يلجأ كبار تجار المخدرات فى مصر إلى بعض الشباب من ذوى المواصفات الخاصة فى ترويج بضاعتهم خاصة فى المناطق الشعبية، حيث يستغل هؤلاء التجار فى الشباب حاجتهم للمال وقلة فرص العمل بالسوق، وحب جمع المال، بالإضافة إلى بعض المواصفات الخاصة التى يبحثون عنها فى موزعى المخدرات أو "الديلر" كما يعرف فى عالم الكيف، مثل سرعة البديهة والقدرة على التخفى والهرب.
هؤلاء الشباب الذين يمتلكون استعدادا تاما للبدأ فورا فى "تجارة الصنف" من أجل المال بزعم "تكوين أسرة"، يكذبون على أنفسهم ليل نهار، ويسببون الرعب والفزع لأسرهم، كما يسببون قلقا ورعبا كبيرا لسكان المناطق التى ينتشرون بها لترويج المواد المخدرة.
فى الأونة الأخيرة، بدأ "الصنف" يفرض نفسه على السوق بكل قوة، وازداد عد المتعاطين والمدمنين فى مصر، وأصبحت مكافحة المخدرات أكثر تعقيدا، الأمر الذى دفع تجار المخدرات لنشر أعداد كبيرة من الشباب فى الشوارع والميادين لسهولة وسرعة ترويج المواد المخدرة بكميات كبيرة لجمع أكثر ما يمكن من أموال، إلا إن "ديلر" المناطق العشوائية عادة ما يكونون مسجلون خطر أو هاربون من قضايا أو أحكام، ومنهم من قضى فترة عقوبة وينتظر الأخرى، ومنهم من أكد التوبة أكثر من مرة، ولكن "الكيف غلاب".
والسؤال: إذا كانت أجهزة الدولة عاجزة عن القضاء على سوق المخدرات فى مصر، من يحمى سكان المناطق العشوائية من فوضى و"بلطجة" تجار المخدرات؟.. كيف لأى إنسان طبيعى أن يعيش وسط صخب "ادينى صباع حشيش.. تذكرة هيروين أو كوكايين.. لفة بانجو.. أو ناولنى نص شريط ترمادول".. وكيف نأمن على أطفالنا أن يروا مشهد: "قرش الحشيش دا مش حلال يا زميلى.. هات سيجارة عليه عشان يظبط.. دا أنا دافع 100 جنيه".. وعندما يتطلب الأمر تكون المشاجرة بالأسلحة "نارية أو بيضاء" هى الحل.
هؤلاء الشباب لا يتكلمون إلا بأبشع الكلمات والشتائم، يسيطر عليهم الشيطان لدرجة الإقدام على القتل دون وعى أو تحت تأثير مخدر أحيانا.. لا يعرفون إلا نوع المخدر الذى يروجونه، وطرق تقسيمة إلى أجزاء، والحد الأدنى لسعر بيعه، ووجوه أفراد الشرطة المكلفون بحماية المنطقة لسرعة الهرب حال وصولهم مكان البيع أو "الدولاب" كما يطلقون عليه.
رغبة المواطن فى عدم الاشتباك مع هؤلاء تجعله يغض الطرف أحيانا عما بفعلون، ولكن الأمر يزداد سوءا حال الاشتباك مع أحدهم لأى سبب، لأن المواطن وخاصة ساكن المناطق العشوائية لا يجد حيلة مع هؤلاء إلا استدعاء الشرطة وتأتى فى معظم الحالات بعد هروب المجرم، أو أن يلجأ المواطن للتشاجر وهذا ما لا يحمد عقباه، لأنهم موزعى مخدرات لا يبكون على شيئا، أما المواطن يدفع الثمن حتى لو استطاعت الشرطة ضبط المتهم، حيث يضيع وقته ويشتت تفكيرة ويعكر مزاجه، وقد يكون فريسة لزملاء "الديلر" الذى تم ضبطه أو "معلمه".
ليست مشكلة المواطن البسيط أن تقضى الدولة على تجارة المخدرات وتحد من التعاطى، ولكن هدفه أن يعيش حياة كريمة هادئه وأسرته فى مأمن عن هؤلاء البلطجية وتجار المخدرات.. ليس هدف كل مواطن أيضا أن تصبح مصر خالية تماما من المخدرات، حتى لو كان يعانى من التعاطى.. المواطن يبحث دائما عن السكينة والهدوء، ولا أحد يستطيع أن ينام وبجوار "شباكه" شاب يبيع المخدرات للمدمنين، أو يجلس صبية آخر الليل يروجون الصنف على "باب بيته".. لا يقبل أحد على نفسه أن تخرج زوجته أو ابنته أو أمه لتجد شابين يتشاجران بسبب "صباع حشيش" فى الشارع ليلا.. لا ذنب لطالب يذاكر دروسه أن يسمع أصوات المجرمين بجوار منزله يوزعون المواد المخدرة أو يتعاطونها بعيدا عن أعين الأمن.
الأمر يزدا سوءا يوما تلو الأخر، وسوق تجارة المخدرات فى مصر يزداد اتسعا حتى أصبح لكل مدمن "ديلر".. هذه الظاهرة تحتاج إلى حلول منطقية يتقبلها العقل ونستطيع تنفيذها على أرض الواقع.. المشكلة ليست سهلة ولكن الحل أيضا ليس مستحيلا.. وإذا كانت الدولة تبذل جهدا كبيرا فى مجال مكافحة المخدرات عليها إعادة النظر فى الخطط الأمنية الخاصة بضبط التجار والموزعين، وعليها أيضا تفعيل دور المشاركة المجتمعية للحد من بيع المخدرات فى المناطق العشوائية.
ليس من مهام رجال الشرطة ضبط تاجر المخدرات متلبسا فحسب، بل إن دورهم الأساسى يكمن فى حماية المواطن من سلوكياته وأفعاله.. يجب على الأجهزة الأمنية الاهتمام ببلاغات المواطنين الخاصة بتجار الكيف، وعليها أيضا سرعة البحث والتحرى وإحكام السيطرة على الموقف.. لابد من اتخاذ إجراءات بديلة لطرق الضبط المعروفة، واستخدام أسلوب التخفى والمطاردة عن بعد للإيقاع بالمجرمين.. شن الحملات الأمنية السرية بالزى المدنى فى المناطق الشعبية ليلا يساعد أيضا فى الحد من تفشى الظاهرة، ويمنح المواطن إحساسا بالأمن والأمان.. استبعاد رجال الشرطة المتواطئين مع تجار المواد المخدرة، والذين يسربون لهم الخطط الأمنية ومواعيد تنفيذها لمساعدتهم فى الهرب مقابل المال.. وعلينا نحن كمجتمع مساعدة أجهزة الدولة فى تحقيق ذلك من أجل مستقبل أفضل.