مع إعلان نتيجة الثانوية العامة، تبدأ مرحلة الجامعة، آلاف يغادرون الثانوية للجامعات، وآلاف يغادرون جامعاتهم إلى المجتمع، أكثر من 783 ألفا دخلوا امتحانات الثانوية العامة هذا العام، أدبى وعلمى علوم ورياضيات، الناجحون سوف يتوجهون للجامعات، عامة وخاصة وأهلية وأجنبية، على أمل أن تكون الاختيارات مناسبة لخلق فرص عمل بعد رحلة مرهقة مع الثانوية ثم الجامعة، مئات الآلاف من كليات وتخصصات متنوعة.
والواقع أن الربط بين المجموع فى الثانوية والكلية أو التخصص، لا يزال بحاجة إلى نظرة، لأن كثيرا من الطلاب الحاصلين على مجاميع عالية، ربما لا يستمرون فى التفوق بكليات القمة، أو بشكل عام فيما يختارونه من تخصصات، وإذا كان مكتب التنسيق يوفر نوعا من العدالة بناء على المجموع، فهى عدالة لا تراعى القدرات، والاستعدادات، وسوق عمل ما زال غير قادر على استقبال كل الخريجين.
ولدينا نموذج، حيث كشفت اختبارات طلبة السنة الجامعية الأولى بكلية الطب فى إحدى جامعات محافظات الصعيد، جنوب مصر، عن ارتفاع كبير فى معدلات الرسوب، وتنوعت معدلات النجاح بين 40 - 66% وهى نسب أقل من المعدلات المتوالية فى السنوات الماضية، فى كلية طب أسيوط، وجنوب الوادى، وطب الأسنان بنفس الجامعة، وجامعة سوهاج، بينما العادى أن تكون نسبة النجاح لطلاب الفرقة الأولى بكليات الطب بين 75 و90%، وترتفع بين الفرق اللاحقة.
عميد كلية الطب بجامعة أسيوط، علاء عطية، فسر ارتفاع نسبة الرسوب بين طلاب الفرقة الأولى أن نصف عدد الراسبين تقريبا هم طلاب وافدون، حيث نجح 11 طالبا من أصل 350 طالبا وافدا، بسبب عدم انتظامهم فى حضور المحاضرات منذ بداية الفصل الدراسى الأول، فضلا عن ضعف قدراتهم فى استيعاب المقررات الدراسية لكلية الطب.
وهناك تفسيرات لرسوب الباقين ترتبط بأن مجاميعهم لا علاقة لها بالقدرات، وبعضهم حصل على مجموع مرتفع بسبب الدروس الخصوصية أو الطرق الملتوية فى الامتحانات، وأن السنوات الماضية كانت نسب النجاح متوازنة ومرتفعة، بجانب توافر المؤهلات فى طالب كليات القطاع الطبى، أن يكون ملمًّا باللغة الإنجليزية تحدثًا وكتابة، وأن الامتحانات الجامعية أوضحت أن طلابا ليسوا لديهم الحد الأدنى.
طبعا هذه النتائج تؤكد فكرة أن هناك مسافة بين المجموع العالى والقدرات، وأن طالب الطب يختلف فيما يتطلبه من قدرات عن طالب الهندسة أو القانون، وقد تكررت النتائج بين كليات أخرى فى جامعات مختلفة، ثم إن نسب النجاح فى الأعوام السابقة تتخطى 90%، «ما يبرهن على سلامة الأطر التعليمية المتبعة داخل الكلية» حسب أساتذة هذه الكليات.
وبصرف النظر عن هذه النتائج فإن كليات القمة التقليدية كالطب والصيدلة والهندسة لم تعد أبوابا للعمل، ومجرد محطات تتطلب المزيد من المهارات، طالب الطب يحتاج سنوات وأموالا ليواصل تعليمه ودراسته، خريج الهندسة لم يعد هو نفسه خريج السبعينيات الذى يحصل على عمل فور تخرجه، وقد طالبت نقابة المهندسين بتخفيض أعداد خريجى الكليات الهندسية بسبب سوق العمل، وهناك القطاعات الفنية والفنيون من خريجى الدبلومات الفنية، وهى تخصصات أصبحت مطلوبة لكن بحاجة إلى تسويق.
هناك توجه للتوسع فيها ودعمها، من خلال إعادة إحياء لمعاهد فنية ومهنية، تمثل ضرورة لتلبية احتياجات المجتمع الصناعى، وهناك حاجة للتوسع فى تخصصات فنية وصناعية، يمكن أن تجد لها مجالا للعمل فى ظل ما يمكن توقعه من توسعات فى التنمية، وحتى فيما يتعلق بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن الكثير من الشباب يكون لديهم الاستعداد، ويعجزون عن وضع دراسات جدوى ومعرفة طريقهم للمشروعات المطلوبة فى السوق، وهناك تخصصات لم تكن رائجة من قبل، مثل التمريض والعلاج الطبيعى، بجانب تخصصات الذكاء الاصطناعى والطاقة والزراعة وغيرها، وكلها تخصصات تتطلب جهدا وتعليما مستمرا.
لم يعد مكتب التنسيق وحده ولا كليات القمة نهاية المطاف، بل إن خريطة العمل اليوم تغيرت، السوق يتغير وأعداد الخريجين أكثر من الوظائف المطلوبة، وأصحاب التخصصات لا يعملون بالضرورة فى تخصصاتهم، كل هذا يتطلب نقاشا مجتمعيا حول التعليم وسوق العمل.