أعلنت نتائج الثانوية العامة، ويتجدد النقاش، وتطرح التساؤلات حول المستقبل والخيارات الأفضل لأبنائنا وأى طريق الذى يسلكونه إلى الجامعة، حتى يمكنهم أن يضمنوا مستقبلًا معقولًا فى عالم يشهد كل يوم تحولات واسعة فى كل مجال.
ونحن هنا نخاطب أغلبية الطلاب الذين أنهوا الثانوية، وحصلوا على درجات، وينتظر أغلبيتهم مكاتب التنسيق، سواء أصحاب المجاميع المرتفعة أو المتوسطة، وهم الأغلبية، ومهما حاولنا أن نشرح لهم أن المستقبل تجرى صناعته بالاختيارات، أو بالمهارات التى يفترض أن يكتسبها الشاب طوال رحلته، فهناك فرص يمكن استغلالها من خلال تدريبات أو كورسات أو مناهج «أونلاين»، لا ترتبط بعمر أو دراسة، لكنها تمهد الشاب لفهم أكثر لظروف السوق والعمل.
مكتب التنسيق يتيح القبول أمام الجميع على أساس المجموع، بينما هناك تخصصات فى التعليم لا يحتاجها سوق العمل، ويتكدس خريجوها بعشرات الآلاف بلا عمل، بينما هناك تخصصات فنية وعلمية وصناعية يحتاجها السوق، وتضطر بعض الهيئات أو الشركات الكبرى للاستعانة بالأجانب لشغلها.
كل هذا يفرض تطوير نظام القبول بناءً على عناصر، منها الدرجات والقدرات، وخرائط واحدة لحاجات المجتمع تتيح الاختيار للشباب، فرص يمكنهم العطاء فيها والتميز بناءً على الكفاءة، وأن ينتهى التمييز بين المهن الفنية والخدمية والمساعدة، والعامل مع الفنى، وأن تكون الكفاءة والتميز بناءً على الجهد والقدرات.
الواقع الحالى أن مكتب التنسيق يتيح نوعًا من العدالة، لكنه لا يقدم خطوطًا للمستقبل، وما زال هو الصيغة الأكثر عدالة اعتمادًا على المجموع، ومع هذا فإن المجموع وحده لا يحسم طريق الشاب فى الجامعة، وأمامنا نتائج بعض كليات القمة، التى تراجعت نسب النجاح بها لأن الطلاب حصلوا على مجاميع عالية، ولم تكن لديهم قدرات عالية.
ونكرر أنه لا توجد وصفة جاهزة لرسم خارطة المستقبل لشاب فى مقتبل حياته بعد الثانوية، لدينا عشرات الجامعات العامة والخاصة، تسوق لنفسها، باعتبارها تقدم مناهج وساعات دراسية تتيح لخريجيها فرصًا فى سوق العمل بالداخل والخارج من خلال نظام ساعات معتمدة تمزج بين المناهج التعليمية والمهارات، وتنمية القدرات فيما يتعلق بالتقنيات الحديثة، والذكاء الاصطناعى الذى يدخل فى كل التخصصات، وأيضًا مع عمليات الرقمنة والتحديث، هناك وظائف سوف تختفى، وأخرى مطلوبة، وحتى المجالات المتعلقة بالطب والهندسة والتعليم والخدمات، والزراعة والصناعة والنقل، والتجارة والبيع والشراء كلها تدخل فيها التكنولوجيا، مما يقلل دور العنصر البشرى، ويخلق نوعًا من فرص العمل فى الرقابة والجودة والمتابعة.
هناك حاجة لحوار مجتمعى ومع الخبراء لشرح طبيعة التحول فى المجتمع، وكيفية تحديد اختيارات الشباب بما يناسب قدراتهم، ويرضى طموحاتهم، مع فتح أبواب التدريب والتطوير والبحث، كجزء من التعليم المباشر، وهو أمر يفترض أن يشغل مساحة من حوار واسع، حتى لا نبقى عند نقطة يتكدس خريجون بلا عمل، وتتكدس وظائف بلا موظفين، وحتى يمكن أن تكون عملية تطوير وتحديث التعليم فى إطار هذا السياق وخرائط المستقبل.
وهى نقاط طرحت فى المحور الاجتماعى بالحوار الوطنى، وتحتاج إلى مزيد من النقاش، يشارك فيه الطلاب والخبراء. وإذا كان المصريون يبذلون كل جهدهم، لينفقوا على تعليم أبنائهم، فإنهم يأملون بعد كل هذا المشوار أن يجد أبناؤهم وبناتهم مكانًا لائقًا يلبى طموحهم، فى سوق عمل يتغير ويفرض على الشاب السير فى طريق آخر للتعليم حتى يحصل على فرصة عمل.
مكتب التنسيق عدالة شكلية، لا تضمن لخريجى الجامعات أن يحصلوا على مكان أفضل، ونحتاج إلى ربط التعليم بالمهارات، وأن تكون الجامعات والشركات والصناعات طرفًا فى هذا الحوار، وهو أمر موجود فى كل دول العالم المتقدم الذى يدعم فيها عالم الأعمال التعليم والتحديث والبحث العلمى.
الشاهد أننا ونحن مجتمع أغلبه من الشباب بحاجة لنقاش، يوازن بين الدراسة والعمل والقدرات لشباب يشكلون أغلبية المجتمع، بجانب مكتب التنسيق هناك أشياء أخرى.