انتهى جمال عبدالناصر من خطابه، الذى أعلن فيه قرار تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو 1956 من ميدان المنشية بالإسكندرية، فاتصل به أحمد طعيمة، عضو المجلس الأعلى لـ«هيئة التحرير»، وفقا لمذكراته «صراع السلطة».
كانت «هيئة التحرير» أول تنظيم شعبى أنشأته ثورة 23 يوليو 1952 بعد أن قررت الثورة إلغاء الأحزاب، وأعلنت تأسيسه يوم 23 فبراير 1953، وتفرغ «طعيمة» و«إبراهيم الطحاوى» لقيادته التنظيمية والشعبية فى كل أرجاء مصر، وتولى «طعيمة» وزارة الأوقاف عام 1959، وكان له تجربة مع جماعة الإخوان، وقت أن كان ضابطا بالجيش فى سنوات الأربعينيات من القرن الماضى، حيث كان عضوا فى تنظيم الشعبة العسكرية للجماعة، وفقا لمذكراته، مؤكدا أنه انسحب منها بسبب نهج الاغتيالات التى قررت اتباعه، وانقطع عن حضور الدروس الدينية لمرشدها حسن البنا.
يذكر «طعيمة» فى مذكراته، أنه اتصل تليفونيا بعبدالناصر، وسأله عن طريق عودته من للقاهرة، فأجابه بأنه سيسلك الطريق الصحراوى هو والزملاء، يضيف طعيمة: «قلت له إن رد فعلى لقرار التأميم حينما أبلغنا بالقرار قبلا، يختلف عن رد فعلى الآن بعد سماعى الخطاب، ويجب أن نتوقع عدوانا على مصر وحربا يشنها الإنجليز ليعودوا إلى احتلال قاعدة القناة للتخلص من عبدالناصر، والفرنسيون أيضا لدعم ثورة الجزائر».
يتذكر «طعيمة»: «بعد ربع الساعة اتصل بى عبدالناصر، ولفت نظرى إلى سؤالى عن طريق عودته إلى القاهرة، وسألنى لماذا تسأل عن طريق العودة، فأوضحت له أنه من الخطورة بمكان أن يتخذ هذه الخطوة الوطنية الخطيرة ولا يكون هناك رد فعل شعبى يوضح أن الشعب المصرى قد وعى القرار ويسانده بأرواحه وإلا فإن العدو سيتعجل بتوجيه الضربة العسكرية، وسألنى عن اقتراحاتى، فأوضحت له أنه يجب أن يعود بالقطار، وسأنظم له استقبالا شعبيا على طول الطريق خاصة فى محطات السكك الحديد، وعندما يصل إلى القاهرة يتم استقباله شعبيا ثم يتوجه إلى مجلس الوزراء، حيث تم تنظيم له مؤتمر شعبى يتحدث فيه إلى الجماهير عن تأميم القناة، ليتحول قرار التأميم إلى رغبة شعبية جارفة».
يؤكد «طعيمة»: «وافق عبدالناصر على خطة العودة فى القطار، وتم تنفيذ ما اقترحت بكل دقة، واشتعلت البلاد من أقصاها إلى أدناها لتأييد جمال عبدالناصر فى هذا القرار التاريخى، الذى أصبح قرار شعب وإرادة شعب».
يذكر الصحفى الأمريكى «دونالد نيف» فى كتابه «عاصفة على السويس 1956» ترجمة «عبدالرؤوف أحمد عمرو»: «عاد عبدالناصر إلى القاهرة يوم السبت 28 يوليو «مثل هذا اليوم» 1956 قطارا مستقلا، وعلى جانبى الطريق احتشدت الجماهير فى كل مكان التى تلألأت بالأنوار، وكان القطار يتوقف عند كل قرية ومدينة وتستقبله الجماهير بالهتافات والتحية.
كانت القاهرة فى استقبال الزعيم والبطل، وازدانت الشوارع بالأنوار وأقواس النصر، وقطع الطريق من محطة القطار إلى مقر الرئاسة مسافة ميلين ونصف الميل وسط حشد من الجماهير تسد الطريق أمامه، واستغرقت هذه المسافة نحو الساعة حتى وصل إلى مكتبه، ومن الشرفة تحدث إلى المحتشدين يحييهم ويحيونه بحماس منقطع النظير.
قال عبدالناصر للجماهير المحتشدة: «ارتفعت موجات الغضب تماما كما كنا نتوقع، فى كل من لندن وباريس، معلنين أنه ليس من العدل والأمن، ولا من الناحية القانونية أن تؤمم شركة القناة، ولكن مصر استردت حقها دون إراقة دماء أو سلب حقوق الغير، وكل شىء تم فى إطار قانونى».
أضاف عبدالناصر: «لجأت فرنسا وإنجلترا إلى أسلوب الوقاحة والصفاقة، ومن وزير خارجية البلدين، فقد استدعت فرنسا السفير المصرى بالأمس، ولكنى أربأ بنفسى أن أرد عليه، إنما أترك ثوار الجزائر يردون عليه بما يستحقه ويلقنونه درسا فى السلوك القويم».
جاء تعليق عبدالناصر على الموقف الفرنسى، بعد استدعاء الخارجية الفرنسية للسفير المصرى كامل عبدالنبى، ووفقا لـ«نيف»، «طلب من السفير أن يسأل ناصر هل ما فعله يمثل سرقة، ورفض السفير المصرى سماع مثل هذا القول، وأنه يرفض أى شىء يمس ناصر بسوء، وأن مثل هذا القول مرفوض، وغير موفق فى التعبير، ورد كريستيان بينو على السفير بأن فرنسا لن تقبل مثل هذا العدوان من قبل ناصر».
يضيف «نيف»: أما رئيس الوزراء الفرنسى «جى موليه» فذهب إلى القول أبعد من هذا واصفا ناصر بقوله:«يبدو أنه ديكتاتور، وأنه يشبه هتلر إلى حد بعيد، حتى إن كتاب «فلسفة الثورة» لعبدالناصر يحمل تهديدا للأمن والسلام الدوليين، وأعلن، أن فرنسا استقر رأيها على أن تقوم بعمل فاعل ضد ناصر، ولا بد من ضربة مضادة تطيح به.