طفل صغير لم يتجاوز العاشرة من عمره، وقعت عينى عليه فى أحد المواقف بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، تخيلته للحظة الأولى وأنا فى طريق عودتى لقريتى فى انتظار دوره لاستقلال إحدى سيارات الأجرة برفقة والديه، وكم كانت دهشتى شديدة عندما جلس الصغير على مقعد القيادة بعد أن تأكد من اكتمال عدد الركاب.
للوهلة الأولى يبدو المشهد عبثياً، فجميع السيارات التى تنتظر دورها لتحميل الركاب فى الموقف نصف نقل، أى أنها مخصصة لنقل المواشى والبضائع وليس البشر، كما أن الكثير من السائقين لا يحملون رخص قيادة، والبعض منهم معروف بأنه من ذوى السوابق، بل كثيراً ما يفتخر هو نفسه بهذا الأمر وسط أقرانه وأمام مرتادى الموقف من الركاب الذين يحاولون، فى بعض الأحيان، انتزاع جزء من كرامة اعتادت هذه النوعية من السائقين انتهاكها، خاصة فى ظل إحساسها بأنها تعيش فى دولة داخل دولة.
لا يتوقف الأمر فى مواقف القرى بالغالبية العظمى من أقاليم ومحافظات مصر على السيارات غير المؤهلة أو السائقين صغار السن، أو الذين لا يملكون رخصاً للقيادة، وإنما يمتد إلى المشاجرات الدائمة التى تنشب بين هؤلاء السائقين وبعضهم البعض، أو فيما بينهم وبين الركاب والتى تستخدم فيها الأسلحة بمختلف أنواعها، فيما يكون الضحايا غالباً من البسطاء الذين شاء حظهم العثر أن يتواجدوا فى مثل هذه المواقف لحظة اندلاع المعركة.
الغريب أن هذا كله يتم تحت سمع وبصر عشرات الأجهزة، بداية من المرور والمجالس المحلية، والشرطة، والتى تتحرك غالباً بعد وقوع الكارثة وسقوط العديد من القتلى والجرحى، حيث تتعامل مع كل حادثة على حدة، فيما يتكاتف الجميع على الالتفاف على القانون الذى يتسبب تغييبه عمداً مع سبق الإصرار والترصد فى استمرار مسلسل النزيف على الأسفلت.
المادة 160 من قانون المرور تنص على أن تكون السيارة الأجرة مصممة أصلاً لركوب الأشخاص، بما لا يجاوز سبعة ركاب بخلاف قائدها لسيارات الأجرة بالعداد، وبالنسبة لسيارات الأجرة المخصصة لنقل الركاب بين محافظتين أو أكثر ألا يقل عدد الركاب عن خمسة ولا يزيد عن خمسة عشرة ركاب بخلاف قائد السيارة، وبالنسبة لسيارات الأجرة المخصصة لنقل الركاب داخل المحافظة (سرفيس) لا يجاوز عدد الركاب عن سبعة عشر ركاب بخلاف قائد السيارة، ويخصص 50 سم من طول المقعد والمسند أن يكون القياس من منتصف العرض والأبواب مغلقة .
خسائر ضرب عرض الحائط بالقانون يكشفها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، والذى يشير إلى ارتفاع حوادث السيارات وحصيلة الضحايا من المتوفين والجرحى على الطرق ليصل عدد حوادث السيارات 14548 حادثة عام 2015 مقابل 14403 حادثة عام 2014 بنسبة ارتفاع 1٪ نتج عنها 6203 متوفين، 19325 مصابا، 19116 مركبات تالفة، كما بلغ عدد حوادث القطارات 1235 حادثة عام 2015 مقابل 1044 حادثة عام 2014 بنسبة ارتفاع 18.3٪ ويرجع ذلك إلى عـدم الاهتمام بتطوير بوابات المنافذ (المزلقانات).