الكون من حولنا ملىء بالألغاز والأسرار، وفى كل لحظة يكتشف الإنسان العديد من الغرائب فى تفصيلاته ودقائقه، وكثير من التفسيرات فاجأت العلماء والباحثين من بينها ذلك التأثير العجيب والعميق للألوان فى حياتنا، فالحقيقة العلمية كشفت عن الألوان ليست فقط مجرد اختيارات مفضلة فى الملابس والهدايا وألوان الطلاء، ولكنها تلعب أدوارا أكثر عمقا ودلالة خصوصا فيما يتعلق بالحالة النفسية والمزاجية والصحية، واستخدام طاقاتها وذبذباتها فى العلاج والاستشفاء والتأثير على المرضى الذين يعانون من مشكلات صحية وعضوية. فى الحقيقة الأمر يتخطى ربط اللون بتفسير الحالة النفسية ويتعداه إلى تأثير فى الأعضاء والقدرات الذهنية والتعبيرية والسلوكية بطرق علمية مدروسة يستخدمها المتخصصون، ويستعين بها المهتمون بالدعاية والتسويق فى الشركات والمصانع للتأثير معنويا فى الجمهور وإقناعهم بالسلعة أو الخدمة.
هنا من خلال سطور انفراد تتعرف على أسرار وتفاصيل مثيرة للألوان وخبايا تأثيراتها على الحالة النفسية والصحية وطاقاتنا البشرية.
علاقة الألوان بنفسيات البشر
تتحدث الدكتورة جورجيت سافيدس، استشارى العلاج النفسى عن استخدام الألوان فى العلاج النفسى بطريقة معينة للاستدلال على حالة المريض، إذ إن اختيارات المريض لألوان بعينها فى الرسم والتلوين لها مغزى نفسى معين وإشارة محددة لطبيعة المشاعر والأحاسيس فى تلك اللحظة، فمثلا اختيار اللون الأسود والألوان القاتمة يدل على الحزن، ويشير اللون الأصفر إلى التوتر، والأبيض إلى الصفاء والسلام النفسى، بينما يفسر اختيار الأزرق والوردى بسيادة حالة من الراحة والاسترخاء فى تلك اللحظة.
وتذكر الدكتورة أمل عطوة، استشارى الطب النفسى أن تفضيلات الألوان تعطى انطباعا عن الطبيعة النفسية للإنسان، فالناس ذوى الطبيعة الاستعراضية يميلون لارتداء الألوان المشرقة والصارخة أحيانا، بينما الناس ذوى الطبيعة الانعزالية يميلون للألوان الهادئة وغير الملفتة للنظر.
علاقة الألوان الصارخة بنوبات الهوس
تضيف الدكتورة أمل عطوة بأن الألوان تعبر عن الحالات المزاجية فارتداء لون زاهى ومشرق فى مناسبة مهمة تعبر عن اعتزاز الشخص بهذه المناسبة، بينما تفضيل اللون الأسود بشكل دائم يعطى انطباعا عن إحباط وحالة اكتئابية، مع الأخذ فى الاعتبار أن البعض يحب ارتداء اللون الأسود كثيرا بهدف الظهور بمظهر أنحف، وإخفاء عيوب الحجم وشكل الجسم، فى المقابل نجد أن ميل الشخص الطبيعى بشكل مفاجئ للألوان الصارخة قد يشير إلى نوبات هوس محتملة.
هل يمكن تقييم حالة المريض من ألوان ملابسه؟!
وتحكى الدكتورة جورجيت سافيدس ملاحظاتها فى رحلة علاج المرضى النفسيين فى المستشفيات قائلة: (لاحظت أن مريض الاضطراب النفسى ذو القطبين يميل إلى خلط ألوان ساطعة كثيرة وغير متناسقة مع بعضها فى ملابسه للفت الانتباه، وفى أحد أنواع اضطرابات الشخصية الذى يصيب السيدات أكثر من الرجال ألاحظ أن السيدة تتعمد ارتداء ألوان صارخة جدا فى كل تفاصيلها بدءا من الملابس وحتى الحذاء والحقيبة والإكسسوارات وطلاء الأظافر "المونيكير" بحيث يبدو الشكل العام لائقا بتوحيد اللون بدرجاته فى كافة التفصيلات حتى الدقيقة منها بشكل مبالغ فيه!).
التأثيرات النفسية للألوان
تقول الدكتورة أمل عطوة: (بعض الناس لاتدرك أهمية الألوان وتأثيرها على الحالة النفسية للإنسان، رغم أنها واحدة من وسائل التواصل القوية، وربما كانت أول إشارة للأثر النفسى للألوان فى قول الله تعالى فى سورة البقرة: (إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)، وفى الحقيقة اللون الأصفر فعلا يوحى بالبهجة والتفاؤل؛ لذا يسمى خبراء التسويق اللون الأصفر بلون السعادة، لهذا السبب يتعمد المنتجون لسلعة معينة تبعث على السعادة استخدام اللون الأصفر لدعم التأثير المستهدف).
وعقبت بأن ارتداء ملابس بلون معين يعطى انطباعا خاصا لدى الغير، مثل تفضيل المديرين التنفيذيين لارتداء اللون الأسود الذى يعطى إيحاء بالقوة والثقة، بينما يوحى ارتداء اللون الأبيض بالنقاء والبراءة، ولهذا يكون هو السائد فى فساتين العرائس، فى حين ارتداء اللون الوردى يعطى انطباعا بالرقة والرومانسية، أما اللون البنفسجى الفاتح (الموف) فيوحى بالغنى والغموض.
سر اختيار اللون الأزرق فى "فيس بوك"
تشير الدكتورة أمل عطوة إلى أن تصميم موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" باللون الأزرق هو أمر متعمد بسبب تأثيره النفسى المرتبط بمشاعر الثقة والإخلاص والولاء؛ وبالتالى رفع معدلات استخدامه وتحقيق أعلى الأرباح؛ لذا تجد رواده يشعرون بالولاء لأصدقائهم المتواصلين معهم من خلاله أكثر من أصدقاء آخرين فى مواقف أخرى فى الحياة؛ لذا ينصح الخبراء دوما بإرتداء اللون الأزرق أثناء مقابلات العمل الأولى.
وذكرت بأن اللون الأزرق هو أكثر الألوان قبولا حول العالم، فهو لون السماء والبحر وأكثر لون يبعث على الراحة والاسترخاء، ولهذا يوصى به فى طلاء غرف الأطفال أو غرف الانتظار والأماكن العلاجية فى المستشفيات.
ويؤكد الدكتور محمد وهدان، مدرب تنمية بشرية، ورئيس مجلس إدارة أكاديمية طاقة الحياة LEA على وجود تأثير علمى وطبى للون الأزرق على الغدة الصنوبرية، فهو يعمل على تنشيطها وبالتالى يرفع من معدلات إفراز هرمون الدوبامين، الذى يفرز بعد الساعة الثامنة مساء، تحديدا مع إغلاق العين، وهو المسئول عن الشعور بالاسترخاء والهدوء؛ لذا ينصح المتخصصون الأشخاص الذين يعانون من عشوائية فى الأفكار وضعف انتباه والتركيز بارتداء اللون الأزرق، وتعريضه للذبذبات الزرقاء.
وتضيف بأن تأثير الألوان يختلف من شخص لآخر، فليس حتميا أن لون معين يؤدى إلى مشاعر معينة، بمعنى أن تجارب الإنسان فى الحياة قد تؤدى إلى ارتباط لون معه بمشاعر إحباط أو حزن أو العكس، كما أن هناك ألوان دافئة مثل الأحمر، الأصفر والبرتقالى وترتبط غالبا بمشاعر الحب والراحة والشغف ولكنها أحيانا تؤدى إلى العصبية وسهولة الاستثارة.
لماذا تطلى المطاعم باللون الأحمر؟
لفتت الدكتورة أمل عطوة إلى أن الاستخدام الصحيح للألوان يساعد فى أغراض كثيرة، فمثلا أكثر لون تميزه عين الإنسان هو الأحمر، لأنه أطول الموجات الضوئية؛ لذا يستخدم فى الإشارة الأهم فى المرور "إشارة التوقف"، فاللون الأحمر يتدفق بالحيوية مثل لون دم الإنسان، ويفتح الشهية لهذا يستخدمه منتجو الشيكولاتة بكثرة، ونجد أغلب المطاعم تستخدمه فى الطلاء لفتح شهية الزبائن للطعام ورفع معدلات استهلاكهم للأكل، لكن فى نفس الوقت لايمكن طلاء غرفة انتظار، أو غرف المستشفيات بدرجات الأحمر لأنها ترفع درجات التوتر والقلق، كذلك يلجأ أصحاب المحال التجارية إلى مزج الألوان حتى لايصاب المشترى بالملل ويغادر المحل سريعا.
وتضيف أن الألوان التى تؤدى إلى الإحساس بالبرودة مثل الأزرق الفاتح والأخضر الفاتح يفضل الطلاء بها فى البلاد ذات الجو الحار، على عكس الغرف التى تطلى بدرجات البرتقالى والبيج فتعطى الإحساس بالدفء؛ لذا يستخدمها أصحاب الأعمال فى البلاد الباردة لتقليل استهلاك الطاقة فى التدفئة.
الإضاءة البيضاء تسبب التوتر النفسى!
تؤكد الدكتورة جورجيت سافيدس على أن التعرض للإضاءة البيضاء التى يستخدمها أطباء الأسنان وتلك الموجودة فى الشركات والمؤسسات على فترات طويلة ترهق العين وتسبب التوتر وترفع معدلات الحرق لدى الموظفين العاملين بالمكان، لذا يفضل استخدام اللون الأصفر الشبيه بإضاءة الشمس warm whit وذلك لأن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أفضليته على الإضاءة البيضاء على المدى الطويل خصوصا فى العلاج وتحقيق حالات الهدوء والاسترخاء؛ لينعكس ذلك على الأداء والسلوك الإنسانى بشكل أفضل.
مستشفى 57357 نموذج نفسى مثالى
أشارت الدكتورة جورجيت سافيدس إلى أن مستشفى علاج سرطان الأطفال 57357 يعتبر نموذجا مثاليا لتطبيق القواعد النفسية النموذجية فى التصميم والديكورات واختيار الألوان للأطفال المرضى، فنجد المزج بين ألوان الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق الذى يساعد الطفل الاندماج وتحسين حالته الصحية والنفسية ورفع قدرته على التحمل ومقاومة المرض بسبب جو البهجة المشاع فى المكان، علاوة على مراعاة تصميم المستشفى بشكل يربطها بالطبيعة والمساحات الكبيرة والأماكن المفتوحة والنوافذ الزجاجية الكبيرة التى تنفذ ضوء الشمس؛ فتعمل على تحسين الحالة النفسية والمزاجية والذهنية ومعدلات التركيز والذاكرة بعكس الأماكن الضيقة المغلقة، التى لا يدخلها نور الشمس ولا تطل على مساحات خضراء من حولها.
فى الطب الهندى ألوان الطبيعة موجودة فى جسم الإنسان!!
يقول الدكتور محمد وهدان: (ألوان قوس قزح سبعة ألوان أساسية تبدأ بالأحمر ثم البرتقالى ثم الأصفر ثم الأخضر ثم الأزرق الفاتح ثم الأزرق ثم البنفسجى، وفى الطب الهندى ألوان الطبيعة موجودة داخل جسم الإنسان مقسمة إلى قسمين: الألوان الحرة وتشمل ألوان الطعام "الأحمر، البرتقالى، الأصفر"، ويسمون الأحمر بمركز البقاء أو الثبات؛ لذا عندما يصاب الإنسان بالأنيميا أو فقر الدم يوجهونه لتناول الأطعمة الحمراء مثل الطماطم واللحوم الحمراء والعسل الأسود... الخ، التى تساعد على علاج فقر الدم، بينما يعتبرون اللون البرتقالى مرادفا للنشاط والحيوية؛ لذا ينصحون مرضى الإكتئاب والأشخاص الذين يعانون من الخمول والكسل بتناول الأطعمة البرتقالية، التى تحتوى على البيتا كاروتين لبعث الحيوية والنشاط وإيقاظ الهمة وتحسين الحالة النفسية، أما الأصفر فهو لون الذكاء واليقظة الذهنية؛ لذا تجد الأطباء النفسيين ينصحون المرضى الذين يعانون ضعف الذاكرة والنسيان بتدوين ملحوظاتهم وكتابة المهام فى نوتة صفراء اللون؛ ليتذكرها بشكل أفضل!).
الأخضر لون الاتزان النفسى والصحى
يضيف الدكتور محمد وهدان أن اللون الأخضر هو لون الاتزان ويرتبط بالجهاز الدورى والمناعة فى جسم الإنسان؛ لذا نجد الأطباء ينصحون مرضى القلب بالجلوس فى أماكن خضراء مفتوحة ليؤثر فى جهاز المناعة بشكل إيجابى، وينشط مركز الطاقة فى القلب!
ويوضح بأن اختلاف درجات الألوان له أيضا تأثيرات صحية ونفسية مهمة، فمثلا اللون الأخضر المزرق أو الفيروزى له علاقة بالإبداع والقدرة على الكلام والتعبير الجيد، وتفريخ الشحنات النفسية بطريقة لبقة وسليمة، لذا يربط المتخصصون فى علم الطاقة استخدامه بمنطقة الحلق، وينصح الأشخاص الذين يعانون من مشكلات فى التعبير اللفظى عن أنفسهم أو أفكارهم بارتداء هذا اللون خصوصا فى المنطقة القريبة والمحيطة بالحلق عن طريق ربط منديل أو شال بهذا اللون، أو الجلوس فى مكان يسوده هذا اللون حتى يستطيع الكلام والتعبير بشكل أفضل عن مكنونات نفسه ومواهبه وإبداعاته، فكلما صعدنا إلى دوائر الطاقة العليا فى الإنسان تقدم النصيحة بارتداء اللون، أما فى الدوائر الدنيا يُنصح بتناول الطعام بلون محدد وفقا لطبيعة الشخص ونوع المشكلة التى يعانيها.
ولفت إلى أن هذا السر الكامن فى طاقة اللون الفيروزى والأزرق الفاتح يجعله لونا مناسبا للغاية لدهان المستشفيات والعيادات النفسية وقاعات تدريب التنمية البشرية لأنه محفز على التعبير، ومنشط للحالة الذهنية والنفسية.
البنفسجى مركز تجميع الطاقة
يقول الدكتور محمد وهدان: (اللون البنفسجى هو أقوى الألوان ومركز تجميع الطاقة؛ لذا يستخدمون ذبذباته فى تطهير الأماكن وغرف الجراحات فى قتل الجراثيم والتعقيم باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، علاوة على تأثيره فى تنشيط إفراز هرمون السيروتونين من الغدة النخامية، وهو الهرمون المسئول عن الشعور بالسعادة والبهجة).