أثار حادث محاولة اختطاف مفجر قضية مافيا القمح ـــ بعد تكرار محاولة اغتياله سابقا ـــ تساؤلات وتكهنات عديدة حول مدى جدية وصدق الحكومة فى التعامل مع قضايا الفساد ، وحماية وضمان سلامة وأمن من يقم بإثارة وتفجير مثل هذه القضايا وكشف خبايا الفاسدين، ففى الوقت الذى انقلبت فيه الحكومة رأسا على عقب اهتماما بقضية مافيا القمح ، واهتم بها كذلك مجلس النوب ، وأمر الدكتور على عبد العال رئيس المجلس بتشكيل لجنة تقصى حقائق لمتابعة هذه القضية الهامة والحيوية ، لكونها تتعلق بأهم وأغلى سلعة ومحصول مصرى ، وهو القمح غذاء المصريين وصانع رغيف الخبز للملايين ، وصاحب أكبر نفقات تقدر بمليارات الدولارات والجنيهات على زراعته واستيراده سنويا ، اهتمت الدولة كلها بالقمح ،ونسيت أو تناست الحكومة حماية مفجر هذه القضية من الاعتداء عليه، وكاد يذهب ضحية دفاعه عن المال العام ، كما حدث مع موظف بمحافظة الجيزة ، وقبلهما ممرضتين بالشرقية منذ عام.
مافيا القمح
كان أحمد جاد المحامى، أول من فجر قضية سرقة الدعم الموجه للقمح ، وقد نجا من محاولة خطف ، كادت أن تذهب بحياته منذ أيام ، علاوة على تعرضه منذ عام تقريبا لمحاولات اغتيال عدة ، كما شهدت مدينة الخانكة بالقليوبية أيضا محاولة اغتيال لمحاسب فى إحدى شركات توريد القمح ،بعد كشفه فى بلاغات رسمية عن مافيا تهريب القمح المستورد إلى شون وزارة التموين لتحقيق مكاسب طائله ، كان قد تقدم بها للرقابة الإداريه وإلى النائب العام، حيث تتبعه ملثمان واطلقا عليه ثلاث رصاصات استقرت فى عنقه، ونُقل على إثرها إلى العناية المركزة بمستشفى عين شمس التخصصى،ومنذ ثلاث سنوات تقريبا انهال عدد من البلطجية على ج .م أحد المحاسبين المسئولين عن زراعة القمح بكفر الشيخ ،نتيجة كشفه الفساد فى هذا القطاع الهام والحيوى، وتم إنقاذه بإعجوبه من بين أيدى البلطجية ، وكان لا يزال بين الحياة و الموت ، والتوجه به لأقرب مستشفى لإسعافه وعلاجه ، ورغم أنه خرج من المستشفى بعد ذلك بحوالى 15 يوما ، إلا أن يديه ووجهه وباقى جسده ، كانت لا تزال ملفوفة بالقماش ،وتظهر على وجهه آثار الضرب والركل ، وكذلك بمناطق متفرقة من جسمه.
ممرضتان ترفضان ترك المريض .. والنيران والدخان تلتهم الجميع
ومنذ عام تقريبا شيع أهالى الزقازيق، جثتى الممرضتين ولاء أحمد غريب 34 عامًا، وحكمت أحمد السيد منصور 35 عامًا"، اللتين استشهدتا فى حريق شب بمستشفى "صيدناوى"بجامعة الزقازيق ،وقد رفضتا ترك المريض الذى كان معهما فى غرفة العمليات، خصوصًا إنه كان قد تم تخديره نصفيا ولا يستطيع الحركة ،غير أنه كان يشاهد ويشعر بما يحدث ،وغير قادر على الحركة، وقد حاولتا إنقاذه وفشلتا وفاضت أرواحهم جميعا إلى ربها ،كانت الشهيدتان قد عقمتا غرف العمليات وارتدتا ملابس العمليات الجراحية ثم حاصرت النيران المكان فأصرتا على التواجد بجوار المريض ومحاولة إنقاذه إلا أن النيرات والدخان حاصر الممرضتين والمريض وتوفوا جميعا .
سائق نقل متهور يدهس موظف محليات الجيزة ويشطر جثته نصفين
وفى يونيو من العام الماضى وقعت جريمة نكراء بالجيزة ، على مرأى ومسمع من عدد كبير من المواطنين ، أهالى ومسئولين ، راح ضحيتها إنسان بسيط اسمه محمد فتحى نايل، موظف بمجلس مدينة منشأة البكارى، مركز كرداسة، ، عندما تجرأ عليه سائق سيارة نقل وتجرد من الإنسانية ودهسه فشطر جسده نصفين، بسبب تفانى هذا الموظف فى عمله ،ومحاولته وقف تجاوزات سيارات النقل التى تلقى بمخلفات المبانى والرتش فى عرض الطريق ، وعندما أشار الموظف للسائق بالوقوف ، تجاهل إشارته وإشارة عدد من مسئولى الجيزة وصدم موتوسيكل كان يركبه نايل فأطاح به أرضا ثم مر عليه بالسيارة النقل .
حماية المدافعين عن المال العام مسئولية من؟؟
كانت بلاغات وشكاوى المدافعين عن المال العام فى قضية الأقماح ، قد تسببت فى تسليط الضوء على حجم الفساد فى هذه القضية إعلاميا ، ثم وصلت القضية بعد ذلك لمجلس النواب ، ثم أحالها النائب العام المستشار نبيل صادق إلى نيابة الأموال العامة ، التى تلقت عدة تقارير رقابية، أعدتها جهات مختلفة على رأسها لجنة تقصى الحقائق المُشكّلة من قبل أعضاء مجلس النواب، وكشفت عن مخالفات بصوامع تشوين القمح بلغت قيمتها 631 مليون جنيها، بعد حصر مخالفات أصحاب الصوامع بـ 9 محافظات، وهنا يأتى السؤال عن كيفية توفير الحماية لمن يحافظ على هذه الأموال ؟
ويجيب عن هذا السؤال المحامى بالنقض الدكتور السيد أبو الخير قائلا :
لم تنص القوانين المصرية سواء كانت قانون العقوبات أو قانون الإجراءات الجنائية على حماية الشهود والمبلغين عن جرائم الفساد.
ويتابع الدكتور السيد كلامه : كل ما ورد فى القانونين السابقين هو فقط تنظيم الشهادة وكيفية سماعها وتقديرها من المحكمة ،ولكن القانون المصرى يعاقب من يعتدى على المُبلّغ باعتبارها جريمة اعتداء على الأشخاص ، ويعتبر كونه مبلغا عن فساد أو اعتداء على المال العام سببا مغلظا لارتكاب جريمة من جرائم الاعتداء على المال العام ،أى ظرفا مشددا،لكن جريمة الاعتداء على المبلغين عن الاعتداء على المال العام كجريمة منفصلة لا توجد فى قانون العقوبات المصرى، وبذلك فقط تتم المحاكمة على أساس الاعتداء على الشخص كجريمة من جرائم الاعتداء على الاشخاص ، وليست جريمة من جرائم الاعتداء على المال العام.
ويتابع الدكتور السيد : ولكن هناك اتفاقيتان دوليتان صدقت مصر عليهما وطالبت بذلك الاتفاقية الأولى وهى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة ، وقد نصت المادة 8 /4 من الاتفاقية ، والتي طلبت من كل دولة طرف فى هذه الاتفاقية أن تنظر فى إرساء تدابير ونظم تيسر قيام الموظفين العموميين بإبلاغ السلطات المعنية عن أفعال الفساد عندما يتنبهون إلى مثل هذه الأفعال أثناء أداء وظائفهم.
بينما نصت المادة م 33 من ذات الاتفاقية على أن تنظر كل دولة طرف فى أن تدخل فى صلب نظامها القانوني الداخلي تدابير مناسبة لتوفير الحماية من أى معاملة لامسوغ لها لأى شخص يقوم بحسن نية ولأسباب وجيهة بإبلاغ السلطات المختصة بأى وقائع تتعلق بأفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية.
ويلاحظ كما يقول الدكتور السيد أبو الخير أن ماجاء فى نصوص هذه الاتفاقية لم يتم تفعيلة فى مصر ، فلا يوجد لدينا تشريع يجرم الفساد أساسا ، أو نص يحمى الموظف العام ، أو المكلف بخدمة عامة إذا ما قام بالتبليغ عن جريمة وقعت وعلم بها أثناء أو بسبب تأدية عمله ، والاتفاقية الثانية هى ، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2005م ، وقد نصت المادة 32 /1 منها على حماية الشهود والخبراء والضحايا، حيث نصت على أن تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفقا لنظامها القانوني الداخلي، وضمن حدود إمكانياتها، لتوفير حماية فعّالة للشهود والخبراء الذين يُدْلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية ،وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم عند الاقتضاء، من أى انتقام أو ترهيب محتمل.
كما أجازت المادة أن تشمل التدابير المقررة فى الفقرة 1 من هذه المادة، ودون مساس بحقوق المدعى عليه، بما فى ذلك حقه فى محاكمة حسب الأصول.
وطالبت المادة بإرساء إجراءات لتوفير الحماية الجسدية لأولئك الأشخاص، كالقيام مثلا، بالقدر اللازم والممكن عمليا، بتغيير أماكن إقامتهم والسماح، عند الاقتضاء، بعدم إفشاء المعلومات المتعلقة بهويتهم وأماكن تواجدهم أو بفرض قيود على إفشائها.
وطالبت أيضا بتوفير قواعد خاصة بالأدلة تتيح للشهود والخبراء أن يدلوا بأقوالهم على نحو يكفل سلامة أولئك الأشخاص، كالسماح مثلا بالإدلاء بالشهادة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات، مثل وصلات الفيديو أو غيرها من الوسائل الملائمة.
وطالبت أيضا أن تنظر الدول الأطراف في إبرام اتفاقات أو ترتيبات مع دول أخرى بشأن تغيير أماكن إقامة الأشخاص المشار إليهم فى الفقرة من هذه المادة وتسرى أحكام هذه المادة أيضا على الضحايا إذا كانوا شهودا.
وطالبت الاتفاقية ـــ كما يؤكد الدكتور السيد ـــ بأن تتيح كل دولة طرف، رهنا بقانونها الداخلي، إمكانية عرض آراء وشواغل الضحايا وأخذها بعين الاعتبار في المراحل المناسبة من الإجراءات الجنائية المتخذة ضد الجناة، على نحو لا يمس بحقوق الدفاع.
وكافة الدساتير المصرية ابتداءا من دستور عام 1971م الذى نص فى المادة 151 منه على اعتبار الاتفاقيات الدولية التى تصدق عليها مصر بمثابة قانون وطنى يلتزم القاضى المصرى بتطبيقها لكن بشرط إصدار قوانين تنظم ذلك ، وهذا غالبا ما لم يحدث حتى الآن فى أى اتفاقية مصدقة عليها مصر، وعادة ما تنص الدساتير على ذلك ، ولكن يجب إصدار قانون من مجلس الشعب ينظم كيفية التطبيق وهو ما لم يحدث حتى الآن ، إذن هناك قصور فى حماية المبلغين عن الفساد حماية للفساد والمتلاعبين به ، لأنهم عادة ما يكونون فى مراكز ومناصب كبرى.