لم تعرف مصر مجالس تنوب عن الشعب وتشارك الحاكم في حكم البلاد طوال تاريخ مصر الإسلامي وأثناء الحكم العثماني الذي استمر نحو الأربعة قرون، ولكن الأمور تغيرت بعد قدوم الحملة الفرنسية والصدمة الحضارية التي أصابت المصريين وجعلتهم ينظرون إلي الغرب للمحاكاة.
فكانت أول تجربة لقيام حياة نيابية في مصر عام 1829 م في عهد محمد علي باشا، عندما أنشأ مجلساً للمشورة يتكون من كبار التجار والأعيان و العمد و المشايخ و العلماء ، وكانت وظيفته الأساسية إبداء الرأي في المسائل الإدارية العامة دون أن يلتزم محمد علي باشا بتنفيذها ، فكان رأي المجلس إستشاري .
و علي الرغم من وظيفة المجلس الاستشارية ، فإن محمد علي يرجع إليه الفضل في ابتداع هذا المجلس والذي بدأ يتطور في وظائفه و صلاحياته حتي أصبح يضاهي المجالس النيابية في أوروبا . و لكن بعد انقضاء حكم محمد علي بوفاته ، تعطل هذا المجلس، لأن عباس وسعيد لم يكونا متحمسين له كما كان محمد علي .
وجاء عهد الخديوى اسماعيل، و حقق فيه البرلمان المصري طفرة كبيرة بقيام مجلس شوري النواب في ديسمبر من عام 1866 م ، ويتكون من 75 نائب ينتخبهم الشعب من طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعية كل ثلاث سنوات ، وتشير الكثير من الدراسات التاريخية أن إسماعيل كانت لدية رغبة حقيقية في إشراك الشعب ممثلاً في طبقة كبار ملاك الأراضي الزراعية في إبداء الأراء في المسائل التي تتعلق بتسيير شئون الحكومة المصرية.
وكان رأي هذه المجلس إستشارياً أيضاً و ليس إلزامياً، و لكن هذا المجلس واكب ظهور الرأي العام المصري الذي تشكل مع ظهور الصحافة المصرية والحركة التحررية ضد التدخل الأجنبي الذي كان في ازدياد في نهاية حكم الخديوى اسماعيل.
ولعب مجلس شوري النواب دوراً مناهضاً للتدخل الأجنبي في شئون البلاد أثناء أزمة الديون الخارجية، و أصر المجلس علي أحقيته في مناقشة ميزانية الحكومة التي كان يتولاها في ذلك الوقت وزير مالية إنجليزي، و هو الذي جاء ليتولي وزارة مالية مصر نتيجة الضغط علي الخديو من قبل الباب العالي و الدائنين الأجانب.
و بعد خلع الخديوى اسماعيل و نفيه من مصر عام 1879 م، تولي ابنه توفيق الخديوية، واستمر مجلس النواب في عهده يحاول أن ينتزع لنفسه حقوق تشريعية تجعله طرفاً في الموافقة علي أي قوانين أو تشريعات جديدة ، و هي الحقوق التي حصل عليها بالفعل مناصفة مع الخديو ، بالإضافة إلي حق إقرار الضرائب والمسائل المالية بعد مناقشتها والتصويت عليها ، فكان ذلك يبشر بقيام حياة نيابية نشطة في مصر ، ومن ثم قيام نظام ديموقراطي يكون الأول من نوعه في المنطقة .
و لكن القوي الأوروبية التي كانت تريد السيطرة علي مصر للسيطرة علي قناة السويس ، أدركت أن الوقت لا يسير في صالحها ، و إنما في صالح القوي الشعبية الممثلة في مجلس النواب الذي دخل في مواجهة سافرة مع رموز التدخل الأجنبي في مصر، لذلك جاء عام 1882 م و جاء معه الاحتلال البريطاني الذي قضي علي هذا الحلم الوليد و قضي علي أمل مصر في أن تصبح من طليعة الدول التي تقيم نظام ديموقراطي راسخ ، و إذا قدر لمجلس النواب أن يستمر لتغير التاريخ السياسي لمصر حتي وقتنا هذا .
وضع لورد دفرين عام 1883 م القانون الأساسي لتنظيم الشئون الداخلية لمصر تحت سلطة الاحتلال البريطانية، و نص القانون علي إقامة مجلسين استشاريين لا تشريعيين، هما مجلس شوري القوانين و الجمعية العمومية للتداول في الشئون الداخلية لمصر، و كان هذا المجلس بمثابة انتكاسة لتطور الحياة النيابية في مصر عاد بها 20 سنة إلي الوراء.
كان رأي مجلس شوري القوانين استشارياً، ويتكون معظمه من كبار ملاك الأراضي الزراعية الذين تلاقت مصالحهم بشكل ما مع مصالح السلطة البريطانية و التي كانت تكافئهم بالقيام بمشروعات زراعية مستمرة.
و لكن هذا لم يمنع حمي الوطنية من أن تسري في نواب المجلس مع مرور الوقت و ضغط الرأي العام المضاد للاحتلال البريطاني ، وبلغت معارضة المجلس للحكومة ذروتها عام 1909م ، أي بعد 27 سنة من الاحتلال ، في تصدي المجلس لمشروع الحكومة برئاسة بطرس غالي باشا لمد امتياز قناة السويس 40 سنة أخري مقابل الحصول علي 4 ملايين جنيه و نسبة من أرباح شركة قناة السويس ، و كان الحزب الوطني بزعامة محمد فريد يتزعم جبهة الرفض للمشروع ، و نشر في جريدة اللواء الحزبية خبر اعتزام الحكومة القيام بمد الامتياز، مما أهاج الرأي العام المصري ضد الحكومة، و كان هذا هو أحد اسباب اغتيال بطرس غالي باشا علي يد شاب وطني .
و انتهي أمر المشروع بالتصويت عليه في مجلس شوري القوانين ورفضه من غالبية نواب المجلس ما عدا أعضاء الحكومة و النائب مرقص سميكة ، فكان هذا يعد نصراً مؤزراً للمجلس الذي فرض إرادته علي إرادة الحكومة .
ثم جاء دستور 1923م الذي تمخض عنه أول مجلس نيابي حقيقي له سلطة مساءلة الحكومة و سحب الثقة منها ، ولا تستطيع الحكومة أو الملك سن أي قوانين أو تشريعات جديدة قبل عرضها علي المجلس و التصويت عليها إما بالرفض أو القبول.
و لكن هذه المجلس أيضاً لم يكن مثالياً ، فقد حدد من سلطاته حق الملك في إقالة الحكومة وحل المجلس في أي وقت ، وهو ما حدث في معظم الأحيان ، حتي أضحت الحكومة في عصر الملك فاروق أداة طيعة في يد الملك حتي تضمن عدم إقالتها ، كما أن الصراع الحزبي بين حزب الأغلبية وأحزاب الأقلية قد بلغ درجة عالية في المجلس ضاعت معه أصوات المنادين بمصلحة الوطن فوق مصالح الأحزاب والأشخاص .
ونظراً لاكتساب مجلس النواب صلاحيات واسعة بواقع دستور 1923م ، فقد بدأت الانتخابات النيابية تشهد عمليات تزوير لصالح حزب أو ضد حزب بعينه، و أشهرها تزوير انتخابات 1938 م الذي زورها محمد محمود باشا لاسقاط الوفد بناءاً علي رغبة القصر، كما أن القصر والحكومة استغلا الأحكام العرفية و قاموا بفرضها في معظم الأوقات لتكميم الصحافة و إرهاب أحزاب المعارضة في مجلس النواب لمنعها من انتقاد الحكومة.
لم يستطع الملك فؤاد أن يتحمل دستور 1923 م و ما تمخض عنه من حكومة أغلبية وفدية ومجلس نيابي قوي يسيطر عليه الوفد. لذلك عمد إلي إنشاء أحزاب تكون موالية للقصر لتوازن قوة الوفد وحزب الأحرار الدستوريين في الانتخابات و في المجلس، فنشأ حزب الاتحاد الموالي للقصر، و لكنه مني بهزائم متوالية في الانتخابات التي فاز بها الوفد فوزاً ساحقاً.
فلجأ الملك إلي إسماعيل صدقي و قام بتوليته الوزارة، فقام الأخير بإلغاء دستور 1923م وأصدر دستور 1930م الذي أعطي صلاحيات واسعة للملك حتي سمي بدستور الملك في مقابل دستور 1923 م الذي سمي بدستور الشعب، كما قام إسماعيل صدقي بإنشاء حزب جديد موال للقصر هو حزب الشعب، و خاض به الانتخابات التي قاطعتها الأحزاب الأخري ما عدا الأتحاد و الوطني، و فاز حزب صدقي في الاتخابات وشكل الوزارة.
ولكن مظاهرات عارمة تفجرت في الشوارع احتجاجاً علي إلغاء دستور 1923م تصدي لها البوليس السياسي بقسوة شديدة، ولكن لحسن الحظ أن قوة و دكتاتورية إسماعيل صدقي أخافت الملك فؤاد، فقبل استقالته في 21 ديسمبر 1933م، وتعد وزارة صدقي أكثر الوزارات اعتداءا علي الدستور وامتهاناً للحياة النيابية.
ومن بعده جاءت وزارة عبد الفتاح يحيي التي لم تعمر طويلاً، ثم أصر الإنجليز علي تولية توفيق نسيم الوفدي الوزارة لضبط الأمور، فقام بإلغاء دستور صدقي 1930م والعودة إلي دستور 1923م، و جرت الانتخابات و فاز بها الوفد، و تولي مصطفي النحاس الوزارة في مايو 1936م.
ظل دستور 1923م هو الدستور السائد في البلاد حتي قامت الثورة في يوليو 1952م ، وقيام الثورة أنقضت فترة خصبة من الليبرالية المصرية بما لها و ما عليها ، و بدأت فترة جديدة مختلفة عنها في نواح عديدة ، و دخل البرلمان المصري في فترة كمون طوال عهد عبد الناصر.
شكل مجلس الأمة فى 22 من يوليو 1957 من 350 عضوا منتخباً، وقد فض هذا المجلس دور انعقاده العادى الأول فى 10 فبراير سنة 1958، نظرا لقيام الوحدة بين مصر وسوريا وإلغاء دستور 1956، وصدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة فى مارس سنة 1958، شكل على أساسه مجلس أمة مشترك من المعينين ( 400 عضو من مصر ـ 200 عضو من سوريا) وفى مارس 1964 صدر دستور مؤقت آخر فى مصر، تم على أساسه إنشاء مجلس الأمة من 350 عضوا منتخبا، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، انعكاسا لصدور قوانين يوليو 1961 الاشتراكية، إضافة إلى عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية.
واستمر هذا المجلس من 26 مارس1964 إلى 12 نوفمبر سنة 1968، وأجريت انتخابات المجلس الجديد فى 20 من يناير 1969 والذى ظل قائما بدوره حتى 30 من أغسطس 1971.
مجلس الشعب
مع تولى الرئيس محمد أنور السادات الحكم دعا مجلس الأمة فى ٢٠ مايو ١٩٧١ لإعداد الدستور الدائم وعرضه على الشعب فى الاستفتاء، وفى ظله جرت انتخابات مجلس الشعب الذى عقد أولى جلساته فى ١١ نوفمبر ١٩٧١ وهو أول مجلس يستكمل مدته الدستورية وهى خمس سنوات كاملة.
مجلس الشورى
تم إنشاء مجلس الشورى، فى عام 1980، بهدف توسيع دائرة المشاركة السياسية والديمقراطية، غير أنه تمت العودة إلى نظام الانتخاب الفردى، وقسمت الجمهورية إلى 222 دائرة انتخابية، ومعه عادت فكرة وجود مجلسين تشريعيين فى الحياة النيابية المصرية.
عقب ثورة 25 يناير جرى تعديل قانون انتخاب مجلس الشعب والشورى رقم 38 لسنة 1972 ليصبح انتخاب ثلثى أعضاء مجلس الشعب بنظام القوائم الحزبية المغلقة والثلث الآخر بالنظام الفردى، كما أصبح عدد أعضاء المجلس وفقا لتلك التعديلات 498 عضوا يختارون بطريق الانتخاب المباشر السرى العام على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، فضلا على 10 نواب على الكثر يجوز لرئيس الجمهورية تعيينهم.
بناء على التعديلات الدستورية التى أعقبت أحداث 30 يونيو ألغى مجلس الشورى، وعادت أمور التشريع لغرفة واحدة منتخبة تحت اسم مجلس النواب، ويُشكل مجلس نواب من 600 عضو، ينتخبون بالاقتراع العام السرى المباشر، ويجوز لرئيس الجمهورية تعيين ما لا يزيد على (5%) من أعضائه. وينتخب 20% منه بنظام القائمة المغلقة تقسم فيها الجمهورية لأربعة قوائم فقط، و80% بنظام الفردى.