أخيرا وبعد جهود امتدت لنحو أربعين عاما انتصر مجلس النواب المصرى للمرأة والفتاة، ووافق على تغليظ العقوبة على جريمة ختان الإناث، وألقى الرفض البين لحزب النور تغليظ عقوبة الختان والامتناع عن التصويت على القانون الذى أقره مجلس النواب مؤخرا بظلاله على تاريخ الحزب الأسود مع المرأة، ومواقفه ضدها، والذى أراد الرجوع بها إلى عصور الجاهلية، بداية من تحريمه لصوتها كونه عورة، وتصريح أحد القيادات به أن النقاب عفة وطهارة للمرأة ومنع الفتنة بدون سند أو دليل، مرورا بالعديد من الفتاوى التى تحط من قدر المرأة فى المجتمع ومكانتها المميزة والمهمة فيه.
التصرف الغريب للحزب أثناء إقرار القانون الذى يدين مرتكب جريمة الختان ومن يقدم الأنثى لإجراء العملية، يثبت النظرة الضيقة والمستغلة لقيادات الحزب ومتخذى القرار فيه للمرأة على أن الختان مرتبط بالعفة والشرف، وأن الفتاة التى يجرى لها الختان ليس من حقها أن تستمتع بحياتها الزوجية، وليس لها الحق فى المتعة والحياة كما للرجل، هذه النظرة هى ما جعلت الحزب يستبدل المرأة فى دعاية الانتخابات البرلمانية الأخيرة مطلع العام الحالى بالوردة التى تسر الناظرين وينتهى دورها بالذبول وتموت، ويشغلون أنفسهم فى الندوات والمؤتمرات عن حلال وحرام السلام على المرأة والنظر إليها والجلوس معها فى مكان العمل أو فى وسائل المواصلات العامة، أكثر مما ينشغلون بأمور الدين والفقه.
فالرؤية المنغلقة التى ينظر بها الحزب للحياة وضيق الأفق فى مسائل دينية واضحة هى التى جعلت نواب البرلمان من حزب النور يرفضون التصويت على القانون، بالرغم من أن القرآن الكريم قد خلا من أى نص يتضمن إشارة من قريب أو بعيد لختان الإناث، ولا صلة للدين المسيحى بهذه العادة، حتى الأحاديث التى وردت فى هذا الموضوع ضعيفة جدا ودون سند.
كما رفض العديد من علماء الأزهر هذه العادة ومعهم دار الإفتاء، وأكدوا أنها عادة أفريقية تنتشر فى حوض النيل فقط لعدم التوعية الكافية، وأنها غير موجودة على الإطلاق فى السعودية ولا بلاد الشام.
مشروع تغليظ عقوبة الختان قدم من قبل النائبة المجتهدة نادية هنرى عن حزب المصريين الأحرار وآخرين، وبالفعل وافق مجلس النواب بصفة نهائية على مشروع قانون بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات على من يقوم بجريمة الختان، فى حين أن القانون القائم قبل المشروع الجديد كان يجعل العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تتجاوز 5 آلاف جنيه، كما عاقب من يقدم الأنثى الختان بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات، وجاء تعريف الختان فى المشروع مطابقا لتعريف منظمة الصحة العالمية وهو: "إزالة أى من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئى أو تام أو إلحاق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبى".
رئيسة الاتحاد العام لنساء مصر الدكتورة هدى بدران سعيدة بإقرار القانون، وحاربت هى وزميلاتها فى الاتحادات والجمعيات النسائية المتعاقبة منذ 40 عاما فى مناهضة الختان، ومرة تنجح محاولاتهن ومرات تفشل، خصوصا فى القرى والنجوع نتيجة لانخفاض نسبة التعليم.
بداية تسليط الضوء على القضية كان فى عام 2003 بعد وفاة الطفلة إيمان من محافظة المنوفية، وسمى وقتها عام البنت المصرية، وبعدها جاءت طفلة المنيا بدور 2007، واهتم المجلس القومى للأمومة والطفولة التى كانت ترأسه السيدة مشيرة خطاب وقتها - المرشحة حاليا أمينا عاما لليونسكو – بالقضية، وقام بتدشين حملة مناهضة ختان الإناث فى القرى والنجوع المصرية، وبالفعل قامت هذه الحملات والزيارات بالتوعية ولكن الإقبال كان حثيثا فى القرى، ولكنه كان واضحا فى الحضر، وانخفضت النسبة بالفعل فى القاهرة والجيزة، وبعدها نرمين من المنوفية 2010، وسهير الباتع فى 2013، وأخيرا فتاة السويس ميار التى فجرت القضية ووصلت لمجلس النواب الحالى.
الغريب أن هؤلاء البنات اللاتى توفين جراء الختان ختنّ على أيدى أطباء، وأن كل قصة لهن كانت تحدث تغييرا ولو بسيطا فى القضية، ففى 2007 صدر قرار من وزير الصحة بحظر ممارسة الأطباء للعملية، وفى 2013 بدأ فى تنفيذ القانون ومعاقبة الطبيب.
الكرة الآن فى ملعب الاتحادات النسائية ومنظمات المجتمع المدنى المعروفة بمناهضة الختان، لبدء تنظيم الندوات ومؤتمرات التوعية على مجال واسع بمساندة الحكومة وهيئاتها المختلفة، خصوصا أن الدولة لديها استراتيجية قومية لمناهضة الختان "2016-2020"، التى أطلقها المجلس القومى للسكان.
وتهنئ الأمم المتحدة فى مصر الحكومة المصرية، ووزارة الصحة والسكان، والمجلس القومى للسكان على جهودهم الدؤوبة التى أدت إلى تأييد الأغلبية فى مجلس النواب لتشديد العقوبات على ختان الإناث.
ويعكس التجاوب السريع مع التعديلات التزاما قويا من جانب الحكومة المصرية بالقضاء على ختان الإناث، ويتوافق مع قرارات الأمم المتحدة وأهداف التنمية المستدامة التى تدعو إلى القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات.
وتدعو الأمم المتحدة فى مصرجميع مقدمى الرعاية الصحية بما فيهم الأطباء والممرضات، بالإضافة إلى المجتمع المحلى والمدنى وأولياء الأمور إلى التكاتف ضد هذه الممارسة الخطيرة، وغير القانونية وإنفاذ التعديلات الجديدة.
وتلتزم الأمم المتحدة بمواصلة العمل مع الحكومة المصرية ودعم جهودها الرامية إلى تعزيز أنظمة الحماية والصحة، بالإضافة إلى رفع الوعى للقضاء نهائياً على ختان الإناث فى مصر.