وصل اليوم الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الهندية نيودلهي في زيارة رسمية، تلبية للدعوة الموجهة إليه من نظيره الهندي "برناب نخرجي"، حيث تهدف الزيارة إلى التباحث مع كبار المسؤولين هناك، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء "ناريندرا مودي"، ونائب رئيس الهند "محمد حميد أنصاري"، ورئيسة البرلمان الهندي، ووزيرة الخارجية، إضافة إلى الاجتماع بأعضاء مجلس الأعمال المصري الهندي.
تتمحور مباحثات السيسي في الهند حول سبل تعزيز وتطوير العلاقات الوثيقة التي تربط البلدين على جميع الصعد، إضافة إلى الإستفادة من الخبرة الهندية فى عدد من المجالات التى حققت نيودلهى تقدماً ملحوظًا فيها، ناهيك عن القضايا الدولية ذات الإهتمام المشترك، ويختتم الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارته في الـ 3 من الشهر الحالي، ثم يتوجه بعدها إلى الصين للمشاركة في قمة العشرين المقرر عقدها يومي الـ 4 و 5 من الشهر نفسه.
زيارة السيسي إلى الهند من المقرر أن تشهد كذلك توقيع عقود تصل قيمتها إلى نحو 100 مليون دولار بين الجانبين، حيث ستشارك 14 شركة مصرية فى إجتماعات مجلس الأعمال المصرى الهندي بالعاصمة نيودلهي على هامش الزيارة.
العلاقات المصرية الهندية ليست وليدة اللحظة الراهنة، فجذورها تمتد إلى بدايات القرن المنصرم، حيث بدأت تحديدًا على يد الزعيم الراحل سعد زغلول، حيث كان تعاون مع نظيره الهندي المهاتما غاندي، في تحقيق هدف مشترك للرجلين وهو إستقلال البلدين عن التاج البريطاني وقتها.
ومع نجاح ثورة 23 يوليو 1952 في الإطاحة بالنظام الملكي بمصر، توطدت العلاقات مع الهند بشكل أكبر، حيث نشأت صداقة قوية بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ورئيس وزراء الهند في ذلك الوقت "جواهر لال نهرو".
مؤتمر باندونج عام 1955، زاد من عمق تلك العلاقات، حيث تبنى كل من عبد الناصر ونهرو توجهًا واحدًا في سياستهما الخارجية، والتي اعتمدت بالأساس على مبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز إلى أي من قطبي القوى العظمي القائم وقتها، وهما الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق، ومن ثم تولد عن هذا التوجه، الإعلان عن تدشين حركة "عدم الإنحياز" التي شكلت قاعدة العلاقات المصرية الهندية فيما بعد.
وفي أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، أعلنت الهند مساندتها لمصر ضد العدوان، ودافع نهرو عن القضية المصرية في جميع المحافل الدولية، بل تعدى الأمر ذلك إلى تهديد بلاده بالإنسحاب من الكومنولث البريطاني، حال عدم توقف هذا العدوان، كما جددت الهند مساندتها لمصر خلال العدوان الإسرائيلي عام 1967، وطالبت بعودة جميع الأراضي العربية المغتصبة.
وفي عهد الرئيس الرحل أنور السادات، أيدت نيودلهي مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس المصري في 1977، واصفة زيارته إلى القدس المحتلة بالخطوة الشجاعة والإيجابيه، ومن ثم عدت إتفاقيه السلام المصرية الإسرائيلية التي أبرمت عام 1979، اللبنة الأولى في طريق التسوية العادلة لمشكلة الشرق الأوسط .
أما في فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك فقد شهدت العلاقات مع الهند تطوراً ملموساً فيما يتعلق بحجم التعاون التجاري بين البلدين، والذي وصل إلى أعلى معدلاته، حيث بلغ نحو 1655.35 مليون دولار في عام 2010، خاصة بعد توقيع مبارك 6 اتفاقيات مع الهند عام 2008.
وفيما بعد ثورة 25 يناير 2011، لم تتوقف العلاقات بين البلدين، أو تشهد أي تراجع بل العكس كان صحيحًا، حيث اتسعت دائرة التعاون، ففي مارس 2012، وقعت اللجنة الوزارية المصرية الهندية المشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين وقتها، في ختام أعمالها بالقاهرة، اتفاقًا على تعزيز التبادل التجاري، وتشكيل مجموعة عمل في مجال التجارة والجمارك، ودراسة الإستثمار المشترك في مجالات عدة، كان أبرزها الزراعة، والتصنيع، والصناعات الغذائية، إضافة إلى الإتفاق على إقامة مشروع لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية يستفيد منه 100 منزل في عدد من القرى المصرية، ناهيك عن تشكيل مجموعة عمل مشتركة بين المؤسسة الهندية لأبحاث الفضاء، والهيئة الوطنية للإستشعار عن بعد وعلوم الفضاء المصرية، من أجل التعاون في مجالات الإستشعار عن بعد والأقمار الصناعية.
وفي أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، أعلنت الهند بشكل رسمي تأييدها لخريطة الطريق، ثم قاما كلاً من الرئيس الهندي "براناب مخرجي" ورئيس وزرائه "ناريندرا مودي"، وتحديدًا في الـ 4 من يونيو 2014 بتوجيه رسالتي تهنئة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى لفوزه بالإنتخابات الرئاسية حينها.
وبعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور في مصر، تعددت زيارات الوزراء الهنود إلى القاهرة، ففي عام 2015، قام وزير الدولة الهندي للشؤون البرلمانية والأقليات بزيارة مصر، وتحديدًا في يوليو من العام نفسه، حيث سلم خلال زيارته الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوة من نظيره الهندي "براناب موخرجي" للمشاركة في القمة الثالثة لمنتدى "الهند أفريقيا"، ثم شارك وزير النقل البحري والبري والطرق الهندي في الإحتفال بإفتتاح قناة السويس الجديدة، ثم جاءت زيارة وزيرة الخارجية الهندية للقاهرة في أغسطس الماضي.
يأتي هذا فيما اجتمع الرئيس السيسي مع رئيس وزراء الهند علي هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بحثا خلال الاجتماع أهم القضايا ذات الإهتام المشترك، ثم تأتي أخيرًا الزيارة الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نيودلهي، تلبية لدعوة نظيره الهندي، ليستمر نهر العلاقات بين البلدين يجري دون نضوب.