكومية بقيمة نحو 2 مليار دولار، وهناك المزيد من الشركات قيد الطرح".
وتابع أن المسار الثانى الذى نمضى فيه بالتوازى مع ما ذكرته سلفًا هو منح جميع الحوافز المُمكنة للقطاعات المختلفة من أجل جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لهذه القطاعات، مثل الهيدروجين الأخضر، والطاقة المتجددة، وقطاع الصناعة، والسياحة، والزراعة، وغيرها من القطاعات.
وخلال الاجتماع، أشاد جوردن فريزر، العضو المنتدب لشركة "بلاك روك"، ببرنامج الإصلاحات الهيكلية الذى تنفذه الحكومة المصرية، قائلًا أن الخطوات الإصلاحية التى تتخذها مصر شجعتنا أكثر على بحث إمكانية استثمار المزيد من رؤوس الأموال هنا فى السوق المصرية.
قال إن هذه الزيارة الخارجية مُخصصة لمصر فقط، لاستكشاف الفرص الاستثمارية فى البلاد بعد الإصلاحات التى أجرتها الحكومة المصرية.
كما أثنى "فريرز" على السرعة التى تخطو بها مصر كسوق ناشئة، فى ظل الظروف الحالية، موضحًا كذلك أن الخطوات الإصلاحية التى اتخذتها مصر هى خطوات سريعة مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى.
وخلال الاجتماع، استعرض "فريزر" تصورات "بلاك روك" للاستثمار فى مصر، من خلال عرض بعض مؤشرات الاقتصاد الكلى، وتطرق العضو المنتدب للشركة إلى الحديث عن آليات جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية لمصر فى سوق الأسهم.
وفى غضون ذلك، أشار كريم عوض إلى أن شركة إدارة الأصول العالمية لديها رغبة حقيقية فى العمل فى مصر، ومن أجل هذا وضعت على جدول أعمالها زيارة أبرز المسئولين المعنيين بالملف الاقتصادى، فهم لديهم برنامج لزيارة محافظ البنك المركزى، ومسئولى صندوق مصر السيادى، وعدد من شركات القطاع الخاص.
وفى نفس السياق التقت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية؛ الدكتور فيليب هيلدبراند، نائب رئيس شركة بلاك روك الأمريكية لإدارة الاستثمار، وذلك على هامش مشاركتها بفعاليات الاجتماع السنوى الـ53 لمنتدى دافوس الاقتصادى العالمى، بمشاركة 52 رئيس دولة وحكومة وعدد من الوزراء والرؤساء التنفيذيين، والذى يركز هذا العام على الحلول والتعاون بين القطاعين العام والخاص للتصدى لأشد الاحتياجات إلحاحًا فى العالم.
وخلال اللقاء استعرضت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة صندوق مصر السيادي؛ تفاصيل الجولة الترويجية التى سيقوم بها الصندوق، مشيرة إلى أن الصندوق يعد أحد الآليات لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص المحلى والأجنبى، حيث يعد الذراع الاستثمارى للدولة المصرية.
وأشارت السعيد إلى دور صندوق مصر السيادى فى مجال تغير المناخ والذى يدعم توجه الدولة للتحول إلى المشروعات الخضراء، لافتة إلى إنشاء الصندوق مشروعات إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء بالشراكة مع عدد من الشركات العالمية المتخصصة، ومشروعات تحلية المياه، فضلا عن التوقيع مع صندوق الاستثمار النرويجى وشركة سكاتك النرويجية للتعاون فى مجال تطوير مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والبنية الأساسية الخضراء بعدد من الدول، وكذلك توقيع الصندوق خلال استضافة مصر COP27 على اتفاقية مع تحالف من القطاع الخاص لتأسيس أول صندوق للكربون.
كما ناقشت الدكتورة هالة السعيد مع نائب رئيس شركة بلاك روك؛ سبل تعاون صندوق مصر السيادى مع الشركة، خاصة فى مجال التحول الأخضر.