خطة حكومية لمواجهة الظاهرة بـ26 ألف متطوع فى المدارس للتوعية
الوصول إلى السعادة السريعة والنشوة يبدأ بفكرة التجربة، وعندما تختمر الفكرة تبدأ السعادة فى الوصول إلى الذروة، والتى يقف صاحبها على حافة الهاوية، ويكون أمامه طريقان، إما الخروج من مرحلة التجربة والدخول فى الإدمان، أو فتح الباب والهروب من هذه الدائرة السوداء التى تفقد الشخص البهاء والنضارة وحسن الخلق.
فيمكنك بسهولة أن تتعرف على الشخص المدمن من سلوكه وأفعاله ومظهره العام، فمن لديه اضطراب فى النوم ومدخن ويتناول المنبهات بكثرة، ويعانى من الهزال والهالات السوداء، وقليل التركيز وكثير النسيان، فهو بالتأكيد شخص إما مدمنا أو فى طريقه إلى السقوط فى الإدمان.
وإذا ما قدر الله لك النجاح فى مساعدة شخص فى التعافى من الإدمان، فيمكنك التأكد أنه بالفعل اتخذ القرار بالابتعاد عن الإدمان من خلال علامات رئيسية، وهى عند التوقف عن التعاطى تظهر أعراض جسدية ونفسية للشخص، فإذا كان يتعاطى الأفيون أو الترامادول أو الهيروين تظهر الأعراض الجسدية أكثر، حيث يجد آلاما فى الجسم والعظام، أما إذا كان يتعاطى الحشيش فتظهر الأعراض النفسية أكثر، حيث يشعر بالاكتئاب والتوتر والضيق، بالإضافة إلى مشاكل وتدهور فى كل نواحى حياته الصحية والاجتماعية، لكن هذه أعراض يمكن أن تختفى مع الوقت المهم أنت تقتنع وتتخذ القرار الصحيح.
الدراسات وتقديرات الأطباء فى مصر أكدت أن الإدمان زاد بين المصريين بمختلف الأعمار حتى كبار السن بصورة لافتة للنظر، والسبب فى ذلك الضغوط الحياتية والمشكلات الاجتماعية، التى يعانى منها المصريون، وهو ما أشارت إليه الأرقام، التى خرج علينا بها الدكتور «عمرو عثمان» رئيس صندوق مكافحة الإدمان، قائلاً: «الإدمان والتعاطى زاد خلال الفترة الأخيرة، وهو ما دفع الجميع لمضاعفة المجهود لمكافحة هذا الوباء، ولا نخجل من الإعلان عن الأرقام الحقيقية حتى وإن كانت صادمة، ومن خلال الصندوق قمنا بالعديد من الأبحاث والدراسات، التى توضح لنا المشكلة بشكل صحيح حتى نضع أيدينا على المشكلة وأسبابها وأماكن انتشارها».
مصر تسجل ضعف المعدلات العالمية
وتابع: «يسجل نسبة الإدمان فى مصر 2.4%، ونسبة التعاطى بلغت 10% وهى تتعدى نسبة التعاطى العالمية، التى تسجل 5%، وأظهرت الدراسات أن هناك تدنيا لشكل التعاطى، حيث يبدأ الشباب فى مرحلة التعاطى من عمر 11 عاماً، وهو ما يثبت تراجع دور الأسرة، حيث إن 58% من المدمنين يعيشون مع أسرهم بشكل طبيعى بدون مشكلات، مما يدل على تراجع دور الأسرة بشكل كبير فتواجد الأب والأم مع أبنائهم ما هو إلا تواجد جسدى وليس تفعيلا لدورهما التربوى واحتوائهما النفسى».
الترامادول رقم 1 فى مصر
وأشار إلى أن الترامادول يحتل المركز الأول فى الانتشار بين المدمنين وقد وصلت نسبته إلى 51% بين المدمنين، أما الحشيش هو رقم واحد بين المتعاطين، وأكد أن هناك بعض الفئات المجتمعية ينتشر بينها المخدرات بصورة كبيرة وهم فئة السائقين والحرفيين، حيث انتشرت المخدرات بين السائقين بنسبة 24% والحرفيين 19% من نسبة المدمنين فى مصر.
الدراما والأفلام سبب انتشار الظاهرة
وأضاف الدكتور «عمرو عثمان»: «رصدنا مشاهد التدخين والإدمان فى كل الأعمال الدرامية سواء تليفزيونية أو سينمائية خلال الأربع سنوات الماضية وأظهرت لنا الدراسات تأثير هذه المشاهد على المجتمع وأدت إلى سعة انتشاره بين العديد من فئات المجتمع، حيث أظهرت النتائج أن ما يقرب من 11 ألفا و500 مشهد حرضوا على تناول المخدرات والتدخين، وفى رمضان كان يوجد عدد 102 ساعة تحريض على المخدرات والتدخين.
وعن خطوات مكافحة الإدمان قال «عثمان» نعمل على عدة محاور للمجابهة، ونبدأ من المدارس، حيث ينتشر ما يزيد على 26 ألف متطوع فى المدارس لتوعية الطلاب من هذا الخطر، بالإضافة إلى مراجعة المناهج الدراسية لوضع دروس توعوية بشكل غير مباشر للطلاب، خاصة فى مرحلة التعليم الأساسية.
ولم يكن هذا هو الطريق الأول، الذى نسير فيه لمكافحة الإدمان ولكن انتقلنا للتعامل مع الإعلام عن طريق حملات مؤثرة تحمل اسم «أنت أقوى من المخدرات»، شاركنا فيها الفنان الشاب «محمد رمضان» والرياضى العالمى «محمد صلاح»، وكان اختيارنا لهذين الشخصين بناء على نتائج دراسة قمنا بها للتعرف على أكثر الشخصيات تأثيراً فى الشباب خلال المرحلة العمرية بين 12 إلى 17 سنة، واستطعنا من خلال هذه الحملات جذب 12 مليون متابع خلال أول 3 أسابيع وزادت نسبة المقبلين على العلاج إلى 82%.
وللحد من مشكلة انتشار التعاطى والإدمان بين السائقين المهنيين تواصلنا مع وزارة الداخلية لإجراء حملات كشف مبكر عن التعاطى والإدمان بين السائقين حتى استطعنا التقليل من نسبة انتشاره، ووصلت النسبة إلى 16% حاليا، وخلال الـ6 أشهر الماضية تم التعامل والكشف على 19 ألف سائق مهنى على الطريق السريع، وشملت حملتنا الأخيرة سائقى أتوبيسات المدارس، حيث إن نسبة المخدرات وصلت بينهم إلى 7%.
وأشار إلى أن الصندوق استطاع خلال العام الماضى استقبل 75 ألف مريض إدمان وعالجهم، بالإضافة إلى إعادة التأهيل والدمج المجتمعى وتعريف المتعافين منهم على بعض الحرف التى تساعدهم على بداية حياتهم من جديد.
الإدمان فكرة تسيطر على المريض.
وهناك علامات من الممكن أن يكتشف بها الوالدين إدمان الابن أو الابنة ويوضحها الدكتور «محمد مختار صالح» استشارى الصحة النفسية والعلاج النفسى طب الأزهر ، ومدير مركز الدعم النفسى لمستشفى بهية لسرطان الثدى، ويقول: توجد طرق معروفة عالميا لاكتشاف الشخص المدمن بسهولة داخل الأسرة، ولكن اللافت أن تعاطى المخدرات لم يعد موجودا بين الشباب فقط، بل وصل إلى أن هناك أطفالا يتعاطون المخدرات، نظرا لغياب الوعى لدى الأسرة والمدرسة وزيادة جرعة العنف فى المجتمع، أما الإدمان فهو فكرة لا تخرج من الجسم إلا بخروج الفكرة، التى أدت به للإدمان، ويعتبر إخراج المادة المخدرة من الجسم أمرا سهلا، ولكن الأهم هو إعادة إصلاح هذه الفكرة حتى يترك المريض ما أدمنه».
واكتشاف الابن المدمن أو المتعاطى يبدأ بحدوث اضطرابات فى النوم، وفقدان لشهية الأكل مع ظهور هالات سوداء أسفل العينين، ضعف الجسم والميل للنحافة بسرعة شديدة، فضلا عن عدم التركيز والنسيان، كل تلك العلامات عند ملاحظتها على الابن، فيجب أن تأخذ الأم حذرها فى التعامل، وتنتقل فورا إلى المرحلة الثانية، وهى مراقبة الشاب أو الفتاة لمدة 4 أيام للتأكد من تصرفاته والتعرف على تحركاته وأصدقائه والأماكن التى يتردد عليها، وعند التأكد يبقى لنا المرحلة الثالثة، وهى عمل التحاليل، التى نعرف من خلالها نوع المخدر الذى يدمنه الابن».
وأضاف: «بعد المرور بهذه المراحل على الأهل مواجهة هذا الموقف بقوة السيطرة ومهارة عالية للتحكم فى ردود الأفعال، وخير من يساعد الأم فى ذلك هو طبيب متخصص فى علاج الإدمان».
وأشار الدكتور «مختار» إلى أن الترامادول هو رقم واحد بين المدمنين ويليه الهيروين والكوكاكين، وأكد أن هناك أنواعا من الحشيش تباع حاليا مضافا إليها خليطا من أدوية الأمراض النفسية منتهية الصلاحية وهو ما يجعل تأثيرها أقوى على المخ وتؤدى إلى تلفه، بالإضافة إلى حدوث هلاوس سمعية وبصرية، أما حبوب الهلوسة، فأصبحت تمثل خطرا شديدا، خصوصا أنها بدأت تنتشر بين فئة الشباب.
المخدرات الديجيتال أحدث طرق الإدمان
ومن جانب آخر حذر الدكتور «مختار» من نوع جديد من المخدرات هو منتشر حاليا فى العالم الأوروبى وبعض الدول العربية وأخذ فى الوصول لمصر يطلق عليه اسم «Digital Drugs» أو المخدرات الرقمية، وهى عبارة عن إشارات تشبه الموسيقى تصل بالفرد إلى نفس حالة الإدمان المعروفة كأنه تعاطى ترامادول أو حشيش أو هيروين، ومن المتوقع سهولة انتشارها، نظرا لأنها ليس بها رائحة ويصعب إمساك شاب بتعاطى هذا النوع من المخدرات لأنها تشبه المزيكا الحديثة، التى ظهرت مؤخرا ولا يوجد رقابة عليها.
التاريخ الأسود للمخدرات حول العالم
اكتشف المخدرات العالم الفيزيائى «هاينريش ويلهلم دوف» عام 1939 لاستخدامها فى التجارب والأبحاث، عن طريق اختلاف ترددات وموجات محددة لعلاج بعض المرضى النفسيين، حيث ينتج عن هذه الموجات السمعية هرمون «الدوبامين»، الذى يساعد على الراحة والاسترخاء وأطلق عليها اسم «الدقات الثناية»، وتم انتشار استخدام هذه الطريقة بشكل موسع عام 1970 خاصة لمن يعانون من بعض الأمراض النفسية والصرع للسيطرة على انفعالاتهم.
كيف تعمل المخدرات الديجيتال؟
وأكد الدكتور «مختار» أن حالا ساء استخدامه، حيث قاموا بعمل فوارق كبيرة بين الموجات الصوتية بين السمعات، وهو ما يخلق مستوى من اللاوعى عند الإنسان ليشعر كأنه تعاطى نوع من المخدرات، يشترط فى متعاطى المخدرات الرقمية الاستماع إلى هذه المقاطع الموسيقية وهو مسترخ ومغمض العينين مع ربط عينيه بقطعة قماش للتأكد من عدم وصول أى إضاءة له، يعمل هذا النوع من المخدرات على المخ والأعصاب مباشرة».
وعن أعراض هذا النوع الحديث قال الدكتور «مختار»: تؤدى المخدرات الرقمية إلى حالة من التغير المزاجى تجعل المتعاطى لا يدرك ماذا يفعل فضلا عن أنه يتخيل أحداثا لم تحدث نهائيا، ولكنها هى من خياله، لها تأثير مثل الحشيش والترامادول والكوكاكين على الأعصاب والمخ، وكل قطعة موسيقية تعطى تأثيرا معينا من أنواع المخدرات الأخرى بالإضافة إلى فقدها للتوازن الخاص بالجسد والتوازن النفسى، وأثناء تعاطى المخدرات الرقمية يحدث ارتفاع فى ضربات القلب مع اضطراب فى أعصاب اليدين والقدمين ومن الممكن أن يصل الأمر إلى توقف فى عضلات المخ، ويؤدى إلى شلل رباعى».
أما عن العوامل والأسباب التى تؤدى إلى الإصابة بالإدمان فيقول الدكتور «أحمد مصطفى»، مدير عام دار الهضبة لعلاج الإدمان: «هناك 3 عوامل رئيسية هى السبب فى الإصابة بمرض الإدمان.
العامل الجسدى: يوجد بالمخ مركز مكافئة يكون على استعداد للإدمان لإفراز مادة الدوبامين، التى تسبب السعادة، ولا نقصد هنا إدمان المخدرات بكل أنواعها ولكن يمكن أن يكون الشخص مدمنا للقهوة أو الشيكولاتة أو الأكل.
العامل النفسى: وهو منقسم إلى شقين الأول أعراض نفسية مثل إصابة الفرد بالاكتئاب والتوتر والقلق وبعد تجربة أى نوع من المخدرات تخلص من الأعراض وأصبح إنسانا طبيعيا فيعتمد عليها، الشق الآخر هو سمات الشخصية النفسية وهى أنواع من الشخصيات ذات سمه معينة يكون من السهل إدمانهم للمخدرات مثل الشخصية المحبة للمكافآت، شخصية محبة للتجارب، والشخصية الاندفاعية.
العامل الاجتماعى: يحيط بالمدمن فى طفولته شخص ما يتناول أى نوع من المخدرات سواء داخل الأسرة أو العائلة أو المنطقة والأصدقاء، وهو ما يشجع الفرد على استكمال مسيرتهم ويقلدهم.
وأكد الدكتور «مصطفى» قائلا: «العلاج يبدأ من إصلاح هذه العوامل الثلاثة، ومن خلال عملى فى مركز لعلاج الإدمان أستطيع القول بأن الأرقام ترتفع يوما بعد يوم ومن خلال تحليل المكالمات، التى نتلقاها من المرضى المدمنين يوميا وجد أن نسبة الفتيات المدمنات تقترب من نسبة إدمان الذكور وتمثل هذه الأرقام مشكلة كبيرة فى المجتمع، لأن الفتاة هى الأم والزوجة، التى نعتمد عليها فى تربية الأجيال».
الفرق بين التعاطى والإدمان
وأشار «مصطفى» إلى أن هناك فرقا بين التعاطى والإدمان، هناك الآلاف يتعاطون أى نوع من المخدرات، ولكنه لا يزال لا يؤثر فى حياتهم بدرجة كبيرة، أما المدمن فهى المرحلة الأخيرة، التى قد تؤدى إلى الوفاة نتيجة تعاطى جرعة زائدة، والأرقام العالمية تشير إلى أن من بين 16 يجربون أنواع المخدرات 4 فقط يستمرون فى تعاطيها وواحد من بينهم يتحول لمدمن حقيقى.