ما أن نشر الزميل مدحت صفوت، الأربعاء الماضى، تحليلًا تحت عنوان "دعوة للتفكير.. هل يكون الزواج المدنى خطوة لدعم السلم الاجتماعى وإنهاء التعصب؟.. تحريم زواج المسلمة من المسيحى "اجتهاد".. "لا تنكحوا المشركين" تخص الوثنيين.. كيف يكون المسيحيون كفارا ويتزوج المسلم نساءهم؟" ، إلا وقد اثيرت الأسئلة وفتحت النقاشات، التى لم تخلُ من السب والهجوم كالعادة، كما نشر انفراد ردًا من السلفى عبد المنعم الشحات بعنوان "عبد المنعم الشحات يرد على مدحت صفوت بمقال "لماذا يحرم زواج المسلمة من أهل الكتاب".
وفى السياق ذاته، ينشر انفراد، مقالة الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، بنص القرآن.. زواج المسيحى من مسلمة "حلال".. التى سبق أن نشرها عام 2008 أى منذ 8 سنوات، ليؤكد فيها ما جاء فى مقالة الزميل صفوت.
وإلى نص المقال..
من بين الآيات الكثيرة التى نمر عليها الآية رقم 221 من سورة البقرة والتى تقول: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون".
آية راقية وفيها كل معانى المساواة بين الرجال والنساء فلا يحق لامرأة مسلمة أن تتزوج من مشرك كما لا يحق لرجل مسلم أن يتزوج من امرأة مشركة، والمعنى واضح إذن من ظاهر الآية، فمن حق الرجل المسلم أن يتزوج من أى امرأة ما دام أنها ليست مشركة وكذلك المرأة المسلمة من حقها أن تتزوج من أى رجل طالما أنه ليس مشركا.
وهنا تظهر المشكلة الكبري، فالمسلمون يعيشون هنا فى مصر مع الأقباط الذين يعتبرهم الإسلام أهل كتاب، ومعهم تحديدا تظهر مشكلة فى الزواج فالرجل المسلم يتزوج من المسيحية بلا أدنى مشكلة، وفى ذلك سند من الشرع حيث يقول الشيخ سيد سابق صاحب كتاب «فقه السنة» فى الجزء الثانى صفحة 91 تحت عنوان «حكمة إباحة الزواج من الكتابيات»: وإنما أباح الإسلام الزواج من الكتابيات ليزيل الحواجز بين أهل الكتاب وبين الإسلام فإن فى الزواج المعاشرة والمخالطة وتقارب الأسر بعضها ببعض فتتاح الفرص لدراسة الإسلام ومعرفة حقائقه ومبادئه ومثله، فهو أسلوب من أساليب التقريب العملى بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب ودعاية للهدى ودين الحق، فعلى من يبتغى الزواج منهن أن يجعل ذلك غاية من غاياته وهدفا من أهدافه.
وحتى يدعم الشيخ سابق كلامه نجده يفرق بين المشركة والكتابية.
يقول: المشركة ليس لها دين يحرم الخيانة ويوجب عليها الأمانة ويأمرها بالخير وينهاها عن الشر فهى موكولة إلى طبيعتها وما تربت عليها فى عشيرتها من خرافات الوثنية وأوهامها وأمانى الشياطين وأحلامها تخون زوجها وتفسد عقيدة ولدها، أما الكتابية فليس بينها وبين المؤمن كبير مباينة فإنها تؤمن بالله وتعبده وتؤمن بالأنبياء وبالحياة الأخرى وما فيها من الجزاء وتدين بوجوب عمل الخير وتحريم الشر، ويوشك أن يظهر للمرأة من معاشرة الرجل أحقية دينه وحسن شريعته والوقوف على سيرة من جاء بها وما أيده الله تعالى من الآيات البينات فيكمل إيمانها ويصح إسلامها وتؤتى أجرها مرتين إن كانت من المحسنات فى الحالين.
هناك مبرر شرعى إذن للمسلم الذى يتزوج من مسيحية، لكن هناك تحريما قاطعا للحالة العكسية وهى أن يتزوج المسيحى من مسلمة ولا يزال معنا الشيخ سيد سابق الذى يقول فى فقه السنة: أجمع العلماء على أنه لا يحل للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم سواء أكان مشركا أو من أهل الكتاب، ويسوق الشيخ لذلك دليلا من القرآن فى الآية "يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن".
وفى الهامش يشير سيد سابق إلى أن فى هذه الآية أمر الله المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار لا هن حل لا لهم ولا هم يحلون لهن ومعنى الامتحان ان يسألوهن عن سبب ما جاء بهن هل خرجن حبا فى الله ورسوله وحرصا على الإسلام فإن كان كذلك قبل ذلك منهن.
ويستكمل صاحب فقه السنة رؤيته يقول: وحكمة ذلك أى تحريم زواج المسيحى من مسلمة أن للرجل القوامة على زوجته، وأن عليها طاعته فيما يأمرها به من معروف وفى هذا معنى الولاية والسلطان عليها، فما كان لكافر أن يكون له سلطان على مسلم أو مسلمة، يقول الله تعالي"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، ثم إن الزوج الكافر لا يعترف بدين المسلمة، بل يكذب بكتابها ويجحد رسالة نبيها ولا يمكن لبيت أن يستقر ولا لحياة أن تستمر مع هذا الخلاف الواسع والبون الشاسع، وعلى العكس من ذلك المسلم إذا تزوج بكتابية فإنه يعترف بدينها ويجعل الإيمان بكتابها وبنبيها جزءا لايتم إيمانه إلا به.
الرأى هنا إذن ليس قرآنيا بل هو اجتهاد من الفقهاء الذين أجمعوا على الأمر فى مخالفة صريحة للنص القرآنى الصريح الذى يسعى إلى ترسيخ المساواة، إن الذين أباحوا زواج المسلم من مسيحية فعلوا ذلك من باب التبشير والدعوة إلى الإسلام وهم فى الوقت نفسه لا يتعاملون معها على أنها مشركة لأنهم لو رأوها كذلك لحرموا الزواج منها فورا.
وما دامت المسيحية ليست مشركة فإن المسيحى ليس مشركا وعليه فمن حقه أن يتزوج من مسلمة إذا أراد هو وأرادت هي، وإذا رفض الفقهاء ذلك للأسباب التى ذكروها وهى فى النهاية أسباب واهية فعليهم أن يحرموا زواج المسيحية من مسلم فهناك من النساء من هن أكثر قوة وشخصية من الرجال ويمكن لامرأة مسيحية قوية الشخصية أن تقود زوجها المسلم إلى الوجهة التى تريدها ويقع بذلك المحظور الذى يخاف منه الفقهاء وهو التأثير على الدين.
إننا هنا أمام إشكالية غاية فى التعقيد فالنص القرآنى يحرم زواج المسلمين من المشركين ويفتح الباب أمام الزواج من أهل الكتاب ولأنه ليس لدينا يهود بل مسيحيون فقط فإننا نتحدث عن الأقباط، وعليه إذن حتى يتم تفعيل النص القرآنى أن يتم مساواة الرجل المسيحى بالمرأة المسيحية وكما من حقها أن تتزوج من مسلم فمن حقه أيضا أن يتزوج من مسلمة، وإلا يخرج علينا الفقهاء ليقولوا بشكل واضح وصريح إن المسيحيين مشركون ولا يجوز الزواج منهم ويحرمون بالتبعية زواج المسلم من مسيحية، فإما أن نفتح الباب بشكل صحيح أو أن نغلقه على إطلاقه.
إن تحريم زواج المسيحى من مسلمة ليس له علاقة بدين الله ولكن له علاقة بدين الفقهاء، وقد تعتبر أنه لا فارق بينهما فهو دين واحد، فى الحقيقة الأمر ليس كذلك بالمرة فدين الله هو الدين الشرعى الذى يحمله القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة وهو ما يمكن أن نطلق عليه دين التنزيل أما ما أنتجه الفقهاء والمجتهدون فهو دين الممارسة الذى تأثر بظروف مجتمعاتهم والمراحل التاريخية التى عاشوا فيها ولا يمكن أن يتم تعميم ذلك على الجميع وعلى كل الأزمان، إنه دين اجتماعى بحت يضحى بالنص من أجل افكار سائدة ليس لها علاقة بالإسلام.
كان يمكن لهذه الأفكار أن تسود وتؤثر فى فترات أخرى غير التى نعيشها، لكنها الآن ليست مناسبة، فهناك حالة اختلاط هائلة فى المجتمع ويعلى الجميع من شأن المواطنة ولا يمكن أن ننكر ذلك، ولا يمكن أن ننكر كذلك أن مثل هذه التفسيرات تعارض المواطنة بل فيها ما هو أكثر من ذلك فهى تحط من شأن المرأة وتجعل منها كائنا هشا وضعيفا ولا تملك من أمرها شئيا، فهى إذا كانت مسيحية فسوف يؤثر زوجها عليها ويجعلها تدخل فى الإسلام وفى ذلك خير كثير للإسلام وإذا كانت مسلمة فلا تتزوج من مسيحى لأنه حتما سيؤثر عليها ويجعلها تترك دينها، ولذلك تم تحريم زواجها منه فأى إهانة تلك وأى استخفاف بالنساء، إن دين الله لا يحتقر المرأة فلماذا يحتقرها دين الفقهاء؟!
على الهامش وقبل أن أمضي، لا أريد أن تصدر فتوى أو قانون يقول بزواج المسلمة من المسيحى لكننى فقط أحاول أن أشير إلى خطأ نقع فيه جميعا ونعتقد أنه من الإسلام وهو ليس من الإسلام فى شيء.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.