مخطئ من يظن ان الفن السينمائى فى مصر لا يعبر عن شريحة واسعة من الشعب، فترة طويلة خاصة فى فترات الأربعينات حتى نهاية الستينيات كان حجم تأثير الفن المصري على المجتمع كبير وملحوظ ، فالعلاقة بين الطرفين علاقة تكاملية بشكل كبير فالفن المصرى كان فى هذه الفترة يشكل جزء مهما من الثقافة العامة، وفي نفس الوقت يلعب دورا مهما في التعبير عن المشاكل الاجتماعية سلباً أو إيجاباً.
الفن والثقافة عموما هما دليل عنفوان المجتمع ، بتقدمهما يتقدم المجتمع وبانهيارهما ينهار المجتمع ، وهذه حقيقة تنسحب على الأمة بأسرها.
وقد حل الآن بدلا من السينما "الفضائيات التلفزيونية " ومن هنا تبرز خطورة هذه الأدوات التي دخلت كل بيت ، والتى أصبحت هي مصدر استقاء القيم والمعلومات للشباب وغير الشباب ، إضافة إلى أن ما تعرضه هذه الفضائيات التلفزيونية بات وسيلة بناء لتكوين الشخصية المصرية ، ولم تعد للمدرسة والجامعة ، ولم تعد للثقافة والقراءة حضور فعال في المجتمع .
انهيار منظومة القيم والأخلاق الحميدة
لن أتحدَّثَ - بإسهاب - عن أسبابِ الانهيار الأخلاقي؛ لأنها معروفة، يدركُها القاصي والدَّاني، والصغيرُ والكبير، والأميُّ والمتعلِّم، حتى صارت معلومة لدى النَّاسِ بالضرورة.
• أولُ ما يتعلمه الطفل في عصرنا هذا - ما يخدِشُ الحياء.
• فأين الأسرةُ والمجتمع، والمؤسَّسات التعليمية، في تنشأةِ وتربية جيل المستقبل؟
• كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيَّته.
• فأنا وأنتم كلنا، مسئولون، وسوف نُسأل، يوم لا ينفع الندم.
إذا كانت السينما فى القرن الماضى من ضمن الوسائل التي تلعب دورا كبيرا في تشكيل الوعي الثقافي المجتمعى ، فإن الكوارث الأخلاقية التى نرها الآن فى هذا القرن يقدمها التليفزيون والسينما والفضائيات من خلال الدراما كثيرة ولا يمكن حصرها ، دليل على ما تصدره هذه الآلة الإعلامية الخطيرة من مباديء وقيم ضارة بالمجتمع وتهدده في قيمه وتقاليدة : ففي عهد تراجع فيه دور الكتاب في تثقيف الشباب ، واحتل التليفزيون مكانه ، أصبحت المواد التي تقدم على الشاشة هي المكون الرئيسي لثقافة الشباب ، وعقولهم ، وإذا كانت هذه المواد تحتوي على قيم لا أخلاقية ، فمن المنطقي أن تصبح هذه القيم هي المثل الذي يحتذيه الشباب .
بدأت السينما منذ فترة السبعينيات من القرن العشرين فقدمت قيما غريبة على المجتمع ، وما يقدم حتى اليوم دليل على انهيار كافة القيم التي تقدمها وسائل الإعلام المرئية ، ويكفي أن نذكر أفلاما مثل " صايع بحر " و " حاحا وتفاحة " وغيرهما من الأفلام التي تحتوي على مجموعة من الألفاظ والتعليقات والتلميحات التي تخدش الحياء العام وتقتل كل القيم في المجتمع . وعناوين مسرحيات وأعمال فنية مثل : " حزمني يا بابا " و " خد الفلوس واجري " و " العشق والهوى " .
خاصة في ظل انسحاب الأسرة من مسئولياتها في التربية والتقويم حتى أصبحت القيم التي تقدمها وسائل الإعلام الجماهيرية هي القيم المؤثرة في شخصية الإنسان المصري وتغيرت مقولة : " الناس على دين ملوكهم " إلى مقولة أخرى معبرة هي : " الناس على دين إعلامهم " ! .
« فإذا رجعنا بالذاكرة فى القرن الماضى خاصة أفلام السينما المصرية فى فترة الأربعينات إلى الستينات سنجد أنها كانت تبث القيم والأخلاق التى تتمسك بها أوساط الطبقة الأرستقراطية بمصر !!
ومثال على ذلك ، فيلم المراهقات الذى قُدم عام 1960وقامت ببطولتة الفنانة ماجدة عن قصة على الزرقانى وإخراج احمد ضياء الدين .
فهناك مشهد فى الفيلم عندما كانت الأخت تريد الذهاب إلى السيينما ، ماذا حدث ، وماذا دار فى هذا المشهد من حوار ؟!
الذى يوضح كيفية تمسك العائلات الأرستقراطية بالقيم والأخلاق من قبلها ؟!!
نيجي نشوف المشهد مع أنه ديالوج بين (الأم والأخ والأخت )
الأخ :يالله ياندى بلاش لكاعة .
الأخت :ماأنا لبست هدومى أهوه .. بتجرى كدة ليه ؟؟
أستنى شوية !
الأم تقول لابنها فى مواجهة أخته :"أنت شيك ياابنى " .
البنت تقول لأمها :ماما شوفتى فستانى أنا كمان "ماقلتليش أنا كمان "فستانك حلو ".
الأم ترد عليها :حلو بس محزق أقوى إنتى رايحه تخطبيى؟؟
الأخت تنادى على أخيها وتقول له :يالله ياطارق أنا جاهزة .
الأخ يرد عليها :دقيقة واحدة بلاش دوشة .
الأخت ترد عليه :مش انت اللى كنت مستعجل ؟؟
الأم تقول لهم :رايحين أى سينما !!
البت ترد عليها قبل أخيها :رايحين فيلم قصدى ...سينما كايرو مش كده ياطارق !!!
أخيها يرد عليها :مش مكسوفة على دمك ؟؟
الأخت ترد علية :ليه بقى !!
هنا تنظر الأم وتقول لأبنها :ليه ياطارق فيه أيه ؟؟
الأخ يقول للأم :عاوزه تروح فيلم "نهر الحب " .
الأم تنظر إلى البنت وتشخط فيها بقوة وتقول لها بحزم "آه ياقليلة الأدب " .
البنت تصرخ وتبكى وتقول لها ياماماااا ؟
البنت أخرسى ياقليلة الأدب!!
وهنا عندما توافق الأم على الذهاب إلى السينما بس فيلم آخر غير "نهر الحب " .
هنا تطلب من الأبن التالى وتقول له ؟؟
"خد ياطارق الفلوس إذا لم تجد لها مكان على الممر تاخد تذكرة زيادة وتخلى الكرسى التانى فاضى " .
هناك مشهد رائع آخر يظهر محافظة الأسرة على القيم والأخلاق فيلم "العريس يصل غدا ""عام 63
بطولة سعاد حسنى ومديحة سالم ومديحة يسرى وأحمد رمزى وعماد حمدى وإخراج نيازى مصطفى .
ومن أجمل مشاهد الفيلم هذا المشهد .
تمثل الأم دور المغمى عليها وأنها بتموت حتى تؤثر على بناتها الكبار عشان يتجوزا ، وليلى تحاول إقناع كوثر وسميرة بأسلوب طفولى بلا فائدة ، فتذهب لأمها الراقدة على السرير ، خلاص يا ماما ، ما دام هما مش موافقين ، أنا حاتجوز فتح الله ، فجاة تلاقى ليلى القلم على وشها ، وثورة أمها الـ كانت بتموت من ثوانى ، آه يا قليلة الأدب ما كملتيش 16 سنة وبتتكلمى على الجواز .
هذا ماكان يحدث فى الماضى وأبرزتة السينما المصرية ...لكن الآن أصبحت الدراما المصرية تعاني من الانفلات الأخلاقي الذي يعاني منه الشارع المصري، ففى الماضى وجدنا أن الدنيا قامت ولم تقعد عندما قالت فاتن حمامة فى فيلم الخيط الرفيع «يا ابن الكلب ...» الآن أصبحت كلمة عادية فى كل المسلسلات ، فالأخلاقيات تغيرت والتليفزيون ساعد على ذلك كثيرا ويدخل كل بيت .
الشتائم قاسم مشترك في غالبية الأعمال الفنية سواء تلفزيونية أو سينمائية ، وأنت تجلس أمام الشاشة تجد مفردات من نوعية «يا ابن الكلب - وابن المركوب - وحياة أمك - ويلعن كذا....» وكأن كُتاب الحوار ، عجزوا عن ترجمة مشاعر الغضب إلا بالألفاظ الخارجة عن حدود الأدب والأخلاق، التي جعلت الكثيرين من أولياء الأمور يجلسون أمام الشاشات وأيديهم علي الريموت كنترول لنقل الوضع علي قناة أخري في حالة خروج الممثل عن النص.
في الماضي كان للرقابة دور مهم جداً في القضاء علي هذه الظاهرة، ولم يكن يجرؤ كاتب الحوار أو المخرج إضافة لفظ خادش للحياء، لأن الرقابة كان لها قوة القانون أي خروج يقابل بالحذف، لم يكن هذا علي مستوي الدراما فقط بل علي مستوي كل ألوان الفنون، المسرح والسينما والدراما.. المسرح مثلاً كان هناك لجان تمر، وكانت لها القدرة علي إيقاف العمل لو خرج ممثل عن النص، رغم أن المسرح لم يكن من السهل السيطرة عليه لأن الفنان من الممكن أن يرتجل، ويغير ما يشاء بشكل يومي... و بسيرتهم التى تنتقل على ألسنة من حولهم .
أيها السادة "لحظات قليلة تفصل بين عالم الرذيلة والشهوة.. وبين العقاب والفضيحة.. لكن الغريب والمثير أن احداً منهم لا يتعظ.. ولا يشعر بالخجل.. وكأنه لا يتوقع أن تكون نهايته كأمثاله ممن سبقوه.. وامتلأت صفحات الصحف والمجلات بفضائحهم الاخلاقية .
ثم يأتى السؤال الأهم وهو ، هل نحن كأباء وأمهات من حقنا أن نقلق من هذا الانحدار على الجيل القادم ، ولو قلقنا فماذا بأيدينا؟؟
الأب هيقول "عيب ياقليل الأدب"...والأم هتقول" أه ياقليلة الأدب " .