365 يومًا مضت على رحيل نجم السينما المصرية نور الشريف.. ولازال صوته يصدح بكلمات عبد الرحيم منصور بحثا عن الإنسانية :«بسافر بسافر، بهاجر بهاجر، إمتى هتلقى المحطة وترسى يا حاير؟.. مٌر السؤال ع اللى مالوش ع السكة آخر.. من مصغرى لمكبرى مسافر.. بغوى مشاوير الهوى والدنيا والقطر واخدك فين؟.. القطر واخدنى بلا محطة، وآه يابا علىَ، لا دار ولا مرسى ولا صبية، وأدينى ماشى فى رحلة الشقا والرزق والترحال كأنى سؤال»؟.
اليوم.. يمر عام كامل على رحيل فنان من أهم وأكبر النجوم الذين حملوا قضية العروبة والحرية على أكتافهم، وأثرى الدراما العربية السينمائية والتليفزيونية بتجارب مهمة فى تاريخها.. نجم عاش حياته مخلصا لفنه وعمله.. عاش معطاءً ومكتشفا لنجوم فى مجالات التأليف والإخراج والتمثيل.
حياة الأستاذ نور الشريف رحلة كبيرة.. أشبه بفيلم سينمائى طويل كان هو فيه البطل والقصة والحدوتة والمؤلف والمخرج أيضًا.. عاش الخيال واصطدم بالواقع.. ترجم مشاعر المستضعفين فى الأرض بأفلامه السينمائية، لم يخش الموت ذات يوم.. لكنه خاف من المرض الذى يعرقل حياة الإنسان ويعطله عن عمله وفنه.. حياة هذا النجم الكبير بانوراما فنية بها الكثير من الأحداث (إنسانية، عاطفية، ثقافية، سياسة).. ليس الفن وحده الذى كان يشغله.. بل شغلته الحياة وأسرار الكون والوجود فقرأ وعرف وتعلم.
فى حياة نور الشريف الانسانية حكايات كثيرة.. ومواقف أكثر.. فالفنان الكبير تعامل بتلقائية وطيبة مع كل من عمل معه بدء من الفنانين وحتى العاملين، لذلك لم يتوانى لحظة أن ينقل أحد الفنيين الذين يعملون معه إلى مستشفى الهرم بسيارته عندما تعرض لجرح أثناء تصوير فيلمه "العاشقان" وتحمل تكاليف العلاج ومصاريف أسرته، وغيرها الكثير من الحكايات.. لم يضبطه أحد ذات مرة يعيب فى أحد أو يتعامل مع أحد بتعال وكبرياء.. الإنسانية كانت صفة أساسية فى حياة الفنان الكبير.. هذه الصفة التمسها فيه كل محبيه، فهو من أكثر النجوم الذين يتمتعون بشعبية كبيرة بين الفنانين والفنيين.. ظهر هذا فى مشهد الوداع الأخير.. وأيضا عزاءه.. الجميع بكى وصرخ يوم وفاته الحزين.
نور الشريف ليس فقط إنسانا بل مثقفا عاقلا حكيما، كما يصفه أصدقاؤه.. واقعى وعقلانى.. يؤمن بتطور الزمن وبالتغيير.. لم يغار من نجم ما، لأنه يتقاضى أجرا أعلى منه، أو يحقد عليه لأن نجوميته تفوق عنه، كان يقيّم الأمور بعقله قبل قلبه.. يحسبها بنظره لا بنظرة الناس والمجتمع.. ففى أواخر السبعينات كان الراحل يعانى من إرهاق ويرقد بأحد المستشفيات، وذهب إليه السيناريست بشير الديك ليعرض عليه سيناريو فيلمه "مع سبق الإصرار" إخراج أشرف فهمى.. وكان بطل العمل الرئيسى النجم محمود ياسين، وقرأ نور السيناريو وأشاد به ووافق على المشاركة فى بطولته ولم يعلق على صغر حجم دوره بالنسبة لدور محمود ياسين، وقال لصديقه بشير الديك :"اعملوا لمحمود ياسين اللى هو عايزه، بس حافظوا لى على عدد المشاهد بتاعتى".. هكذا كان نور الشريف ممثل محترف لا يقلقه حجم الدور أو مساحته، وكل ما يشغله تركيبة الشخصية وكيفية الاستعداد لها وكيف تخرج للجمهور، لتضيف لرصيده فى السينما دون النظر إلى أن نجومية فنان آخر أكبر منه، وبهذا المبدأ عاش حياته.. لم يرفض ذات مرة فيلما وقال مثل آخرين :"هذا العمل اتعرض على فلان قبلى"، بل كان يقرأ ويدرس الشخصية قبل إبداء رأيه.
وعند قيامه بتقديم شخصية "عمر بن عبد العزيز" فى مسلسل كبير من إخراج أحمد توفيق، كان حريصا على اختيار الملابس بنفسه، بل طلب من كتّاب سيناريو أصدقاءه ومنهم بشير الديك، أن يشاهدوا الملابس قبل بدء التصوير لإبداء رأيهم فيها.
وكما لنور جوانب إنسانية وفنية، لديه حسًا سياسيا كبيراً، فدائما يناصر القضايا الانسانية ومواقفه معلنة وصريحة، وذات مرة ذهب للجزائر لحضور المؤتمر الـ 16 لمنظمة التحرير الفلسطينية بدعوة من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وأثناء المؤتمر ألقى نور الشريف قصائد وطنية للشاعر محمود درويش وتفاعل معه كل الحضور، أيضا يحسب له إنتاج وتمثيل فيلم "ناجى العلى" والذى تعرض له لهجمة شرسة.
نور الشريف عاش 69 عامًا، كان فيها الأستاذ والبطل والفنان.. رحل وبقى أسمه مع الفنانين الخالدين فى ذاكرة التاريخ الذين لهم فضل فى الثبات والمواجهة.