رحلة فتاة مغتربة للبحث عن أوضة فى وسط البلد 5 نظرات تواجهها "مغتربة البنسيون" فى شوارع وسط البلد من "البنت السهلة" للى "مالهاش أهل" وعايزة أوضة ولا شقة مفروشة؟ أكثر عروض أصحاب البنسيونات سخاء

مشهد كلاسيكى شهير لمنزل صغير أنيق من طابقين أو أكثر فى بناية فاخرة عريقة من بنايات وسط البلد فى زمن عزها باللونين الأبيض والأسود. من خلف شاشة التلفزيون الصغيرة التى تعرض فيلماً يعود تاريخه لثلاثينات القرن الماضى، تقف سيدة عجوز فرنسية اللهجة بروب كشمير فاخر فى منتصف "الريسبشن" الخاص بالبنسيون، تمر مروراً عابراً على رجال بالأرواب الفاخرة جلسوا للعب الورق فى بهو البنسيون الصغير، وآخرون ممن جلسوا للاستماع للراديو، تطمئن على هدوء الليلة، وتعود لغرفتها الرئيسية فى البنسيون الذى اشتهر قديماً فى شوارع القاهرة العريقة بالرقى والشياكة، وسكنى أهل الأقاليم من علية القوم بالقاهرة الكبرى، أو السكن الخاص بأصحاب الجنسيات الأخرى ممن يزورون المحروسة للعمل أو السياحة، هكذا كان حال البنسيون فى زمن "القاهرة 30"، واستمر حالها راقياً مرموقاً فى الأربعينات ثم الخمسينات، ولا تعلم السيدة ذات الروب التى تمثل شخصيتها مصطلح "البنسيون" بحذافيره ما وصل إليه الحال فى زمن "الشقق المفروشة" والليالى العابرة التى يمكن قضاؤها اليوم على طاولة أحد المقاهى دون اللجوء لليلة فى بنسيون لا يعطى للزبون أكثر مما يمكن أن يقدمه المقهى ولكن بسعر أعلى، تجربة قاسية لا تخلو من مرارة مغلفة بالكوميديا السوداء هى التجربة التى قد يعيشها زبون "بنسيونات" القاهرة فى محاولة الحصول على غرفة ليلة أو اثنين، وما قد يضع التجربة فى خانة أكثر قسوة هى إن كان الزبون "فتاة" فى العشرينات تبحث عن غرفة فى بنسيون، كم نظرة عليها احتمالها؟ وكم سؤالاً عليها الإجابة عليه بحذر حتى لا تبدو للسائل "سهلة" ويمكن فتح غرفتها ليلاً فى حالة موافقتها على ما يقدمه المكان من عروض؟، التجربة القاسية هى التى عاشتها انفراد فى يومين قضيتها فى البحث عن مكان للسكن فى القاهرة التى لا تعطى مساحتها الواسعة براحاً لفتاة من محافظة أخرى دون المرور بعد مراحل من التفحص، الأسئلة، الاستنتاجات العبقرية، الشروط، والعروض المضافة لمميزات الغرفة.. معايشة حقيقية تسردها صفحة ولد وبنت على قرائها "لبنت من مصر تبحث عن غرفة فى بنسيون فى وسط البلد".. بداية خريطة البحث.. التجربة حقيقية، والحاجة لغرفة واحدة فى القاهرة الواسعة لم يكن هدفها سرد القصة فحسب، بدأت فى البحث على الانترنت عن أماكن البنسيونات وأسعارها، مشاهدة الصور، وانتقاء أفضل العروض لمدة أسبوعين سأقضيهما فى غرفة بفندق بمبلغ مناسب فى الليلة، عدة مواقع تخصصت فى حجز الفنادق "أون لاين" عرضت مجموعة من الصور التى بدت فاخرة لعدد من البنسيونات التى حاولت الظهور فى الصور بأفضل شكل ممكن، أما عن الواقع فهو أمر أخر لا يراه سوى من تجاوز مرحلة الصور وقرر النزول لزيارة الأماكن بنفسه، فما بين الغرف الضيقة، الحمام المشترك، الأسرة الصغيرة المتهالكة، الحشرات التى يمكنك الشعور بها بمجرد دخولك، وغيرها من المشاهد المتشابهة. ما يقرب من 100 بنسيون فى منطقة وسط البلد فقط، هو العدد الذى رصدته احصائيات وزارة السياحة منذ عدة سنوات للبنسيونات والفنادق الصغيرة بمنطقة وسط البلد فقط، والتى يتركز معظمها فى شارع عماد الدين، وكلود بيك، وتتناثر بعضها فى شوارع عادلى، رمسيس، شريف، وشارع طلعت حرب، وغيرها من الشوارع التى تكتنز بالفنادق الصغيرة التى لا تتعدى شقة بعمارة قديمة بوسط البلد، مقسمة إلى عدة غرف صغيرة، وحمام واحد أو اثنين على الأكثر لكل الغرف.

من الأغلى للأرخص، هكذا يمكن تقسيم خريطة رحلة البحث فى حالة بدأت من ميدان التحرير للأماكن الأعلى سعراً من المطلة على المتحف المصرى، وعلى الميدان مباشرة، ثم الأقل سعراً مروراً بشارع طلعت حرب، عادلى، وشارع شريف، وحتى الوصول لشارع عماد الدين، وكلود بيك، ثم الأقل سعراً على الإطلاق فى العتبة وميدان رمسيس، 500 جنيه لليلة هو أغلى سعر على الإطلاق، وهو السعر النادر لأماكن جيدة بالفعل من البنسيونات التى تمتلك غرفة بحمام وإفطار وعشاء، ينخفض السعر لـ300 و350 فى مساحة ميدان التحرير، ثم يبدأ فى الانخفاض تدريجياً بطول شارع طلعت حرب حتى يصل لـ100 جنيه فى الليلة الواحدة ببعض الأماكن، أما بالنسبة للفتيات فالأمر قابل للتفاوض، فقد يصل سعر الـ300 لـ250 بحوار فكاهى مع المسئول عن الحجز، وقد ينخفض لـ200، و150 جنيها فى مناطق أخرى بسرد قصة لجوء الفتاة للبنسيون، وهكذا يمكنك الحصول "بصنعة لطافة" على غرفة بسيطة بسعر رائع ومفتاح يحتفظ المسئول عن المكان بنسخة منه "تحسباً للظروف".. 5 نظرات لن تفهمها سوى مغتربة "البنسيون"..

النظرة الأولى.. "بتسألى على بنسيون ليه؟" لافتة صغيرة لا تكاد ترى فى زحام شارع طلعت حرب، وتحديداً فى الرصيف المقابل لسينما ميامى، وهنا حصلت على نظرتى الأولى، سؤال سريع لفتاة بملابس عادية، مسحت وجهها من مستحضرات التجميل بالكامل، لإحدى الباعة فى المحلات أسفل المكان، "لو سمحت أروح بنسيون "كينغ..." منين؟، وهنا تنطلق النظرة الأولى، من أسفل الجسم لأعلى نظر الرجل للفتاة لمدة استغرقت ثوان مرت طويلة كدهر على الفتاة، تفحصت النظرة جميع التفاصيل بداية من الشعر لأخمص القدمين، ثم استقرت على العينين فى محاولة لنهل التفاصيل من خلف السؤال. النظرة الثانية.. من خلف الريسبشن.. غرفة واسعة مطلة على غرف أخرى مغلقة للبنسيون، نظرة متفحصة لهيئة الفتاة السائلة عن غرفة للإقامة، تستقر خلفها معانى تتجاوز الأسئلة، "عايزة أوضة ليه؟" هو معنى النظرة التى تختلف عن السؤال من المسئول عن الحجز، تتبعها نظرة أخرى لا تخلو من دهشة عن سر البحث عن غرفة لفتاة بهذا العمر لا تعنى أسئلتها أن لديها الكثير من التفاصيل للبوح. النظرة الثالثة.. من أهل المكان.. فى الغرفة الواسعة التى يستقر بها الريسبشن، تناثر بعض أهل البنسيون أمام شاشة صغيرة تعرض مباراة لا تبدو بهذه الأهمية، التفتت الأعنق بمجرد دخولى للمكان، تسمرت أمام نظرات متفحصة لا تخلو من ابتسامات تبعتها همهمة خافتة بينهم، نظرات متفحصة سريعة للهيئة، الملابس، ثم الشكل العام، تبعتها نظرات أخرى رسمت حياة كاملة للفتاة التى قد تدفعها الظروف للأسئلة باعتبارها "مالهاش أهل" بالطبع.

النظرة الرابعة.. "أخرك إيه".. بعد مجموعة من الأسئلة عن تفاصيل الإقامة والغرف، تتصاعد النظرات فى عين المسئول عن الحجز بالبنسيون، وتتجاوز النظرات الفاحصة لنظرات أخرى أكثر تفصيلاً من المسئول الذى تنفك عقدة لسانه شيئاً فشيئاً، تستقر فى عينيه نظرة "أخرك إيه" التى لا تحتاج للمزيد من الأسئلة لفهم ما توقعه الرجل عنك، وعن حياتك التى يحاول السؤال عنها بعينيه أولاً.. النظرة الخامسة.. إيه نظامك.. بعد الفحص والمعاينة، والنظرات التى تحمل معانى أخرى عن حدود ما يمكن رفضه أو قبوله، تستقر النظرة الأخيرة فى عيون المسئول عن الحجز فيما إذا كنت قد أعجبت بعرضه، أم سأرحل بلا رجعة، والتى تحمل بالضرورة سؤال "إيه نظامك؟" 10 أسئلة فى انتظار الإجابة من الباحثة "عن أوضة فى بنسيون".. من أول "أنتى منين؟" لحد "أنتى متجوزة ولا آنسة؟ " بعد النظرات المتفحصة، والعيون التى تبحث عن إجابات مستترة خلف الحوارات المقتضبة، تبقى الأسئلة الصادمة الصريحة التى لا تقبل الشك الذى تقبله النظرات، بنسيون آخر هو الأشهر بشارع "شريف" الذى حصلت فيه على سؤالى الأول.. السؤال الأول.. عايزة تدفعى كام ؟ بالطبع يقصد صاحب هذا السؤال المتبوع غالباً بابتسامة تبدو طبيعية، عن المفاوضة على السعر وفقاً لمجموعة من الجمل التى قد تسهل الأمر أكثر، فسعر الغرفة المحدد فى المواقع التى تعلن عن أماكن للسكن لم يشمل شروط التفاوض التى قد تخوضها فتاة تمتلك ما قد يصلح للتفاوض.

السؤال الثانى.. أنتى منين ؟ لأن من تطلب غرفة فى بنسيون لقضاء أكثر من ليلة لابد وأن تكون مغتربة، فتاة قروية من محافظة أخرى ليس لديها أقارب فى العاصمة، يوافق أهلها على سكنى البنسيون، فهى بالضرورة كنز يصلح لطرح الأسئلة، على حسب المحافظة تأتى العبارة القادمة، "المنصورة" على سبيل المثال يتبعها "أحلى بنات"، إسكندرية أو مدينة ساحلية أخرى "أجدع بنات وطبعكوا حامى"، مع ابتسامات مختلفة يظن بها السائل أنها تفتح له "سكة لا بأس بها فى اللقاء الأول".. السؤال الثالث.. جاية تعملى إيه فى القاهرة؟؟ تختلف الصياغة ويبقى الهدف واحداً، "جاية تعملى إيه فى القاهرة؟"، أو "بتشتغلى إيه؟" هى الأسئلة الثابتة التى تتبع مجموعة الأسئلة التقليدية،"بتدرسى ولا بتشتغلى؟" سؤال آخر أكثر ذكاء واستطلاعاً لما خلف الفتاة التى تبحث عن إقامة مستعجلة، إذا كانت الإجابة فى أن سبب الإقامة عمل، فتخرج النظرة فاضحة لا يمكن إخفاؤها مصدرة الحكم الفورى على فتاة من محافظة أخرى تركها أهلها للسفر للعمل فى القاهرة والإقامة فى بنسيون، معادلة متكافئة للبنت "السهلة" التى تعلن عنها عيونه فى راحة لما وصل إليه من استنتاجات.

السؤال الرابع.. أنتى متجوزة بقى ولا آنسة؟ الأسئلة الأكثر صعوبة تأتى فى ذيل قائمة الأسئلة العشر، هنا تبدأ مرحلة أخرى من التساؤلات، فجأة وبدون مقدمات "انتى متجوزة ولا آنسة؟" بابتسامة لا تخلو من سماجة واضحة، وكأنما أعطى نفسه الحق بالتعرف على صحيفة حالتى الاجتماعية لمجرد حاجتى لغرفة، نظرة مطمئنة مبتسمة سعيدة بإجابة "لا مش متجوزة"، ونظرة أخرى لا تخلو من المزيد من الأسئلة عند الإجابة بطريقة مقتضبة أن نعم "متزوجة"، وهو ما يفتح الباب لحديث لا ينتهى ونظرة أخرى لامرأة "طفشت" من بيت جوزها لبنسيون فى وسط البلد.

السؤال الخامس.. أول مرة تعدى فى بنسيون؟ مرحلة أكثر تقدماً فى الأسئلة التى واجهتنى فى رحلة البحث، يتساءل الجالس خلف الريسبشن فى ملل سببه قلة الزبائن بعد عدة أسئلة استطلاعية انتهت بالتأكد من الرغبة فى الغرفة، "ودى أول مرة تعدى فى بنسيون؟"، فى انتظار إجابة معناها بالضرورة أنها ليست المرة الأولى التى أعيش بها التجربة، وهو ما يعنى أننى على دراية كاملة بالأسئلة القادمة.

السؤال السادس.. فى حد بيزورك؟ السؤال الأكثر غرابة على الإطلاق والذى تكرر فى أكثر من مكان، أبرزهم بنسيون صغير فى عمارة الأيموبيليا الكبرى بوسط البلد، وبنسيون أخر يحمل اسمه "كايرو.." بشارع عادلى، فى حد بيزورك؟ سؤال بلا معنى ولم أجد له إجابة، "يعنى أيه؟" هكذا جاء الرد لتأتى التفسيرات الأكثر صعوبة "يعنى واحدة صحبتك مثلاً هتيجى تعد معاكى أحجزلك أوضة بسريرين".. لا يحتاج صاحب السؤال للشرح الأكثر عن هدفه من السؤال الذى يفتح مجالاً آخر للمناقشة فى السعر حسب وجود الزيارات وعددها. السؤال السابع.. بتروحى الساعة كام؟ انتهى الفضول، وانتهت محاولات كتم الأسئلة ؟، وبقى الأمر صريحاً واضحاً صادماً، يعلن عن التدخل فى تفاصيل دقيقة تحدد شكل الإقامة، وحياة الفتاة التى تبحث عن غرفة، فوفقا لمواعيدها يضعها السائل فى خانته المفضلة، "المغتربة اللى بترجع فى انصاص الليالى".

"عايزة أوضة.. ولا شقة مفروشة".. عما تتلقاه "مغتربة البنسيون" من عروض.. عروض تتجاوز مرحلة الأسئلة هى ما يمكن الحصول عليها فى حالة بحثك عن مكان للإقامة العابرة، بعد عدة مفاوضات وغرف اطلعت عليها بأحد الأماكن المواجهة للمتحف المصرى بميدان التحرير، وتحديداً فى الصف المواجه للمتحف من ناحية ميدان عبد المنعم رياض، جاء العرض الصادم كحل سحرى لعدم رضائى عن شكل الغرفة، "انتى مش عجباكى الأوضة، فى شقة فوق فى الدور التاسع، كبيرة بمطبخ وحمام وبـ200 جنيه فى الليلة"، مقارنة سريعة يجريها عقلك فى ثوان بين غرفة حقيرة يبلغ سعرها فى الليلة 160 جنيه، وبين شقة جاهزة فارغة تحتوى على أكثر من غرفة ومطبخ وحمام بسعر 200 جنيه فى الليلة الواحدة أى ما يعنى فرق أربعون جنيهاً غير كافية لسد الفروق الجوهرية بين المكانين، يكفى النظر لأعين صاحب العرض، وفى يده مفتاح الشقة العلوية فى انتظار المعاينة التى قد تسفر عن صفقة رابحة للغاية، نظرات القلق تتسرب لقلبه فيبادر قائلاً"ما تقلقيش" واطلعى شوفيها بنفسك، على الرغم من عدم اشتمال الإعلان الموجود على الموقع لهذا العرض السخى، وإلحاح المسئول عن الحجز بأن هذا العرض "علشان عيونك انتى بس ولله" وما بيطلعش لأى حد، إلا أن ما يتسرب لقلبك صحيحاً، وما يصرخ به عقلك صائباً مائة بالمائة، فأنتِ عزيزتى المغتربة الباحثة عن مكان للإقامة فريسة فى فخ النظرات الحاكمة، والأسئلة الفضولية التى تسعى لاكتشاف حقيقة أمرك، والعروض السخية التى تحمل خلفها مئات القصص التى لا تحتاج منك لخيال واسع، انتِ فريسة لمجتمع قرر اعتبارك سهلة لأنك خاطرت بالاغتراب فى مدينة تفرض قوانين الغربة للفتيات.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;