• هاجم محافظة القاهرة بعد هدم مدافن عائلته
• رفض بناء قبر فخم واشترط البساطة
• تخوف من الدفن بعيدا عن وسط المدينة
• بناته يزرن قبره متخفيات خوفا من المتطرفين
10 أعوام كاملة مرت على رحيل عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، صاحب جائزة نوبل فى الآداب، وصاحب التاريخ الطويل من الأعمال الروائية الخالدة فعلى مدار 94 عاما ظل يصارع من اجل الحياة وصارع ايضا من اجل "الموت"، وفى هذا التحقيق يكشف "انفراد" كواليس استعداد "محفوظ" للانتقال لمثواه الأخير تاركا عبث الحياة وصراعها.
هجوم محفوظ على محافظ القاهرة:
فى بداية التسعينات أصدرت محافظة القاهرة قرار بهدم مقابر "باب النصر" بشارع المنصورية، وكان من ضمن هذه المدافن "مدفن" عائلة نجيب محفوظ، فعندما علم بالخبر غضب كثيرا، وهاجم محافظ القاهرة بسبب الهدم بدون سابق إنذار وعدم مراعاة حرمة "الموتى".
وكان وقتها "نجيب" يكتب فى الأهرام، وظل يكتب يوميا لمهاجمة محافظ القاهرة، حتى تدخل محافظة الجيزة وكان وقتذاك الدكتور "عبد المجيد حسن" وقال لــ "محفوظ" أن المحافظة تعزم على أخذ "جبانات" جديدة في طريق مصر الفيوم، وعرض عليه أن يأخذ قطعة ويبنيها "مدفن" خاص به فوافق محفوظ وبالفعل بدأ فى إجراءات البناء لتكون مكانا له هو وبناته الأثنتين.
محفوظ يشرف على بناء قبره بنفسه:
"الخوف لا يمنع من الموت، لكنه يمنع من الحياة"، هذه العبارة التى طبقها "محفوظ" على نفسه فى حياته، وبكل شجاعه أشرف على بناء قبره بنفسه واختار التصميم البسيط الذى عليه الآن، فبعد استلام "الجبانة" من محافظة الجيزة كلف أحد المسئولين عن بناء المقابر ويدعى "حسن كامل" بناء مدفنه الخاص.
وطلب منه أن يكون بسيط جدا غير متكلف، وكان فى هذا الوقت قد حصل على جائزة "نوبل" فاعترض "التربى" مؤكدا أنه لابد من بناء مدفن كبير يليق بعميد الأب العربى لأنه سيستقبل الكثير من الزيارات وهو قامة لابد من حفاظ ذكراها، فرفض "محفوظ" وأصر على طلبه، وتكلف بناء المدفن وقت ذاك "7 آلاف جنيها" فقط، وكان سعيدا جدا وقت استلامه.
جيران الآخرة:
كان لمحفوظ مجموعة من الأصدقاء المقربين جدا" الحرافيش" ومن ضمنهم الكاتب والمخرج الكبير "توفيق صالح" الذى اختاره جارا له فى الآخرة، فعندما اختار "محفوظ" مكان دفنه، قرر صالح أخد "مدفن" مجاور فى نفس التوقيت وتم بناءهم معا واستلامهم معا.
ولكن شاء القدر أن يسبق نجيب محفوظ بعدة سنوات صديقه توفيق صالح، فتوفى الأول فى أغسطس 2006 ولحقه الثانى فى أغسطس 2013.
محفوظ يزور قبره:
اعتاد محفوظ وصالح على زيارة قبورهما المتجاورة سويا كل عام قبل شهر رمضان او خلاله ليطمئنا علي بيوتهم الابدية ومتابعة بناءها ودفع اجرة عمال حراسة القبر ويجلسا للتسامر معهم بعض الوقت ثم يرحلان.
وكانا يذهبان بسيارة "توفيق" ونوعها "127"، وينظران الى مدافنهما ويبتسمان، غير مبالين بفكرة الموت كأنهم يرحبون بها ويتشوقون للجلوس فى المنازل التى بنيت لهم ليحصلوا على الراحة الأبدية.
وبعد ان تعرض محفوظ للاغتيال أصبحت الزيارات اقل مما كانت عليه، وكان يقوم توفيق صالح بجميع الزيارات وحده، بعد ان رافقه محفوظ سنوات طويلة في زيارته، وتوفي "صالح" في 18 أغسطس 2013 عن عُمر 87 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض.
مقبرة الخالدين:
كان لدى "نجيب محفوظ" رغبة ملحة فى الدفن وسط المدينة وبالقرب من المكان الذى تربى فيه، حتى يسهل على الجميع زياراته بدلا من دفنه فى مكان بعيد وسط الصحراء يخشي أحباءه الذهاب إليه، وبالفعل عرض هذا الأمر على محافظ القاهرة بأن يخصص مكان لدفن بعض الأدباء والعلماء بجوار حديقة الخالدين بالدراسة.
وأخذ يلح "محفوظ" على الأمر كثيرا وتلقى وعودا كثيرة الا أنه كان يجد استجابات شفهيه دون تنفيذ، وكان يتمنى أن تسمى "مقبرة الخالدين" لكن لن تتحقق أمنية محفوظ، ورقد فى المكان البعيد، ونجحت توقعاته فى أهمال "مدفنه" بسبب زياراته القليلة، نظرا لبعد المدفن.
زيارات ملثمة:
كان نجيب محفوظ فى حياته معرضا للخطر وقد تعرض للاغتيال من قبل إرهابيين بسبب اتهامه بالإلحاد والكتابات الشاذة، وظل تحت الحراسات حتى مماته، وتطور الأمر لبناته الذين كانوا دائما خائفات من زياراتهن لقبر أبيهم.
وأكد مصدر لــ "انفراد" أن بناته يتعمدن إخفاء شخصياتهن عند زياراتهن وتغطية وجوههن حتى لا يتعرف عليهن أحد ويكونا وسط حراسات، وهو ما أدى الى قلة زيارات قبره.
عشر سنوات على الوفاة:
فى الذكرى العاشرة على رحيل الأديب العالمى التى تحل اليوم الثلاثاء 30 أغسطس، قام موقع إنفراد بزيارة خاصة لقبر "هرم الرواية العربية"، المتواجدة فى طريق "مصر – الفيوم"، حيث يرقد بهدوء وصمت، ويصحبه فى سكونه زوجته التى لحقته بعدة أعوام.
وعلى المدفن لوحة من الرخام مكونه من لونين الأبيض والأسود، ومكتوب عليها اسمه، وفى الداخل كان يوجد آية كبيرة محفورة على لوحة من الرخام، وفى الفناء ينتشر بعض أوعية الزرع أوالصبار والذى أصبح جافاً، بسبب قلة الزيارات لـ "محفوظ".