بين فترو وأخرى تتجدد المعارك بين الأزهر والمثقفين كلما حاولت المؤسسة الدينية "النيل من حرية التعبير" حسبما يؤكد المثقفون ، بينما يحاول الأئمة الحفاظ على "صحيح الدين" حسبما يقولون.
ولم تكن المعركة التى نشبت منذ شهور بين الدكتور جابر عصفور ومؤسسة الأزهر هى الأولى ، وبعد إقالة الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق من منصبه بعد حربًا إعلامية بينه وبين عباس شومان وكيل الأزهر، تم تعيين وزيرًا أزهريًا إلا أن أدائه لم يعجب المثقفين فطاله التعديل الوزارى الأخير .
وظهرت أزمة الباحث إسلام بحيرى مع الأزهر والتى بدأت بمنع برنامجه وانتهت به خلف قضبان السجن، لتعيد السجال من جديد وينتفض المثقفون للدفاع عن إسلام بحيرى إيمانًا بحرية التعبير وفى المقابل أصدرت هيئة كبار العلماء بيانًا حاد اللهجة تؤكد فيه أن المؤسسة الأزهرية تحمى الإسلام من هجمات ما أطلقت عليهم "المتمركسين" وكان البيان يلمح لتصريحات المفكر سيد القمنى الذى هاجم الأزهر بضراوة.
البيانات الصادرة عن الأزهر الشريف و هيئة كبار العلماء، كانت ردا على الدكتور جابر عصفور بعد هجومه الأخير على الأزهر ومناهجه، كما أنها لم تكن المرة الأولى لهجوم عصفور على الأزهر ففى شهر ديسمبر من العام قبل الماضى فجر تصريح الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة آنذاك،أزمة مع المؤسسة الدينية بقوله بأن بعض مشايخ الأزهر متشددون ويرفضون الإبداع وذلك على هامش افتتاح المسرح القومى والتى شهدت انسحاب الدكتور محمد مهنا مستشار شيخ الأزهر من حفل الاحتفال بسبب ما وصفه برفضه قبول إهانة الأزهر.
الغريب فى الأمر أن الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق كان من ضمن المشاركين فى عدد من الوثائق التى أصدرها الأزهر منها وثيقة "الحريات" والتى شملت 4 عناصر وهى "حرية العقيدة،حرية الرأى و التعبير، وحرية البحث العلمى ،حرية الإبداع الأدبى و الفنى ".
الدكتور جابر عصفور دائما ما يلمح فى تصريحاته إلى مستشارى شيخ الأزهر وأنهم سببا فى الأزمة بينه وبين الأزهر .
الأزهر لم يحبس إسلام بحيرى
الأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء قررا عدم مقاضاة سيد القمنى مفضلين تجاهله بحسب مصادر بمشيخة الأزهر ،والتى أكدت لـ "انفراد" أن الأزهر لم يحبس إسلام بحيرى و أن القضية التى حركها الأزهر ضد "بحيرى" كانت تطالب بعدم ظهوره مرة أخرى على الفضائيات ،مؤكدة أن الأزهر لا يمارس سلطة دينية بل يدافع ويحافظ على ثوابت الدين ويتصدى لكل من يشكك الناس فى أمر دينهم.
جابر عصفور:الأزهر ليس سلطة دينية ويحاول تضليل الناس
عن تلك الأزمة يعلق الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق لـ "انفراد"، قائلا إن الأزهر يحاول أن يجعل نفسه سلطة دينية وهو ليس سلطة دينية ، مؤكدًا أن المؤسسة تحاول تضليل الناس استنادًا إلى مادة من الدستور تجعل الأزهر مصدرًا للمعرفة الدينية ولكنه ليس المصدر الوحيد لها.
وتابع :"الأزهر معهد علمى والإسلام لا يعرف سلطة الكهنوت، وأقصى ما يمكن أن يقدمه الدعاة والأئمة لعموم المسلمين هو النصيحة" مؤكدا أنه لن يتوانى عن وصف الفقيه الجاهل بالجاهل كما لن يبخل فى وصف العارف بالعارف ،ويضيف: "شتان بين علم سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن ومعرفته الواسعة، وبين علم عباس شومان الضئيل، كما أن هناك فرقا بين كبار المشايخ وعلم الدكتور محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق فنحن لا ننتسب لأزهر شومان وأمثاله".
سيد القمنى يطالب بإدراج الأزهر كمؤسسة إرهابية
ولم يقتصر انتقاد الأزهر على الدكتور جابر عصفور حيث انضم إليه الدكتور سيد القمنى،وطالب بإدراج الأزهر كمؤسسة إرهابية،مشيرا إلى أن "هناك من يعملون على تلك القضية الآن، وسيرفعون على الأزهر قضية بالمحكمة الجنائية الدولية، وأنا من سيقدم لهم المستندات وأمتلك منها الكثير".
وقال "القمنى": "الأزهر يرى غير المسلمين وغير المنتمين لمذهبه السنى الحنبلى الإرهابى على أنهم كفرة، وبالتالى يصدر الإرهاب للعالم"، مضيفًا أن للإسلام رب يحميه، وليس فى حاجة إلى مشايخ لحمايته، متهماً الدولة بأنها "حصنت المتسببين فى قتل المفكر الراحل فرج فودة، ولم تقدمهم للمحاكمة بتهمة التحريض على القتل".
عباس شومان: أى ضرر يلحق بالأزهر يلحق بالأمة كلها وبمصر خصوصًا
وفى المقابل قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف أنَّه ليس من الصالح العام الهجوم على الأزهر، لأن أى ضرر يلحق بالأزهر يلحق بالأمة كلها وبمصر خصوصًا، و أن من يتصور أنَّه بإمكانه أن ينال من الأزهر فهو واهم ولا يعرف الحقيقة، ومن لا يعرف فعليه أن يراجع تاريخ الأزهر العريق الذى امتد أكثر من ألفِ عامٍ، وكيف كان الهجوم عليه طوال تاريخه من حملات أجنبية ومن المستعمرين، ومع ذلك فقد تفتت كل تلك الهجمات وذلك العدوان فى صحن الجامع الأزهر، لأن الأزهر صخرة صمَّاء تنكسر عليها أحلام الطُّغاة والمستبدين على مرِّ العصور.
ووضع شومان شروطا لانتقاد الأزهر وعلماءه وهو أن يكون الناقد عالمًا له علمه فى علوم الدين واللغة حتى يكون أهلًا للنقد، كما يجب أن يحترم النقد أدب الحوار ولدينا كليات تعلم الطلاب هذا الأدب وكيفية التعامل مع الآخر.
وشدد شومان على أن الأزهر سيواجه ويرد على أى "محاولة لانتقاد كتاب الله وسُنَّة رسوله بالدليل العلمى الذى يثبت خطأ المهاجمين ويثبت أنهم أصحاب فكر مشوش ولا يملكون ظهيرا علميا يمكنهم من التجديد أو حتى النقد".
محمد مهنا:من يتطاول على الأزهر "جاهل و آثم"
الدكتور محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر،شن هجوماً حاداً على سيد القمنى بعد هجومه على مؤسسة الأزهر الشريف ووصفه لها بـ"الإرهابية"، معتبراً أن "تطاوله تجاوز الأزهر وطال الدولة والشعب".
وقال مستشار شيخ الأزهر، :"هذا بلاء نصاب به كثيراً فى أمتنا عموماً ومصر بصفة خاصة"، موضحاً أن القمنى "لم يتطاول على الأزهر فقط، بل تطاول على الشعب والحضارة المصرية، والدستور والدولة".
هيئة كبار العلماء لـ"القمنى": "المتمركسون" يسيئون إلى الدين
هيئة كبار العلماء فى الأزهر الشريف اجتمعت،وأصدرت بيانا حاد اللهجة أكدت فيه أن الأزهر يتعرض لحملة شرسة وصلت إلى تحميله مسئولية العنف العشوائى واستخدام القوة لفرض الآراء، بل وتجاوزت ذلك إلى تجريح ثوابت الإسلام، والطعن فى التراث الفكرى والحضارى .
واعتبرت هيئة كبار العلماء أن الحملة تجاوزت النقد المشـروع منه وغير المشروع إلى الطعن الفج فى ثوابت التراث، ومذاهب أهل السُّنَّة والجماعة، بالدعوة إلى إحراق هذا التراث وإهانة الأئمة .
ورصدت هيئة كبار العلماء أيضا مجلات «ثقافية» تتهم أئمة الإسلام بأنهم أئمة الثقافة التكفيرية وتعدّ الأئمة: الشافعى ومالك وأبا حنيفة وابن حنبل والأشعرى والباقلانى والبخارى والشهرستانى والغزالى وأمثالهم فى زمرة التكفيريين!.
واتهمت الهيئة من وصفهم بـ"المتمركسين" بالإساءة إلى الدين، حيث فتحوا الأبواب أمام المادية الجدلية والتاريخية والزندقة والإلحاد، والبنوية والتفكيكية والحداثة وما بعد الحداثة .
شيخ الأزهر يخرج عن صمته ويؤكد:وصف مناهجنا بالداعشية "جريمة"
الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، انتفض للدفاع عن الأزهر من الهجمات ،قائلا: "الأزهر الشريف مضى عليه الآن أكثر من 1060 عامًا، وهو يحافظ على وسطية الإسلام والمسلمين التى تعنى عدم التعصب لمنهج أو مذهب معين، مع احترام مذاهب وأديان الآخرين، والنأى عن المهاترات المذهبية تمامًا، وكتاب الثقافة الإسلامية المقرر على الصف الثالث الإعدادى وصفوف المرحلة الثانوية يلخص كل هذه المعانى الإنسانية السامية التى أقرها الإسلام ونحن نربى عليها طلابنا".
وأضاف الدكتور أحمد الطيب، أن المنهج الأزهرى منهج سلمى يحافظ على إشاعة السلم فيما بين المسلمين، وفيما بينهم وبين غيرهم سواء أكان هذا غير متدين أم لا، كما أنه منهج تعددى يجمع كل المذاهب الإسلامية ويقف بها تحت لافتة الإسلام، لا يكفر ولا يقصى أى مذهب آخر، ولا يفسقه أو يبدعه.
وأشار الدكتور أحمد الطيب، إلى أن بعض القنوات تعتمد اعتمادًا كليًّا على ضعف مستوى الثقافة الإسلامية واللغة العربية لدى نسبة كبيرة من المشاهدين، فيضللون الناس بنزع بعض النصوص من سياقها فى بعض كتب الحديث والتراث، وهذه قرصنة واستغلال لعدم معرفة الناس بأمور اللغة، لأنه من المستحيل أن يتحدث فى علوم الأزهر إلا أزهرى متخصص ودقيق.
وشدد على أن المنهج الأزهرى منهج وسطى فى الفقه وفى العقيدة، لكن حينما يقال فى بعض الفضائيات أن المنهج الأزهرى هو منهج داعشى، فهذه "جريمة خلقية فى المقام الأول وعلى مَنْ يدعى ذلك أن يراجع نفسه وألا يكذب على نفسه وعلى الناس، هل قرأ وتأكد ونزل إلى المعاهد وعرف ما يدرس بها؟ هل أحصى عدد الأزهريين؟ هل هناك منهم من قاد حركات مسلحة وحركات إرهابية وحركات متطرفة؟! ".
واختتم الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر تصريحاته، قائلا :"هدم الأزهر هدم للوطن باعتباره القوة الناعمة لمصر وللعالم العربى والعالم الإسلامى، ومن أراد أن يعرف قيمة ومكانة الأزهر فليعرفها فى خارج مصر فى العالم الإسلامى الذى لا يرضى بهذا الهجوم الذى كنا نود ألا يأتى من قبل مصرى، ومع ذلك نحن على استعداد أن نتلقى أى نقد هادف يبنى ولا يهدم، فنحن لسنا معصومين ولا نؤمن بمعصوم إلا بالنبى صلى الله عليه وسلم".