خلال الأسبوعين الماضيين، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار فى السوق السوداء إلى مستوى 13 جنيهًا للدولار، قبل أن يتراجع مرة أخرى، إلى مستوى الـ12 جنيهًا، بدأت الحملات المكثفة من البنك المركزى المصرى، ومباحث الأموال العامة، لضبط شركات الصرافة المخالفة، والتى تعتبرها تلك الجهات مسؤولة بشكل كبير عن نشاط السوق السوداء للعملة، والذى يصل المعروض به إلى نحو 90% من سوق العملات الأجنبية فى مقابل 10% من السوق الرسمية بالبنوك.
ولعل الحل الأمنى للأزمة الحالية بإغلاقات شركات الصرافة، والتى وصل إلى 26 شركة بشطب نهائى وسحب تراخيص مزاولة النشاط، ونحو 22 شركة بإغلاق لمدد مختلفة تصل إلى عام، وسط توقعات بمزيد من الإغلاقات خلال الفترة القادمة، سوف يؤثر بشكل ملحوظ على حجم المعروض من العملة الأمريكية، وبالتالى ظهور أماكن بديلة للمارسة نشاط الإتجار بالعملة، فى المحال التجارية التى تمارس أنشطة مختلفة، أو تصل إلى توصيل الطلبات من الدولار إلى المنازل، عن طريق عملاء على علاقات سابقة بعمال شركات الصرافة المغلة بقرار البنك المركزى.
ويكثف البنك المركزى المصرى من حملاته عن طريق التفتيش الميدانى، على شركات الصرافة، لضبط الشركات التى تخالف التعليمات الرقابية، وسحب تراخيصها، أو التدرج فى الجزاءات العقابية، وقبل اتخاذ قرار بإيقاف شركة صرافة يتم إنذارها مرتين، وبعد المرة الثالثة يتم إغلاقها"، وأن الإيقاف يترواح بين شهر وشهرين وتصل لعام لبعض تلك الشركات، وفقا لتكرار المخالفة أكثر من مرة.
ومن الممكن أن تؤدى سياسة إغلاق شركات الصرافة إلى إنتشار بيع العملة وعمليات الإتجار فى أماكن أخرى غير مخصصة لهذا الغرض، مما يخلق سوقًا موازية أكثر شراسة تنتشر بها المضاربات العنيفة على الدولار فى ظل تراجع الموارد من العملة الصعبة، وسط تقديرات لهذه السوق بنحو 60 مليار دولار سنويًا، وهو ما يؤثر على المعروض من العملة الصعبة، ويهدد بمزيد من ارتفاعات قادمة فى سعر الدولار ليصل إلى 15 جنيهًا للدولار، فى ظل الشائعات التى تترد بين الحين والآخر حول خفض جديد للجنيه فى السوق الرسمية.
وتشمل المخالفات التى تم رصدها خلال الفترة الماضية لشركات الصرافة، التعامل بمبالغ تفوق عهدتها مع عدم إصدارها إيصالات استبدال لبعض العمليات، تمهيدًا للتعامل بها خارج القنوات الشرعية، بالإضافة إلى عدم التزامها بالأسعار المعلنة والتعامل بأسعار غير السوق الرسمية.
الحل الجذرى لأزمة نقص العملة الصعبة التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، يكمن فى تعزيز الموارد الرئيسية للعملات الأجنبية، عن طريق خطة واضحة للترويج السياحى، ومنتجات مصرفية تجتذب مدخرات العاملين المصريين بالخارج، ودعم الاستثمار الأجنبى، إلى جانب إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولى بقرض الـ12 مليار دولار لما له من أثر جيد لدعم ثقة المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى.
وتعد مصادر الدخل القومى بالعملات الأجنبية للاقتصاد المصرى الحصن الهام لتدبير الموارد الخاصة للاستيراد من الخارج فى ظل واردات مصرية تقدر بنحو 90 مليار دولار خلال العام الماضى، إلى جانب وظيفتها الهامة الأخرى فى دعم أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى الذى يستخدم فى أوقات الأزمات ولسداد مديونيات مصر الخارجية.
وتتمثل مصادر العملة الصعبة ذات الأهمية للبلاد، فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإيرادات قطاع السياحة ورسوم عبور قناة السويس، وتحويلات العاملين المصريين بالخارج، وإيرادات الصادرات، إلى جانب المساعدات والمنح والودائع من دول الخليج وتركيا التى دعمت أرصدة الاحتياطى الأجنبى خلال الفترة الماضية، وبعض تلك القطاعات تأثرت بالفعل على مدار السنوات الـ5 الماضية نتيجة الاضطرابات، خاصة قطاعى الاستثمارات والسياحة.
وانخفضت أرصدة الاحتياطى الأجنبى لمصر نحو 15.536 مليار دولار، بنهاية شهر يوليو 2016، مقابل 17.546 مليار دولار بنهاية شهر يونيو الماضى، بانخفاض قدره نحو 2 مليار دولار.
وتستهدف الإجراءات التى اتخذها البنك المركزى والتى سوف يتخذها خلال الفترة المقبلة، العمل على ترشيد استخدامات أرصدة النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى والبنوك العاملة فى السوق المحلية وتوظيف العملة الأجنبية فى العمليات الاستيراد بشكل أمثل، إلى جانب السيطرة على فوضى الاستيراد من الخارج للسلع الغير ضرورية ومنتجات الرفاهية فى ظل الأزمة الخاصة بتأثر موارد العملة الصعبة من قطاعى السياحة والاستثمارات، وتشجيع الطلب على المنتج المحلى والسلع التى لها بديل فى السوق المحلية.
وتعمل البنوك على تنمية مواردها الدولارية الذاتية من عمليات تنازلات العملاء عن العملة والإيداعات بشراء الأوعية الإدخارية والشهادات بآجالها المختلفة، بالعملات الأجنبية الرئيسية، بالإضافة إلى أرصدة البنوك الدولارية الناتجة عن العمليات المصرفية المختلفة، ثم تلجأ لعطاء البنك المركزى المصرى الذى يجرى يوم الثلاثاء أسبوعيًا بنحو 120 مليون دولار، لتدبير حصة محددة هامة لتقليل الفجوة بين الطلب على العملات وحجم المعروض الذى تعمل على تدبيره.