· دعوة طه حسين للمجانية رغبة مثقف وليست رؤية دولة ولم يستمر بوزارة المعارف سوى 13 يومًا
·4.4% نسبة ميزانية التعليم بعام 1923 من الموازنة العامة مقابل 12.43% بعد الثورة
·68.095.306 جنيهات ميزانية التعليم الأساسى عام 1964 مقابل 1.256.452 لكافة مراحل التعليم فى 1923
·تزايد عدد المبعوثين من 379 طالبا عام 1952 إلى 1768 فى السنة الدراسية 1963/1964
بمناسبة ودون مناسبة، تثار قضية مجانية التعليم، وكنا قد اعتدنا إلى نسب البعض مجانية التعليم إلى عميد الأدب العربى طه حسين، محاولين بخس جهود ثورة يوليو ودورها فى تطوير المنظومة، وإرساء المجانية التى لم تعرفها مصر بشكل ممنهج قبل 1952، إلا أن البعض يردد مزاعم لا علاقة لها بالتاريخ، مفادها أن سعد زغلول أول أول من أتاح مجانية التعليم"!!
وفى كلمته خلال الجلسة العامة للبرلمان اليوم الثلاثاء، حرض النائب إيهاب الخولى على إحياء ذكرى وفاة سعد زغلول ومصطفى النحاس، مرددًا ""نتذكر الآن، أول من أتاح مجانية التعليم"!!
فى رأينا، يتعمد البعض إثارة «فرقعات» دون الرجوع إلى مستندات ووثائق، رغم أن الخوض فى المسألة التاريخية، تلعب مادته الوثائقية دورًا مهمًا، وللعلم تتوافر المادة وتتاح للباحثين ومن الممكن الرجوع إليها، إلا أن البعض يستسهل الطريق ويترك لهواه ونزعاته الشخصية الباب مفتوحًا عن آخره، ونؤكد لهم ولأنفسنا أولًا أن الإنسان إذا نجح فى التخلص من الهوى وحرص أن يتسلح بمنهج علمى فى بحثه عن الحقيقة، بحيث يضمن القدرة على إدراك الخصائص الموضوعية للظاهرة التى يتناولها، وعليه أن يتناول موضوعه عبر أدوات إجرائية منضبطة وعبر نسق نظرى واع بخصوصية الظاهرة، فإنه فى هذه الحالة يقترب من العلمية.
ويعتمد أغلب الرافضين لنسب الانجاز التعليمى لثورة يوليو، إلى ما يُشاع عن دعوة عميد الأدب العربى إلى مجانية التعليم، وهو حق غالبًا ما يُراد به الباطل؛ حيث لم تكن دعوة العميد أكثر من رغبة مثقف لا رؤية دولة، أو استراتيجية حكومة ونظام، نداء رجل واحد يهدف إلى نهضة بلاده. أما النظام الملكى الحاكم وبكافة أشكال حكوماته لم يضع المسألة ضمن استراتيجيته، فالوزراء كانت غالبيتهم العظمى تنتمى إلى فئة الباشاوات، ولا تعنيها قضية مجانية التعليم _ ولا أقول قضية التعليم برمتها _ ولا تمثل لها شيئًا .
وانصافًا للتاريخ وللحق قبل أن يكون لناصر ونظام يوليو، سندع الأرقام تتحدث، ولأن لغة الأرقام والوثائق أكثر اللغات صحة ويقينا، غير غافلين السياقات التى تدور فى فلكها هذه الأرقام.
تطور التعليم الجامعى بعد الثورة
بالرجوع إلى المستندات نكتشف أن مصر فى العام الدراسى 1951/ 1952 لم يكن بها سوى جامعة فؤاد الأول "القاهرة الآن" ونواة لجامعة الإسكندرية، وبلغ عدد الطلاب المقيدين بها 35016، ومثّل عدد الإناث 2294 طالبة، فى حين أنه بالعام الدراسى 1969 / 1970 عام رحيل عبد الناصر أصبح لدينا أربع جامعات: القاهرة، الإسكندرية، أسيوط، وعين شمس. وأنشئت فروعًا بمناطق مختلفة من البلاد؛ فضلًا عن جامعة الأزهر والتى سنتحدث عنها لاحقًا.
وافتتح النظام الثورى فى مصر فرعًا لجامعة القاهرة بالخرطوم فى أكتوبر سنة 1955، وضم ثلاث شعب هي: الآداب، الحقوق، والتجارة. كما افتتح فى عام 1969/1970 فرعًا لجامعة الإسكندرية بطنطا، يضم كليات العلوم والتربية والطب، كما أقيمت كلية الزراعة بكفر الشيخ.
فيما ارتبطت جامعة الإسكندرية فى عام 1960 بجامعة بيروت الأهلية أكاديميا، وأسهمت فى تعين وندب أعضاء هيئة التدريس بجامعة بيروت، وصادقت على مناهج الدراسة بها، واشتركت فى وضع الامتحانات ومنح الدرجات العلمية لخريجها. فيما انتشرت فروع جامعة أسيوط فى محافظات المنيا وسوهاج وقنا، وضم الفرع الأول كليات الزراعة والآداب والتربية وضما الأخيران كل منهما كلية التربية.
عدد الطلاب المقيدين فى الجامعات
بينما بلغ عدد الطلاب المقيدين فى الجامعات الأربعة فى العام الدراسى 1969/1970، 140210، ومثّل عدد الإناث 37750 طالبة. ويتضح الفرق الشاسع بين العددين فى عام 1951/1952 ووقت وفاة ناصر. علاوة على تزايد عدد طلاب البعثات الحكومية؛ حيث كان المبعوثين فى عام 1952/1953 "379" طالبًا فى حين بلغ عددهم بالعام الدراسى 1963/1964، «1768».
وشهد التعليم الأزهرى تطورات كبيرة فى مسيرة الأزهر التاريخية، حيث ظلّ يمثل لونًا خاصًا من ألوان التعليم، وغلبت الصبغة الدينية على التعليم الأزهري. ما مثّل ازدواجًا فى نظام التعليم بمصر. فهناك التعليم الدينى بالأزهر والآخر المدنى بمدارس التعليم العام والجامعات والمعاهد العالية، ولكل منهما ثقافته المتميز بها، وتطبع خريجيه بطابع معين، ولا تساعد على خلق الانسجام بين أبناء الشعب الواحد. وفضلًا عن ذلك، لم تكن الفرص متكافئة بالنسبة لخريجى الأزهر؛ حيث أن تعليمهم دينى فى مجموعه، لا يعد إلا للوظائف ذات الصبغة الدينية فقط.
وقد كان الرأى العام يميل إلى القضاء على الفوارق بين التعليمين وعلى الحواجز بين الثقافتين، التعليم والثقافة بالأزهر، والتعليم والثقافة بالجامعات والمعاهد العالية.
وتداركًا للموقف السابق، صدر فى 5 يوليو سنة 1961 قانون رقم 103 ويهدف إلى تحقيق مبادئ عدة، منها تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص فى الدراسة بالأزهر وفى الدراسة بالجامعات والمعاهد العالية. وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص فى الدراسة سيؤدى بطبيعة الحال إلى تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص فى ميدان العمل بعد التخرج .وإيجاد قدر من الثقافة المشتركة بين خريجى الأزهر وخريجى الجامعات والمعاهد العالية مع الاحتفاظ بالدراسات الإسلامية واللغوية بالأزهر .فضلًا عن توحيد الدرجات العلمية والشهادات بين الأزهر والجامعات والمعاهد العالية، ومن ثم توجه الأزهر بدراساته إلى نشر التراث الروحى والعقلى بين الشعوب الإسلامية. كما ساهم فى نشر التعليم العالى فى ميادين المعرفة الإنسانية المختلفة، بجانب تنمية البحث العلمى وتشجعيه.
ميزانية التعليم فى مصر قبل وبعد الثورة
أما ما يتعلق بمحور ميزانية التعليم فى مصر، فبلغت ميزانية وزارة المعارف عام 1922/1923 «1.256.452» جنيه أى بنسبة 4.4% من الميزانية العامة للدولة، وشملت الميزانية أيضا الإنفاق على الجامعة فيما بعد؛ حيث ضُمت جامعة فؤاد إلى وزارة المعارف وفق مرسوم صدر فى مارس سنة 1925. وكان من أهم أسباب ضمها عجز مواردها المالية إلى جانب قلة مساعدات وزارة المعارف المالية، ما أدى إلى اقتصارها على الكليات الأدبية. وبلغت ميزانية التعليم فى 1951/1952 (28.763.659) جنيه أى بنسبة 12.43% من الميزانية العامة.
فى حين بلغت ميزانية وزارة التربية والتعليم عام 1959/1960 (42.344.000)جنيه خصص منها (20.264.000) للتعليم الابتدائى أى بنسبة 48% من ميزانية وزارة التربية والتعليم، فضلا عن ميزانية الجامعة كانت مستقلة وبلغت (8640000) جنيه. وظلت الميزانية الخاصة بوزارة التربية فى تزايد مستمر حتى وصلت عام 1964/1965 (68.095.306) وبلغ نصيب التعليم الابتدائى منها30.250.000) ). أما الجامعات فأصبحت فى نفس العام تابعة لوزارة التعليم العالى ولها ميزانيتها المستقلة.
وأعتقد _ لدرجة اليقين _ أن الأرقام تؤكد أن الثورة المصرية لا عبد الناصر وحده اهتمت اهتمامًا كبيرًا بالتعليم وساعدت على كونه تعليمًا حقيقيًا بالمجان. فالمجانية أدت إلى دخول هذه الأعداد التى ذكرناه الجامعة دون ثمة مصاريف تذكر.
ومن المفارقات أن الدكتور طه حسين، رغم تمرده على كثير من الأوضاع القائمة إلا أنه أنتمى إلى حزب الأقلية المكروهة "الأحرار الدستوريين"، وكان معظم أعضاء الحزب يمثلون نوعا من الأرستقراطية المتعالية على الشعب، رغم أن الحزب كان يضم فريقا من المفكرين الممتازين أمثال عبد العزيز فهمى، أحمد لطفى السيد، على عبد الرازق، ومحمد حسين هيكل. غير أن انتماء طه حسين لذلك الحزب جعله على حد قول لويس عوض "يبدو عاقلاً فى ميدان السياسة ثائرًا فى ميدان الفكر"، كما أن عميد الأدب العربى لم يرأس وزارة المعارف إلا 13- يناير 1950 عندما اختارته حكومة الوفد ضمن التشكيل الوزارى، ولم يستمر كثيرًا؛ حيث انتهت رئاسته للوزارة فى 26 يناير 1952 عندما أقيلت الوزارة .