"الشدائد دائماَ تظهر معادن الرجال" جملة عادة ما يرددها المصريين فى احلك الظروف العصيبة التى يمرون بها من أبرز تلك المواقف نصر أكتوبر المجيد الذى جمع المصريين على قلب رجل واحد يشد بعضهم بأزر البعض الأخر للخروج من عنق الزجاجة أو لمحو نكسة 67 المريرة .
ملحمة حرب أكتوبر المجيدة شارك فيها كل طوائف الشعب المصرى بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم وعلى رأس هؤلاء كان المجرمون والخارجون عن القانون الذين اعلنوا توبتهم فى تلك الفترة من خلال توقفهم عن ارتكاب أية جرائم أو مخالفات قانونية .
وفقاَ لسجلات الأمن العام فى فترة الحرب، فإن كل مؤشرات الجريمة تراجعت خلال حرب أكتوبر، حتى كادت تخلو سجلات الجرائم من الجرائم الجنائية، حيث ذكرت السجلات أن محاضر الشرطة لم تسجل خلال الثلاثة أيام الأولى من الحرب سوى الجرائم التي تسميها أجهزة الأمن الجرائم العارضة.
وحسب سجلات الأمن العام، فإن حركة الجريمة قد اتسمت خلال أيام الحرب بسمات جديدة، أبرزها أن الجنايات الكبرى في الفترة التي تبدأ من 6 وحتى يوم 21 أكتوبر قد انخفضت عن مثيلتها في العام السابق من 95 جناية عام 1972 إلى 71 جناية في أيام الحرب وبنسبة كبيرة هي 26%. ، وطبقاَ للتسجيلات فقد تراجعت أرقام جنايات السرقة الكبرى من 11 جناية في الفترة نفسها من العام السابق إلى 7 جنايات وبنسبة 40%.
وسجلت جرائم السرقة الصغيرة انخفاضا يزيد عن 35 % في المدة نفسها، أما فيما يتعلق بجرائم النشل اليومية فقد سجلت انخفاضا يزيد على 45 % عما كانت عليه قبل الحرب، وخلال اليوم الثاني للقتال وهو يوم 7 أكتوبر خلت مدينة القاهرة من جرائم النشل، وبالنسبة لجرائم القتل فقد انخفضت أرقام جرائم القتل والشروع فيه خلال هذه الفترة بنسبة 25% عن معدلها في العام الذي سبق الحرب، وسجلت المحاضر 63 جناية قتل وشروع فيه مقابل 82 جناية في عام 1972، ومن خلال بيانات وزارة الداخلية فإن الجرائم السياسية والجنائية قد اختفت مع الطلقة الأولى لحرب أكتوبر، كما أن الوزارة لم تتلق أية بلاغات أو إخطارات تمثل مصدر قلق.
الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن تراجع معدل الجريمة خلال حرب أكتوبر 1973 يعود لعدة عوامل منها العامل الإجتماعى الذى يرتبط بالظروف النفسية والإجتماعية التى تعود عليها الشعب المصرى حيث تجد الطبيعة المصرية تظهر فيها روح الإيثار والتسامح فى الشدائد والأزمات، ولذلك احصائيات وزارة الداخلية سجلت عدم وجود محاضر لمدة 3 شهور قبل الحرب وبعدها واكتملت المدة حتى نصف نوفمبر .
وأضاف "مهران" فى تصريحات لـ"انفراد" أن ترجع الجريمة فى تلك الفترة يرجع أيضاَ الى الحس الوطنى لدى المواطن بضرورة تجميد الخلافات الشخصية وتغييب المصلحة العامة، ولذلك كانت المجالس العرفية داخل الأحياء والقرى هى التى تقوم بحل النزاعات القائمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تسجل حالة سرقة واحدة رغم أن أصحاب المحلات كانوا يتركون محلاتهم فى العراء دون حراسه فى أوقات الغارات لتكاتف الشعب نتيجة سوء الأوضاع الإجتماعية .
وأشار مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن جُل ميزانية الدولة فى تلك الفترة كانت تذهب للجيش المصرى، ما أدى الى اقتسام لقمة العيش بين المصريين ببعضهم البعض خاصة أهل السويس والإسماعيلية، مؤكداَ أن هذة الأسباب متعلقة بالدفاع عن الأرض والشرف فعندما انتهت الحرب انتهى معها الإيثار والإخاء والتكافل الإجتماعى التى كانت موجودة فى الشدائد .
وأوضح "مهران" أن اللصوص والبلطجية فى تلك الفترة العصيبة كانوا ينضمون للمقاومة بشكل ملحوظ حسب التقارير والإحصائيات الصادره عقب المعركة، وكانوا يشكلون جبهة مقاومة قوية شكلت آلم للعدو لأنهم كانوا يتعاملون معهم بطريقة حرب العصابات التى تشبه حروب الشوارع، ما أدى الى تكبد العدو خسائر فادحة، وردد قائلاَ "للأسف فى الشدائد بنكون ايد واحده وفى الرخاء بناكل بعضنا" .