كثيرا مانسمع من الأمهات والجدات كلمة ( آلـ على رأى المثل ) ، هذه العبارة الموجزة التى تخرج من أفواه ذوى الخبرة فى الحياة ، أمثالا شعبية وحِكما ومقولات ،تحمل بين كلماتها وألفاظها وعباراتها ،أسماء أعلام ، من إنسان وحيوان وجماد ، إلى أسماء أماكن وأزمان وحِقب تاريخية ووقائع معينة، لايعطى المثل الشعبيى عنها إجابة شافية، سوى الاستفاده من المثل فقط ، وقد يحفظ كثير من الناس هذه الأمثلة والحِكم ، غير أن أغلبهم يجهل خلفياتها ، موقع "انفراد" يلقى الضوء على بعض هذه الأمثال والمعانى والخلفيات التى ارتبطت بها.
ضرب الأمثال
ضرب المثل من أكثر الأشكال التعبيرية الشعبية انتشارا وشيوعا، ولا تخلو منها أية ثقافة، إذ نجدها تعكس مشاعر الشعوب على اختلاف طبقاتها وانتماءتها، وتجسد أفكارها وتصوراتها وعاداتها وتقاليدها ومعتقداتها ومعظم مظاهر حياتها، في صورة حية وفى دلالة إنسانية شاملة، فهى بذلك عصارة حكمة الشعوب وذاكرتها.
وتتسم الأمثال بسرعة انتشارها وتداولها من جيل إلى جيل، وانتقالها من لغة إلى أخرى عبر الأزمنة والأمكنة، بالإضافة إلى إيجاز نصها وجمال لفظها وكثافة معانيها.
حرب البسوس وكُليب سد فى الناقة
حرب البسوس هى حرب وقعت بين قبيلة "تغلب بن وائل وأحلافها" ضد "بني شيبان وأحلافها من قبيلة بكر بن وائل" بعد قتل الجساس بن مرة الشيباني البكري لكليب بن ربيعة التغلبي ثأرا لخالته البسوس بنت منقذ التميمية بعد أن قتل كليب ناقة كانت لجارها سعد بن شمس الجرمي، وهنا يقال أن كليب سد فى الناقة ، أى مات ثأرا وقصاصا بسبب الناقة التى قتلها ، ويذكر غالبية رواة العرب أن هذه الحرب استمرت لنحو أربعين عاما من سنة 494م، ويذكر القليلون أنها استمرت حوالى عشرين سنة فقط.
كما يرى بعض المؤرخين أن وادى الخيطان بمنطقة الباحة هو موقع ديار بكر وتغلب، وأن المكان إن صح القول فهو المكان الذي دارت فيه حرب البسوس بين قبيلتي بكر وتغلب، رغم أن الروايات التاريخية أشارت إلى ثلاثة مواقع أخرى أحدها في اليمن بالقرب من مدينة “زبيد” ، وآخر في نجد، والموضع الثالث وادى الخيطان بتهامة، والمكانين بالمملكة العربية السعوديو حاليا، ويتواتر عن أهالي المنطقة وجود قبر يسمى قبر كليب عند نهاية “تلفريك”، وحدبة تسمى حدبة كليب، ووادى خصب يدعى وادى البسوس، وقد ورد في كتاب “العقد الفريد” ـــ و هو كتاب من تأليف ابن عبد ربه الأندلسي، ويعتبر من أمهات كتاب الأدب العربي, ويشتمل الكتاب على جملة من الأخبار والأمثال والحكم والمواعظ والأشعار وغيرها ـــ ما نصه: "وكانت بنو جشم (قبيلة كليب) وبنو شيبان (قبيلة جساس) فى دار واحدة بتهامة وكان كليب قد تزوج من جليلة بنت مرة.
على نفسها جنت براقش..مين براقش دى؟؟
هذا المثل يتردد دائما على ألسنة العامة من الناس والخاصة أيضا من المثقفين والعلماء " جنت على نفسها براقش" أو "على نفسها جنت براقش" أو "على قومها جنت براقش" والعبارة الأخيرة غالبا ما يقولها المثقفون الذين لديهم خلفية بالمثل ، المهم أننا نردد هذا المثل ، ولكن نجهل القصة التى وراء هذه المقولة ، وهى من المقولات الشهيرة التى تقال عقب وقوع أو حدوث مكروه لشخص أو أكثر كانوا هم سبب فيه.
وقد اختلف الرواة فى شأن هذه المقولة ، ولكن فى الأصل فإن "براقش" كان اسما لكلبة ، وكانت عند قوم من العرب يقال أنهم سكنوا المغرب العربى، وفي أحد الأيام هاجمت جيوش الأعداء هذه القرية, فبدأت الكلبة براقش بالنباح لتنذر أهل القرية الذين سارعوا بالخروج منها والاختباء في إحدى المغارات القريبة، حيث كان عدد جيوش العدو أكثر من تعداد أهل القرية، وفعلا خرج أهل القرية واختبأوا في المغارة، ثم جاء الأعداء وبحثوا عنهم كثيرا ، ولكن دون جدوى ، وفى نهاية الأمر لم يتمكنوا من العثور عليهم ، فقرر الأعداء الخروج من القرية ، و بدأوا بالخروج فعلا ، وفرح أهل القرية وتأكدوا أن العدو لن يتمكن منهم.
وعندما رأت الكلبة براقش أن الأعداء قد بدأوا فى الخروج من القرية أخذت فى النباح، وحاول صاحبها أن يسكتها ، ولكن دون جدوى، فكانت براقش هى من دل جيش العدو على القوم، وعندما سمع قادة جيش الأعداء نباحها علموا أن اهل القرية هناك، فهجموا عليهم واستباحوهم قتلا، فتحولت براقش منذ هذه اللحظة إلى نذير شؤم لنفسها وأهلها ، فقال فى ذلك حمزة بن بيض وهو شاعر إسلامى من شعراء الدولة الأموية:-
لم تكن عن جناية لحقتني ***لا يسارى ولا يمينى رمتنى
بل جناها أخ علىّ كريم***وعلى أهلها براقش تجنى
اللـ اختشوا ماتوا
هذا المثل يُقال إنه ارتبط بقصة حقيقية قديمة ، وقعت بالفعل ، وملخصها أنه فى يوم من الأيام كانت مجموعة من النساء يتواجدن فى حمام للنساء للاستحمام، وفجأة شب حريق ضخم بهذا الحمام النسائى ، وعندما اندلعت النيران وتأججت ، وبدأت تنتشر فى أركان الحمام ، خرجت بعض النساء عرايا هربا من النيران والنجاة بأنفسهن ، غير أن هناك أخريات خشين من الخروج عاريات والتعرض للفضيحة، فتعرضن للاختناق والموت حرقا أو اختناقا ، ومن هنا جاء المثل ، للتعبير عن هذه الحادثة التى ماتت فيها النساء اللاتى اختشين ، "اللى اختشوا بقوا فى الحمام وماتوا " ومن هنا بدأ المثل "اللـ اختشوا ماتوا" .
مسكين .. "حدفوه" فى طوكر
نقلوه لـ "طوكر" أو رموه فى طوكر أو تم نفيه إلى طوكر، كل هذه العبارات والألفاظ والمصطلحات يقال أغلبها ، فى حالة نقل الموظف المغضوب عليه إلى مكان بعيد عن سكنه ومقر إقامته ، أو فى محافظة نائية ومتطرفة وحدودية، وطوكر فى الأصل مدينة تقع فى أقصى جنوب شرق السودان فى ولاية البحر الأحمر إلى الجنوب من بورسودان فى دلتا نهر بركة ، المنحدر من المرتفعات الأرترية ، ويعمل سكانها بالزراعة بمشروع دلتا طوكر الزراعي ، وهذا الإقليم يشتهر بزراعة القطن والذرة والدخن والخضروات ، وتتميز الزراعة في دلتا طوكر بأنها زراعة حيوية طبيعية ، لا يستخدم فيها التسميد أو المبيدات الزراعية الضارة ، وأكثر ما تشتهر به المنطقة زراعة القطن التي بدأت تحت حُكم الإنجليزي ممتاز باشا.
ومن السكان الأصليين لطوكر قبيلة الأرتيقة والغمرين والهدندوه والكيملاب والأتمن والأمرار والنوارب والحسناب ، ومناطق تواجدهم أيضا جنوب طوكر وبورسودان ، ويتواجدون فى جميع أنحاء السودان ، فنجد فى طوكر الجاليات الأجنبية الهندية – الإيرانية – اليونانية – الحبشية - و الإرتريين ، ومن الأشقاء العرب الأقباط – الحضارمة – المغاربة – التوانسة – واليمنيين وغيرهم.