"يطبقوا حل الدولتين بين فتح وحماس.. فتح تاخد الضفة وحماس غزة" قالها أحد الشيوخ الهارمين فى فلسطين بعد تذمره من جولات المصالحة الفلسطينية بين حركتى فتح وحماس المتعاقبة على مدار عشر سنوات التى لم تفضِ إلى أى اتفاق على الأرض، ولم يشعر المواطن الفلسطينى بأى فائدة من تلك الجولات التصالحية فى المعيشة أو تحسن الوضع الاقتصادى بل زاد الأمر من التضييق وحصار الاحتلال على قوته فضلا عن عمليات الدهم والاعتقال والقمع والتنسيق الأمنى المستمر .
لم يجنِ المواطن الفلسطينى البسيط شيئًا من جولات المصالحة بين حركتى فتح وحماس والتى بلغت 27 جولة واتفاق بين الطرفين خلال ما يقرب من عشر سنوات، عقب الأحداث الدموية التى شهدها قطاع غزة عام 2007، أو ما أطلقت عليه حماس وقتها "عملية الحسم" والتى بسطت من خلالها سيطرتها على قطاع غزة، وهى الأحداث التى تسببت فى الانقسام الفلسطينى على المستويين السياسى والجغرافى، واستمرت محاولات ومساعٍ للمصالحة ولم الشمل بين الفلسطينيين بوساطات مختلفة، لكنها كانت تتعثر فى كل مرة لأسباب مرتبطة بالطرفين حتى الوقت الحالى.
الدور المصرى
واستمرت جولات المصالحة بين طرفى الأزمة تراوح مكانها وانتقلت إلى عدة عواصم عربية أبرزها القاهرة ومكة والدوحة والأردن وسوريا واليمن، بالإضافة إلى محاولات من قبل تركيا فى السنوات الأخيرة، منذ الأحداث الدموية التى شهدها قطاع غزة عام 2007 والتى أحدثت انقسامًا فلسطينيًا، كانت هناك محاولات ومساعٍ للمصالحة ولم الشمل بين الفلسطينيين بوساطة مصر باعتبار ثقلها فى المنطقة وبحكم الجوار والروابط الجغرافية، بالإضافة إلى الدور المصرى الواعى فى تقارب وجهات النظر والتكفل بضمانة عدم وجود تدخل إسرائيلى لإفشال أى جهود للمصالحة، ولعبت المخابرات المصرية منذ عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك دورًا هامًا تحت إشراف الجنرال الراحل اللواء عمر سليمان الذى كانت حركتا فتح وحماس تعتبراه من أفضل من لعب الأدوار السياسية فى ملف القضية الفلسطينية.
وكانت مصر اللاعب الرئيسى فى رعاية المصالحة عبر السنوات الماضية رغم محاولات الدول الأخرى لعب دور الراعى، إلا أن مصر هى التى كان لها الدور الأبرز فى رعاية المصالحة ومحاولات تقريب وجهات النظر بين طرفى الأزمة، كما أن لمصر دور محورى ليس فقط فى إطار الرعاية للمصالحة والإشراف عليها، بل تعد مصر طرفا شريكا فى تلك المصالحة بسبب وجود قضايا وبنود فى اتفاقات المصالحة يجب تدخل مصر فيها كقضية معبر رفح وأنه تحول الآن لهمزة الوصل بين الضفة والقطاع وهو المتنفس الوحيد لأهالى غزة فلا يمكن إقرار أى اتفاق إلا وتكون مصر شريكًا أساسيًا فيه، فضلًا عن الدور السياسى والاقتصادى والصحى والإغاثى فى حالات العدوان الإسرائيلى، كما يبرز دورها مستقبلا فى إعمار قطاع غزة حال الوصول لاتفاق بين الحركتين.
وتعثرت المصالحة الفلسطينية فى أكثر من محطة وتنقلت فى العديد من الاتفاقات كالورقة اليمنية فى البداية، ولقاء الرئيس السنغالى، واتفاق مكة، والورقة المصرية، وإعلان القاهرة، ولقاء سوريا، واتفاق الدوحة.. بالإضافة إلى اللقاءات الهامشية العابرة، واللقاءات المنفردة بين قيادات الحركتين.. لكن فى النهاية لم تسفر تلك اللقاءات عن أى ثمار أو اتفاق يحلل الأزمة بين الجانبين .
معوقات المصالحة
وبالرغم من مرور ما يقرب من عشر سنوات ولم تسفر المصالحة عن أى تقدم، وذلك يقف خلفها العديد من المعوقات التى تجعل طرفى الأزمة كل منهما فى معسكره بعيدا عن الطرف الآخر، ومن أبرز تلك المعوقات:
- المرجعية الأيدولوجية، والتى كانت سببا رئيسيا فى استمرار الانقسام لعدم وجود قواسم فكرية مشتركة بين الجانبين كقضية الاعتراف بإسرائيل، فحركة فتح تتعامل معها باعتبارها واقعًا سياسيًا وكيانًا موجودًا على الأرض ويجب التعامل معه، بينما تنظر لها حماس باعتبارها خطا أحمر ولا يمكن الضغط من خلاله ولا الاعتراف بشرعيته باعتباره كيانا غاصبا ومحتلا.
- المقاومة، وهى من أبرز القضايا الرئيسية لدى حركة حماس فلا يمكن لها التخلى عن مقاومة الاحتلال أو المساومة عليها، وقد تقبل بتهدئة مؤقتة أو هدنة طويلة المدى لكن دون إلقاء سلاحها أو التفريط فيه، بينما يرى أبو مازن وقيادة حركة فتح أنه يجب توحيد القوى العسكرية من خلال جيش واحد وشرطة واحدة وأنه على حركة حماس التخلى عن عمليات الاستهداف ضد إسرائيل، وهو ما ظهر من خلال تصريحات أبو مازن الدائمة بأن صواريخ المقاومة هى صواريخ عبثية.
- عدم وجود مرجعية مؤسسية يحتكم إليها الطرفان، وتُحدّد أولويات المشروع الوطنى، وتمثيل الشعب الفلسطينى فى الداخل والخارج، وآليات تداول السلطة، وبالرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية هى الجهة التى عليها القيام بهذا الدور، إلا أن حماس ومعها حركة الجهاد الإسلامى وشرائح فلسطينية واسعة ليست أعضاء فى المنظمة، بينما تحتكر حركة فتح قيادة المنظمة منذ أكثر من47 عاما، وبالتالى، لم تعد المنظمة تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطينى.
- تحديد الأولويات الوطنية: كل من طرفى الأزمة له رؤيته فى تحديد الأولويات، وما يمكن تقديمه من تنازلات، لكن يظل النزاع بين مشروعى المقاومة والتسوية، وتبقى تساؤلات مطروحة فى الشارع الفلسطينى أى الملفات لها الأولوية فى حال تمت المصالحة؟ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وإجراء الانتخابات، أم إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها، أم إصلاح الأجهزة الأمنية، أم للبرامج الاقتصادية، أم لرفع الحصار وإعادة الإعمار، أم لتحقيق الاعتراف بدولة فلسطين فى الأمم المتحدة، أم لقضية اللاجئين، أم لمواجهة برامج التهويد، خصوصا فى القدس.
- التنسيق الأمنى وإعادة هيكلة الأجهزة، وهو ما نتج عن حالة الفلتان الأمنى فى قطاع غزة وسيل الدماء بين الجانبين وأثره فى تعزيز انعدام الثقة بين الطرفين، كما ترى حركة حماس أنه لا يمكن إجراء مصالحة حقيقية مع حركة فتح فى ظل وجود تنسيق أمنى بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وعمليات تسليم واعتقال عناصر المقاومة لإسرائيل .
- التدخل الإسرائيلى، فلا تزال السلطة الفلسطينية قرارها مرهون منذ توقيع اتفاق أوسلو بالجانب الإسرائيلى، فاتفاق أوسلو ألزم منظمة التحرير الفلسطينية بعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة، وبإقامة سلطة وطنية يتحكم الإسرائيليون بمدخلاتها ومخرجاتها، وبوارداتها وصادراتها، وتحويل أموالها وانتقال أفرادها وقياداتها، وبذلك لن تترك القيادة الإسرائيلية السلطة الفلسطينية فى تحديد مصيرها خلال نقاشات ومفاوضات المصالحة الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطينى.
- التأثير الأمريكى، فواشنطن تلعب دورًا لا يستهان به على المسار الفلسطينى، إذ إن الدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل وتوفير الغطاء الدائم لاحتلالها وانتهاكاتها وممارساتها ضدّ الشعب الفلسطينى، وكذلك التدخل لفرض شروط الرباعية على حماس وقوى المقاومة الفلسطينية، بما فى ذلك الاعتراف بإسرائيل ووقف المقاومة المسلحة، والاعتراف بالاتفاقيات التى وقعتها المنظمة، بما فيها اتفاقيات أوسلو، شكل تدخلا سافرا فى محاولة تحديد مسارات وخيارات الشعب الفلسطينى ومواقفه، وكان جزءا أساسيا من نقاشات المصالحة الفلسطينية منصبا على طريقة تكييف تشكيل الحكومة الفلسطينية مع شروط الرباعية.
- - التشتّت الجغرافى للشعب الفلسطينى: فحتى الآن لا يجتمع الفلسطينيون فى مكان واحد، ولا يحكمهم نظام سياسى واحد، فهناك نحو مليونين و900 ألف فى الضفة الغربية تحت الاحتلال وتحت قيادة فتح، ووجود نحو مليون و850 ألفا فى قطاع غزة تحت الحصار الإسرائيلى وتحت قيادة حماس، ووجود نحو ستة ملايين و150 ألفا موزعين على دول العالم، ورغم تطلع الشعب الفلسطينى كله إلى تحرير فلسطين وتحقيق حلمه فى العودة والاستقلال، فإن بيئات الحياة وظروف الحكم المختلفة أثرت فى ثقافة الفلسطينيين وطريقة تناولهم وفهمهم للأمور.
الطريق لإنهاء الانقسام
وفى ظل الوضع المتأزم الذى تعيشه القضية الفلسطينية فى الوقت الحالى، لا يمكن تحقيق مصالحة وطنية فلسطينية حقيقية، إلا بتقديم التقارب والتنازل بين الشريكين المتشاكسين على الأرض لإعلاء مصلحة الشعب الفلسطينى، وتوفر إرادة حقيقية ملزمة للطرفين، بالإضافة إلى دور الرعاية والحاضن السياسى والذى يجب على مصر أن تلعبه باعتبارها الراعى الرئيسى للقضية الفلسطينية.