العديد من الجرائم ترتكب تحت مظلة المرض النفسى، منها ما يثبت حقيقة إصابة الجانى بالمرض، وجرائم أخرى يحاول فيها المتهم ادعاء الجنون للإفلات من العقوبة الجنائية.
أساتذة الطب النفسى، أكدوا أن الاختبارات التى يخضع لها الشخص المريض تكشف حقيقة إصابته بالمرض من عدمه، كما أكد خبراء علم النفس، أن هناك عدة أمراض تدفع الشخص لارتكاب جريمة بحق نفسه، مثل الانتحار، أو بحق أفراد أسرته والمقربين منه، مدفوعا بالاضطرابات والهواجس.
ومن الجرائم التى دارت أحداثها فى الآونة الأخيرة وكان مرتكبوها مرضى نفسيين، جريمة قتل بشعة شهدتها منطقة الزاوية الحمراء، حيث أنهى شاب حياة والده المسن بأن سدد له 3 طعنات وذبحه، بالإضافة إلى خنقه بواسطة بنطال، وتبين أنه مريض نفسيا وأكد الأهالى أنهم كانوا فى سبيلهم لعلاجه بإحدى المصحات النفسية، كما ألقت مباحث القاهرة القبض على مريض نفسى لاتهامه بقتل حارسة العقار الذى يقيم به، وإصابة نجلتها، ومحاولته قتل والده بمنطقة الأميرية.
وشهدت منطقة بولاق الدكرور بالجيزة حادث انتحار مريض نفسى، حيث حاول ذبح نفسه بسكين، إلا أنه فشل فلجأ إلى إطلاق النار على نفسه ليفارق الحياة داخل مسكنه، وفى منشأة القناطر بالجيزة شنق عامل نفسه بصالة شقته، وأكد شقيقه لرجال المباحث أنه أصيب بالمرض عقب وفاة والده، وكان يتناول العقاقير المهدئة.
الدكتور محمد حسن غانم أستاذ ورئيس قسم علم النفس بجامعة حلوان، ذكر أن هناك مجموعة من الأمراض النفسية والعقلية تدفع إلى ارتكاب الجرائم، مثل القتل والسرقة، ومن هذه الأمراض اضطرابات الشخصية السيكوباتية، وتعنى أن يجد المريض نفسه ضد المجتمع، ويعثر على لذته فى مخالفة القانون وارتكاب الجريمة، كما أنه يعاود ارتكاب الجريمة بعد دخول السجن.
وأضاف رئيس قسم علم النفس بجامعة حلوان أن علماء النفس لم يتوصلوا إلى علاج حاسم لهذه الأمراض، والتى ينضم إليها أيضا مرضى الإكتئاب الشديد، حيث قد يرتكب الشخص المكتئب الجريمة بحق غيره ثم يتخلص من حياته، مثل الجريمة التى حدثت سابقا بقتل أحد الأشخاص لأبنائه، ثم قتل نفسه بعد خسارته أمواله فى البورصة.
وقال رئيس قسم علم النفس إن مريض الفصام العقلى والمسمى بالجنون، غير مسئول عن أفعاله، ولا يترتب عليه أى آثار جنائية، لأنه ينتابه الكثير من الهواجس التى تدفعه إلى تنفيذ ما تمليه عليه من أفكار، مثل أن يخيل له أنه يسمع أصوات تطالبه بقتل شخص أو إشعال النار بمسكنه، ويضطر لتنفيذ تلك التخيلات، اعتقادا منه أنه سيرتاح عقب تنفيذ تلك الأوامر التى يتلقاها.
وأضاف رئيس قسم علم النفس أن هناك العديد من الأسر المصرية التى تشعر بالعار إذا اكتشفوا أن أحد أفراد العائلة مصاب بمرض نفسى، ويخشون من عرضه على طبيب أمراض نفسيه خشية الفضيحة أو أن يلحق العار بالعائلة، وهو الأمر الذى يؤدى إلى تدهور حالة المريض وربما يتسبب مرضه فى ارتكابه جريمة بحق نفسه أو بحق أحد أفراد أسرته.
وأكمل رئيس قسم علم النفس حديثه قائلا، إن مرتكب الجريمة إذا إدعى أنه مريض نفسيا، فإن النيابة تأمر بعرضه على لجنة من أساتذة الطب النفسى لتوقيع الكشف الطبى عليه، ويتم وضعه تحت الملاحظة فترة من الزمن، للتأكد من حقيقة إصابته بمرض نفسى دفعه لارتكاب الجريمة، أم أن الأمر مجرد محاولة لادعاء المرض للإفلات من العقوبة الجنائية، مؤكدا أن الاختبارات التى يخضع لها المتهم تؤدى للكشف عن حقيقة ونسبة المرض الذى يعانى منه.
ومن جانبها قالت االدكتورة وفاء الليثى أستاذ الطب النفسى بجامعة قناة السويس، إن هناك اعتقاد خاطىء أن المريض النفسى بطبعه عنيف، وان كثيرا من الجرائم تفسر أن مرتكبها مريض نفسى، حيث أثبتت الابحاث العلمية أن نسبة قليلة جدا ممن يرتكبون الجرائم مصابين بأمراض نفسية، ما يعد ظلما للمرضى النفسيين.
وأضافت أستاذ الطب النفسى أن بعض المرضى بحالات الفصام يتكون لديهم ضلالات خاطئة، تخيل لهم أن من حولهم من الأشخاص يكرهونهم، وهو ما يدفعهم لارتكاب أفعال من شأنها دفع تلك الكراهية عنهم، كما أن بعض المصابين بحالات الصرع والاضطراب النفسى ثنائى القطب، مثل الهوس، يمكن أن يتميزوا بالعنف، لكن لا يصلون إلى مرحلة إرتكاب الجريمة، وقد تصاب بعض السيدات بعد الإنجاب بحالة اكتئاب تدفعها للتخلص من طفلها بقتله، اعتقادا منها أنها تنقذه من مصير سىء قد يواجهه فى الحياة.
وذكرت أستاذ الطب النفسى أن المريض النفسى قد لا تظهر عليه علامات المرض الظاهرية، إلا أنه قد يكون منطويا ومسالما فاقدا للمعاملات الإجتماعية مع غيره من الأصدقاء والجيران، وقد يكون المريض النفسى عنيفا فى لحظات محدودة، وربما يرتكب الجريمة اعتقادا منه أنه يدافع عن نفسه حسبما يخيل له الاضطراب، مؤكدة أنه لابد فور اكتشاف إصابة الشخص بمرض نفسى، أن يتم عرضه على طبيب أمراض نفسية، حيث إن هذا النوع من الأمراض ليس وصمة عار تلحق بصاحبه، وإنما مثل غيره من أمراض الضغط والسكر التى تصيب جسد الإنسان، وله أسباب وعوامل متعددة تؤدى إلى الإصابة به مثل العوامل الوراثية والبيئية.