هل ستضع الجولة القادمة نهاية لمفاوضات سد النهضة؟ وهل ستبحث مصر عن طريق جديد يحافظ على حقوقها التاريخية فى مياه النيل ؟ وهل السودان تلعب دور الوسيط فى المفاوضات؟ أسئلة يطرحها المصريون حالياً بعد جولات المفاوضات بين الدول الثلاثة حول قضية المصير التى لم تحسم حتى الآن بعد مفاوضات عام ونصف.
الجميع يترقب جولة المفاوضات الجديدة التى ستعقد الشهر القادم فى العاصمة السودانية الخرطوم، لحسم بعض النقاط الخلافية المتعلقة بفترة "ملء بحيرة السد" وأيضاً استعراض نتائج اجتماعات الخبراء الفنيين التى عقدت فى أديس أبابا، لدراسة المقترح الفنى بزيادة فتحات سد النهضة، لتمرير المياه إلى دولتى المصب فى حال المناسيب المنخفضة.
ما يجب أن نؤكد عليه هى أن السودان تتعامل مع أزمة سد النهضة من منطلق المستفيد على جميع المستويات، لأن السد يحقق مزايا عديدة لها، ولا يؤثر عليها فى شىء مهما كانت أبعاده من حيث الحجم وسعة التخزين، ومن ثم فالسودانيون دائما يؤكدون تقبلهم لأى مفاوضات بين مصر وإثيوبيا.
هناك العديد من المزايا التى تعود على السودان، أولها أن مصر هى دولة المصب الفعلية وليست السودان التى يمر بها النهر، ومن ثم فهى تحصل على نصيبها كاملا من المياه، وثانى هذه المزايا أن السد يحقق فائدة للسودان مماثلة لما يحققه السد العالى لمصر، حيث إنه يبعد 15 كيلو من الحدود السودانية، أما الميزة الثالثة فهى أن الزمام الذى يتم زراعته على النيل الأزرق، والذى كان يزرع عليه محصول واحد سنويًا لعجز تدفق المياه، سيتم زراعته بمحصولين بعد بناء السد، لأن المياه ستتدفق فى النيل الأزرق طول العام، الميزة الرابعة تتعلق بالطمى الذى يتراكم أمام السدود السودانية والذى سينخفض كثيرًا، دون أن تكلفهم أى أعباء مادية، حيث تتكبد السودان 12 مليون دولار سنويًا لعملية التطهير أمام السدود، ومن ثم سيتم توفير هذا المبلغ لذلك فالسودان ليس من مصلحتها الدخول فى صراع مع طرف على حساب طرف آخر.
أما عن ظروف المفاوضات الحالية فهى مختلفة عن أى مفاوضات سابقة، والتى كانت عبارة عن مناقشات وحوارات لا أكثر ولا أقل، أما الآن فهناك إصرار من الدول الثلاث على نجاح المفاوضات فى ضوء اتفاق إعلان المبادئ الذى وقعه رؤساء الدول الثلاث، وهى جهود لحصاد الرئيس السيسى منذ توليه المسئولية وتركيزه على أن مصر مع التنمية فى كل دول حوض النيل بما لا يضر بالأمن المائى المصرى، وكانت البداية بإعلان "مالابو" بعد عقد أول قمة مع رئيس الوزراء الاثيوبى على هامش القمة الأفريقية بغينيا الاستوائية إلى أن توالت اللقاءات .
ولا ينكر أحد أن المفاوضات الفنية خلقت حالة من الحوار والتواصل والمواجهة بشفافية مع أثيوبيا بعد انقطاع دام سنوات، وهو ما ظهر بوضوح بعد توقيع اتفاق المبادئ الذى أعطى بعداً والتزاماً سياسياً حقيقاً للمفاوضات الفنية، والدليل إصرار مصر على عقد مفاوضات " سداسية " تضم وزراء الخارجية، وخلال شهر واحد تم عقد لقاءين فى الخرطوم، ترتب عليه اجتماع فنى حول زيادة الفتحات فى سد النهضة.
مصر استطاعت منذ بدء المفاوضات أن تدير هذه الأزمة بالشكل الذى يحافظ على حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، وبما يتفق مع القوانين والأعراف الدولية فيما يتعلق بالأنهار العابرة للحدود، رغم الفترة التى استغرقتها وفى نفس الوقت الحصول على الأدلة، والمستندات الرسمية التى تثبت موقفها دوليا فى حال عدم التوصل لتوافق بين الدول الثلاث لحل الأزمة ،حيث نجحت طوال فترة المفاوضات الفنية لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية لمعالجة الآثار السلبية للسد على دولتى المصب مصر والسودان فى تقديم كافة التسهيلات التى تساعد على نجاح المفاوضات الفنية التزاما منها بما تم الاتفاق عليه بين القيادة السياسية للدولتين "مصر وإثيوبيا" حينما شدد السيسى على رفضه التام التناول السياسى للأزمة، واعتبار أن الخلافات حول السد فنية فقط.
أما عن فكرة تغيير المسار فى المفاوضات واللجوء للتحكيم فهناك مرحلة قد تلجأ إليها مصر فى حال استنزاف الأوراق التى لديها بأن تكتفى بتقديم شكوى، للجنة الأمن والسلم الدولى بالاتحاد الأفريقى، ومجلس الأمن الدولى التابع للأمم المتحدة على اعتبار أن السد الإثيوبى يهدد الأمن والسلم وذلك بهدف الحفاظ على حق مصر فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان حقوقها المائية فى نهر النيل، دون أن تفرض عليها عقوبات اقتصادية أو سياسية أو عسكرية.
ويرى المراقبون أن إصرار القيادة السياسية على استمرار المفاوضات والحوار مع إثيوبيا هو الأنسب لحل المشكلة فى الفترة القادمة رغبة منها فى عدم تدخل قوة خارجية، والمتغيرات الدولية فى حال اللجوء إلى التحكيم فى إشارة منهم إلى أن التحكيم الدولى آخر ورقة يمكن أن تلجأ إليها مصر حتى لا تسمح بوجود مؤثرات دولية وإقليمية على حسم الخلاف .