فى أحد أهم ميادين محافظة الجيزة ، وبمحازاة من يسيرون فوق كوبرى فيصل، الشهير بكوبرى ميدان الجيزة، تطالعك ــ كسائق سيارة أجرة أو تاكسى، مكروباص أو ملاكى أو نقل، أو تجلس حتى بجوار السائق كراكب ــ إعلانات كثيرة وعديدة ومتنوعة، صغيرة وكبيرة، منها المعتم والمضىء، ومنها إيضا ما هو حسب المهنة والحرفة، إعلانات للمحامين والمحاسبين وخبراء الضرائب ومعامل التحاليل ومنظمات لحقوق الإنسان والحيوان، وشركات لتقسيم وبيع الأراضى وغيرها وغيرها، وضمن الآلاف من لوحات الإعلانات ستلحظ عزيزى السائق أو الراكب فوق كوبرى الجيزة إعلانات الأطباء .
النجاح مضمون مليار فى 100
غير أن كل إعلانات الأطباء فى ميدان الجيزة ، بل وفى ميادين مصر شىء، وإعلان البروفسير شىء آخر، قلما تجد له مثيلا، فعلى واجهة إحدى العمارات الشاهقة ، ستلاحظ ـــ من يسير فوق الكوبرى ، قادما من الهرم والمنيب وفيصل ومتجها إلى الجامعة ـــ عددا من اللوحات الإعلانية المضيئة التى تحتوى على تعريف بطبيب متخصص فى كل ما يتعلق بتجديد "العفشة" ، بس مش "عفشة" السيارة، بل "عفشة" البشر ــ لامؤاخذة ــ من تحت ، وإلى حضراتكم الإعلان ( لأول مرة فى العالم طبيا، بدون جراحات..علاج البواسير والشرخ الشرجى .. متابعة وعلاج الناسور والبروستاتا.. والتبول الليلى اللإرادى.. وأمراض المثانة – المعدة والقولون- بدون التدخل اليدوى – بدون جراحة بالليزر أو بالجهاز أو بالأبر أو بالتبريد وبدون أعشاب) ...( بدون ألم بدون تخدير ..النجاح مليار % ...والفشل صفر % بإذن الله ) ...البروفسير الدكتور / عباس حلمى ( القصر العينى).
كما أن هناك إعلان أقل حجما من الأول يحتوى على هذه الكلمات أيضا ( البروفسير دكتور حسن عباس حلى ..لأول مرة فى العالم طبياً ...بدون جراحات – بدون ليزر – بدون تخدير – بدون ألم ..علاج البواسير والشرخ الشرجى ..متابعة وعلاج الناسور - والبروستاتا – والتبول اللإرادى ..النجاح مليار % ...الفشل صفر % بإذن الله ) ..الإعلانات لا تقتصر فقط على مدخل وجوانب العمارة ، التى يتخذ البروفسير شقة منها كعيادة خاصة به ، بل تنتشر وتتوغل وتتوزع على أغلب أعمدة الإنارة فى ميدان جامعة القاهرة والشوارع المحيطة به ، على طريقى ، ندرة فى الإنتاج وغزارة فى التوزيع .
البروفسير مسافر.. وأنا الدكتور المساعد
هذه الإعلانات وطريقة كتابتها أثارت اهتمامى ، وربما أثارت اهتمام الكثيرين ، ولكن حب الاستطلاع دفعنى للاتصال بأحد أرقام التليفونات الخاصة بالعيادة ، ودار بينى وبين من ظننته فى البداية الدكتور البروفسير حوارا قصيرا ، تلخص فى إفصاحى له عن شخصيتى كصحفى أثارتنى كلمات الأعلانات ، فكان رده أنا الدكتور ، فقلت يا دكتور كيف لك أن تقرر نسبة النجاح فى العملية وأنه مضمون مليار % ، وأن نسبة الفشل صفر % ، رغم أن الطب يضع نسبة خطأ فى العمليات ، كما يضع فرقا بين الأخطاء التى يتحملها الطبيب والأخطاء التى تكون خارجة عن إرادته ، فما كان منه إلاّ أن ترك الكلام فى الطب ، وبدأ يحدثنى فى قال الله ، وقال الرسول ، وبطريقة غير منظمة ولا مرتبة فى الكلام والرد ، وعندما قلت يا دكتور أريد أن التقى بك وجها لوجه للناقش هذا الأمر ، قال أنا لست البروفسير ..البروفسير مسافر، قلت إذن من أنت ؟؟
قال أنا المساعد قلت أنا عاوز أقابل الدكتور لمناقشته فى نسبة الخطأ فى العمليات الجراحية ، قال دى مش عملية جراحية، وأنا الدكتور محمود مساعد البروفسير ، والمتحدث الرسمى باسمه ، قلت له بعد أن شعرت أنه ليس دكتورا ولا يحزنون، أنت خريجطب أيه ، فقال القصر العينى ، قلت دفُعة كام ، فرد إنت عاوز منى دفعتى أيه ؟؟
قلت أتشرف بيك يا دكتور ، قال لا ، أنت ربما جاسوس أو "مزقوق" علينا
من الأعداء !!
وبعدين أنا مش البروفسير ولا المساعد ولا اتحدث فى التليفونات ، تعالى المستشفى وانا أتكلم معاك ، قلت حالا أنا جاى العيادة عشان أشوفكم ، قال بغضب لا لا لا تأت ، لأن البروفسير مسافر ، وأنا معنديش وقت لمقابلة صحفيين ، وهم بإغلاق الهاتف ، فقلت له ..ارجوك احجز لى موعدا مع البروفسير عندما يعود من سفره ، قال ماشى ثم أغلق الهاتف .
مجارى البروفسير الوهمى تطفح سبابا وشتما وتهديدا
بعد هذا الحوار وإغلاق التليفون أصبحت شبه متأكد أننى لم اتحدث مع دكتور ولا واحد عدى على شارع الجامعة أصلا .
وخلال دقائق كنت قد اقتنعت فيها بإتمام كتابة موضوعى عن هذا الإعلانات الغريبة وما حدث معى ، رن تليفون الموقع وكان المتكلم يريدنى شخصيا وبالإسم ، أنت فلان قلت نعم ، وهذا موقع "انفراد" قلت نعم ، هنا أطلق المتحدث سيلا من التهديدات ، قائلا لا تأت إلى العيادة لأننا قد أبلغنا عنك مباحث ومديرية أمن الجيزة وسوف يلقون القبض عليك بمجرد وصولك للعيادة.
إلى هنا وبعد أن تيقنت أننى اتكلم مع شخص لا دخل له بالطب ولا بالهندسة ولا حتى العقل ، قلت له أنا جاى العيادة حالا ، ورغم مواعيد شغلى التى ستنتهى بعد المغرب فسوف آتى إلى العيادة الآن ، وبمجرد أن قلت العبارة الأخيرة ، أطلق هذا الشخص سيلا من السباب والشتيمة طالتنى وطالت أمى وأبى والموقع والجريدة و الصحافة كلها ، وتوعدنى بالموت إذا أتيت إلى العيادة ، ومع كل ذلك هروح العيادة .