"حتى منزلنا تم تدميره ولم نعد نملك شيئاً فهربنا".. بتلك العبارة خطفت يسرى ماردينى، اللاجئة السورية، قلوب المشاهدين قبل المشاركين فى دورة الألعاب الأولمبية بالمدينة البرازيلية ريو دى جانيرو، فضلاً عن ملايين المعجبين بصمود البطلة السورية على مواقع التواصل الاجتماعى فى جميع أنحاء العالم.
تحولت الفتاة ذات الـ18 عاماً، أحد الفارين من ويلات الحرب السورية متحدية الموت على متن قارب مطاطى مخصص لنقل 6 أفراد يستغله المهاجرون لنقل 20 مهاجراً، فقط لتحقيق حلم يراودها من ثمانى سنوات بالمشاركة فى دورة الألعاب الأولمبية، إلى مصدر إلهام لجميع اللاجئين حول العالم، لتقوية عزيمتهم وعدم فقدان الأمل فى تحقيق أحلامهم والانتصار لقضيتهم.
وعلى الرغم من الفوز الرمزى الذى حققته "ماردينى"، باحتلالها المركز الأول فى الدور التمهيدى الأول لمنافسات 100 متر فراشة سيدات فى مجموعة تضم 5 سباحات، لم يمنحها التأهل لتصفيات المجموعات، إلا أنها فرضت قضية شجاعة شعب يصرّ على الحياة ومواجهة الصعاب، وسردت قصتها التى أبهرت الحضور وتناقلتها جميع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى.
ورصدت "يسرى" رحلة الموت، التى استغرقت شهراً، هرباً من جحيم الحرب والدمار فى سوريا، موضحة أنها هربت مع أختها "سارة" ومجموعة من 20 سورياً آخرين، بينهم طفل فى الثالثة عشرة من عمره، ولم يمنعها تعطل القارب الذى يقلهم وتسرب المياه إليه من استكمال الرحلة، فقفزت وأختها مع فتاة ثالثة لجرّ القارب إلى الشاطئ وإنقاذ باقى المجموعة من الغرق، وقالت يسرى للصحفيين فى ريو دى جانيرو، "فكرت خلالها أن غرق القارب سيكون مخجلاً لأننا سباحون".
بدأت رحلة يسرى وشقيقتها، حسب تصريحاتها للإعلاميين، إلى بيروت ثم إزمير التركية، مرورا باستقلال قارب مطاطى تجاه جزيرة ليسبوس اليونانية، ومنها إلى مقدونيا ثم صربيا والمجر والنمسا، سيراً أحياناً وبالقطار أحياناً أخرى، فى سبيل تحقيق حلم كثيراً ما راودها بالوصول إلى الأولمبياد، حيث سبق أن أحرزت لقب بطولة سوريا فى مسابقات 200 و400 متر سباحة حرة، وكذا فى سباق 100 و200 متر فراشة، وكانت حاضرة فى دورة الألعاب الآسيوية 2012، وشاركت فى نفس البطولة للمسافات القصيرة بتركيا، مؤكدة أن والدها، وهو سباح ماهر أيضاً، كان يدربها منذ نعومة أظافرها، إلا أن أوضاع البلاد جعل ذلك مستحيلاً.
"إننا نجونا من الموت فى البحر فلن نخاف منكم".. بتلك العبارة ردت "يسرى" بشجاعة البطل الذى لا يهاب الموت على أحد أفراد الشرطة المجرية الذى عاملهم بقسوة، ولخصت بتلك الكلمات البسيطة هول الرحلة التى يخوضها هؤلاء اللاجئين، ولحظات الموت التى يتعرضون للنجاة بأرواحهم من الحرب الدائرة فى بلادهم.
وعندما وصلت الشقيقتان "ماردينى" إلى مخيم اللاجئين فى ألمانيا، كان همهما الأول البحث عن نادٍ للسباحةٍ للتدريب، مشيرة إلى أن مترجماً مصرياً كان طوق النجاة بالنسبة لها، حيث تواصل مع النادى الألمانى، الذى وفر لهما مدرباً وبدأت التدريب يومياً، وكان تقدمها السريع فى التدريبات سبباً فى مشاركتها فى مسابقات السباحة الحرة فى ريو دى جانيرو.
أما أسماء الأسد، زوجة الرئيس السورى، بدلاً من تشجيع موهبة يسرى وإصرارها على تحدى الصعاب لتحقيق هدفها بالمشاركة فى البطولة، قابلت ذلك بتجاهل تام، واكتفت بنشر صورتها على "إنستجرام" رافعة العلم السورى وكتبت "شجع فريق بلدك".
ومع أن ماردينى أنشأت صداقات جديدة فى النادى الألمانى واحتفلت بعيدها الثامن عشر مع أصدقائها لا تزال تشعر بحنين كبير لوطنها. فعندما سألها أحد الصحافيين ما هو الشيء المميز الذى تفتقده فى سوريا، فكرت قليلا
ثم قالت:" أشتاق إلى منزلى وعائلتى وأصدقائى فى سوريا"..
وكانت اللجنة الأولمبية الدولية رشحت 43 منافسا على اللائحة القصيرة لفريق اللاجئين التى سيشارك تحت العلم الأولمبي، بمن فيهم كونغولى يعيش فى البرازيل وإيرانى يعيش فى بلجيكا، فى محاولة لتوجيه رسالة أمل إلى جميع اللاجئين فى العالم، بحسب رئيس اللجنة الأولمبية توماس باخ.