سويعات قليلة تفصلنا عن المناظرة الأولى بين المرشحين للإنتخابات الرئاسية الأمريكية، المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، حيث من المقرر أن تعقد في تمام الثالثة من فجر الثلاثاء بتوقيت القاهرة، يستعرض خلالها كلا المرشحين ما لديه من برامج قد تهم الناخب الأمريكي.
المناظرة المرتقبة بين طرفي السباق الإنتخابي الأمريكي مدتها ستكون نحو تسعين دقيقة، مقسمة إلى ست مراحل، كل منها 15 دقيقة دون توقف، تطرح خلالها ثلاثة ملفات هي توجهات الولايات المتحدة والإزدهار والأمن.
المناظرة الأولى بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، تأتي قبل نحو ستة أسابيع على موعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الـ 8 من نوفمبر المقبل.
الملفت في الموضوع أن هذه المناظرة تعد سابقة تاريخية، حيث لم تشارك أية سيدة من قبل في المناظرات الرئاسية، منذ بدء تنظيمها في ستينيات القرن المنصرم، كما يتوقع أن تكون الأكثر مشاهدة منذ مناظرة كارتر وريجان عام 1980.
المرشحان الرئاسيان الأمريكيان خاضا حملة ضارية من الهجمات المتبادلة منذ نحو عام مضى، لكنهما لم يلتقيا في أية مرة وجها لوجه، حيث من المقرر برأي الكثير من المحللين والمتابعين للشأن الأمريكي أن تشكل المناظرة الأولى بينهما، مفترق طرق بالنسبة للناخب إذ يتوقع أن يتابعها عشرات الملايين من الأمريكيين ناهيك عن غيرهم من المهتمين بالحدث في مشارق الأرض ومغاربها.
المحللون أكدوا أيضاً أن المناظرات الرئاسية الأمريكية، لا تؤثر كثيراً على أصحاب الآراء المسبقة والمؤيدين لأي من طرفي المعادلة، بيد أنها تعد عنصراً فعالاً بدجة كبيرة على أولئك المترددين الذين سيحسمون السباق لاختيار خلف للرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، حيث يعد عددهم هذه المرة الأكبر من ذي قبل، إذ قدر استطلاع للرأي أجرته شبكة "إن.بي.سي" نسبتهم بـ 9% من الناخبين المتوقعين.
أما عن نقاط القوة والضعف لدى كل منهما، فقد تبارت مراكز الأبحاث والدراسات السياسية الغربية والعربية للتصدي لها، كونها تعد الإنتخابات الأكثر أهمية بالنسبة لمعظم دول العالم، وليست الولايات المتحدة فقط، لعل أبرزها أن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون تتميز على خصمها الجمهوري دونالد ترامب بخبرتها ومعرفتها بالملفات سواء المحلية والدولية منها على السواء بفضل عملها السياسي الممتد والذي كان آخرها توليها منصب وزيرة خارجية الولايات المتحدة في الفترة الممتدة من 2009 إلى 2013، فيما تنقصها عفوية دونالد ترامب.
أستاذ التواصل السياسي في جامعة "ميزوري"، الدكتور ميتشل ماكيني، والمتخصص في المناظرات السياسية، أكد أن الناخب الأمريكي لا يتابع المناظرات المتلفزة بين المرشحين للإنتخابات الرئاسية بهدف معرفة أي منهما الأكثر ذكاء أو إطلاعًا على الأرقام والمعلومات، لكنه يبحث عن المرشح الذي ينجح في نقل رؤيته لهم في بضع جمل بسيطة ومتماسكة.
مشيراً إلى أن هيلاري كلينتون تتمير في هذا الجانب حيث تمتلك قدرة متعمقة على عرض ملفاتها على الناخب، لكن ينقصها العدول عن ميلها إلى إعطاء أجوبة مفصلة للغاية.
أما الخبير والمستشار في مجال الاتصال كارمين جالو أكد أن هيلاري تفتقد إقامة رابط إنساني مع ناخبيها، حيث تعد أقل المرشحين الديمقراطيين للبيت الأبيض الذين لاقوا إعجابًا. مستشهدًا بإقرارها هي نفسها بأنها تفتقر إلى جاذبية زوجها بيل كلينتون أو كاريزما باراك أوباما كما يرى أكثر من نصف الأمريكيين أنها غير جديرة بالثقة.
جالو أشار أيضاً إلى أن هيلاري كلينتون ركزت خلال محاولتها الأولى لنيل ترشيح الديمقراطيين في عام 2008، على تقديم نفسها على أنها المرأة الحديدية. غير أنها هذه المرة تركز على دورها السياسي الرائد وصورتها كجدة، لتكون أقرب إلى قلوب الناخبين. مرجحًا عدم تمكنها خلال المناظرة المرتقبة من محو صورة راسخة لدى الرأي العام منذ ربع قرن عنها.
أما عن تقاط القوة لدى هيلاري فقد لفت جالو أيضاً إلى أنها تمتلك مقدرة على الرد على التساؤلات بشكل ذكي وسريع.
بالنسبة للجمهوري دونالد ترامب، أوضح الخبير في الاتصال السياسي كارمين جالو أنه يقيم رابطًا قوياً مع الناخبين عن طريق الإنفعالات التي يثيرها من وقت لآخر، وهو ما يجد له تأثيراً كبيراً لديهم، كون أن المشاعر دائما أقوى من الوقائع برأيه.
ترامب لم يتفوق دائمًا خلال المناظرات الـ 12 التي تخللت حملة الانتخابات التمهيدية، بحسب جالو، بل أنه عمل على تحيد نفسه في غالب الأحيان، تاركًا المرشحين الآخرين يتواجهون وينتقدون بعضهم بعضًا. وفي النهاية، حين لم يبق هناك سوى عدد ضئيل من المتنافسين، يسعى إلى إثارة البلبلة في المناظرة بسلوكه الإستفزازي، حيث كان يقاطع المناقشات بجمل قصيرة وصفها جالو باللاذعة والهجومية، أو بشعارات مسيئة.
على صعيد متصل قال أستاذ التواصل السياسي في جامعة ميزوري، الدكتور ميتشل ماكيني، والمتخصص في المناظرات السياسية إن ترامب عليه خلال المناظرة الأولى له ضد منافسته هيلاري كلينتون أن يركز على الموضوعات الجوهرية، حيث ستخصص له نصف مدتها البالغة تسعون دقيقة، ولن يكون بوسعه ملء هذه المدة بتصريحاته وتعليقاته الساخرة أو الهجومية.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أدلت بدلوها بطبيعة الحال في التفتيش عن نقاط القوة والضعف لدى كلا المرشحين الأمريكيين، حيث أشارت الصحيفة إلى أن مستشاري المرشحة الديمقراطية، هيلارى كلينتون، يعملون عن كثب في التفتيش عن نقاط الضعف الكبرى لدى خصمها ومنافسها المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بالتزامن مع وضعهم إستراتيجيات لاستفزازه وإضعاف موقفه في المناظرات الرئاسية التي تحظى بإهتمام كبير لدى الناخب الأمريكي.
نيويورك تايمز بينت خلال تقرير لها أن فريق هيلاري كلينتون يستعين بخبراء في مجال علم النفس من أجل المساعدة في تحديد شخصية ترامب لتقدير رده على الهجوم والتعامل مع كلينتون كخصم وحيد له خلال المناظرات المقبلة.
الصحيفة الأمريكية أوضحت أن الفريق القائم على حملة كلينتون يقوم بتحليل مفصل عن أداء ترامب خلال مناظرات الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري للاستفادة في تحديد نقاط القوة والضعف لديه، وتلك التي تخرج ترامب عن شعوره بطريقة لا تتماشى مع السباق الانتخابي.
ومن الأشياء التي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز قيام هيلاري كلينتون بمحاكاة المناظرات المرتقبة مع خصمها ترامب، من خلال البحث عن شخص بإمكانه إرباكها، مثلما يتوقع أن يفعل المرشح الجمهوري.
على الجانب الآخر، لفتت الصحيفة إلى أن ترامب ينتهج أسلوبًا مغايرًا، حيث أنه يعتمد أكثر أثناء اجتماعه مع مستشاريه وفريق عمله على الحرية في الحديث أكثر من التركيز على الملفات الهامة، مستشهدة بعدم إخفاء ترامب نفسه ازدرائه لمثل هذه الجلسات التي يصفها بالممارسات الهزلية، مسلطة الضوء على ما قاله الرجل في إحدى المقابلات التي أجريت معه مؤخرًا، حيث بين أن مثل هذه التحضيرات تعد خطيرة، إذ ينظر إلى المرشح على أنه ملتزم بنص أو متصنع كأنه يحاول أن يكون شخصا آخر.
أما عن النقاط التي يسعى من خلالها فريق هيلاري كلينتون على إخراج ترامب عن توازنه خلال المناظرة المرتقبة فجر الثلاثاء، هي التركيز على إرسال رسالة إلى الناخب مفادها أن المرشح الجمهوري غير ملائم لتولي الرئاسة بسبب مزاجيته المتغيرة والتي قد تؤدي إلى إحداث هزات سياسية داخلية وخارجية للولايات المتحدة، أكثر من إظهار كذب ترامب خلال المناظرة.
كما تسعى هيلاري كلينتون إلى إثارة ترامب خلال المناظرة عبر ذكر مديحه للرئيس الروسي فيلاديمير بوتين في حين إنهال بالهجوم على لواءات الجيش الأميركي، فيما نصحها مستشاروها بالرد بعدوانية على ترامب حال واجهها ببريدها الإلكتروني الخاص بها والذي استخدمته خلال توليها حقيبة الخارجية، داعين كلينتون إلى مطالبته بالكشف عن إقراراته الضريبية.
على الناحية الأخرى يفضل دونالد ترامب تبادل الأفكار مع أفراد فريقه ومستشاريه بدلًا من صقلها أو إختصارها في إجابات قصيرة مدتها دقيقتان، رافضًا استخدام المنصات الخطابية في جلسات محاكاة المناظرة رغم إلحاح مستشاريه عليه في هذا الشأن.
مستشارو ترامب يحاولون أيضاً الضغط عليه للتركيز أكثر على الموضوعات الكبرى التي تهم الناخب الأمريكي مثل الوظائف ومكافحة الإرهاب، وحماية الأمن الدخلي وإغلاق الحدود، وجعل الولايات المتحدة دولة عظمى بشكل أكثر واقعية، في حين يعتقد ترامب أن الفوز بالمناظرات أو خسارتها لا يعتمدان على التفاصيل الخاصة بالسياسات، حيث يؤكد أن المشاهدين لا يتذكرون ما جاء في مثل هذه المناظرات بعد ساعة من نهايتها.
كما من بين نقاط الضعف التي تتصف بها هيلاري كلينتون فهي سهولة استفزازها تحت ضغط. حيث يصعب التنبوء بمدى استجابتها الإيجابية، حال هوجمت بلا هوادة حول مسائل شخصية مثل علاقاتها بالمتبرعين الأثرياء وأخلاقها وأمانتها، أو بشأن قضايا تخص شخصية زوجها كخياناته السابقة.
أما نقاط الضعف الأكبر لدى الجمهوري دونالد ترامب فهي تتمثل في كونه دائماً ما يسعى إلى تحقير وإهانة خصمه، ومدير المناظرة، والمصوتين أنفسهم، كما أنه يميل إلى الكذب في كثير من القضايا مثل جنسية الرئيس باراك أوباما، واستخدام معلومات مغلوطة أو الترويج لنظريات المؤامرة.