حين سألتني مضيفتي فى الإذاعة المصرية: بماذا تصف المخرج محمد خان؟.. أجبتها على الفور " العاشق".
ورغم دهشة الإذاعية الشابة من الوصف، إلا أنني أصررت على التعبير الذي خرج من فمي بتلقائية بديهيات الحياة، فخان محب للسينما، محب للأكل، محب للورود، محب للطبخ، محب للحب، هو عاشق كبير للحياة، وتجسيد نموذجي لمقولة درويش الآسرة "وأنا نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً".
بالتأكيد يعرف الكثيرون، الكثير والكثير، من ملامح سينما خان الخاصة، يعرفون على سبيل المثال أنه الشاعر السينمائي، المؤرخ لتطور القاهرة، معشوقته الأولى ،فأفلام خان إذا ما وضعتها بجوار بعضها البعض بدءاً من "الرغبة – 1979" وصولاً إلى "فتاة المصنع – 2014" ستقرأ التاريخ المعماري والبشرى لمدينة أحبها خان كما لم يحب سينمائي مدينته، ففيها – الأفلام – ستشاهد جسوراً لم تعد قائمة، وبنايات صارت أطلالاً، وميادين تبدلت أحوالها وستتبع معها متى بدء الحجاب يزحف على رؤوس ثم عقول فتيات القاهرة ونسائها.
وربما لاحظ الكثيرون مدى الحب بين خان وشخصياته الدرامية، فالشخوص عنده بشر من لحم ودم، حتى الشرير منها، لا تستطيع أن تكرهه كرهاً خالصاً، فهناك دائماً ثغرات ينفذ إليك منها بعض حب أو على الأقل تعاطفاً، وأن أردت مثالاً عد إلى شخصية أحمد زكى في فيلمه الأيقونة "زوجة رجل مهم" واختبر مشاعرك تجاهه في الثلث الأخير من الفيلم، ستضبط نفسك متلبساً بالإحساس بالشفقة والتعاطف مع رجل كنت تكرهه من منذ بضعة مشاهد.
كذلك إستعد مشاهد أحمد زكى فى الفيلم الذى أضعه على رأس قائمة أفلام خان "أحلام هند وكاميليا" هذا الصعلوك البلطجى، وقل لى بعدها هل تكره هذا الـ "عيد" كرهاً خالصاً؟
ربما يعرف الكثيرون أيضاً موقف خان من المرأة في عصر اختطفت فيه من الصفوف الأولى حيث تجاور شريكها الرجل فى بناء وطن يسعى للنهوض، لتلقى خلف الصف الأخير، سجينة وظيفة واحدة عنوانها "الجارية"، ليكون خان بأفلامه – مع ندرة من الطليعيين – مقاومًا شرسًا من أجل ترسيخ فهم أن المرأة والرجل جناحان إذا ما قصصت أحدهما عجز طائر المجتمع عن التحليق وبقى على أرض التخلف يستعد لموت محقق لا محالة.
كذلك قد يعرف الكثيرون أن خان هو أول من تجرأ ونزل بعدسته إلى الشارع، كاسراً حواجز الوهم والخوف، ملقياً بأبطاله بين الناس الذين يحبهم و يعبر عنهم.
نعم قد يعرف الكثيرون كل هذا وأكثر، لكن ربما لا يعرف إلا القليلون أن خان الإنسان يحمل روح وقلب طفل لا يعرف الكره، ربما فقط تثور ثائرة غضبه الذى سريعاً ما يهدأ كبالون نفث هواه واستراح.
وربما لا يعرفون أن خان صاحب ضحكة مجلجلة تبدأ بابتسامة ثم تتسع وتتسع حتى يهتز جسده كله كأرجوحة من السعادة، وخاصة حين يجالس الأصدقاء يلقى عليهم نكاته التى دائماً ما تكون جديدة ولا نباريه فيها.
ربما لا يعرفون أيضاً أن محمد خان من القلائل الذين يعتصرهم الحزن على أحزان الأصدقاء، لكنه وحده الذى يستطيع أن يخرجك من بين سياج حزنك بضحكة صافية يهديك إياها فتتلقفها منه برحابة غير عابئ بموقف يفترض أن تكون فيه متجهم الوجه ومنقبض القلب تنهمر من عينيك دموع الفقد والوحشة. فكم من صديق بيننا سيذكر كيف كان عزاء خان له مختلفاً وفريداً إلى حد الضحك.
وهكذا فمن لم يعرف محمد خان، لم يعرف حقاً التجسيد البشرى لمعنى بيت محمود درويش "وإنا نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً".
محمد خان نم بسلام ولا تنسنا حتى نلقاك