أكتب هذه السطور بعد عودتى من باريس، حيث كنت مرافقا للجنة مصرية رفيعة التشكيل، تجوب مطارات العالم الآن كى تتعاقد على أكبر وأحدث نظام أمنى للمطارات المصرية، والتعاقد مع كبرى الشركات العالمية فى هذا المجال، وبتكليف من الرئيس وبسرعة وإنجاز محدد، تشعر عندما تجلس مع هؤلاء أن هناك سيفا على رقابهم متمثل فى صالح البلد وأمن المواطن المصرى والتزامهم أمام القيادة السياسية.
فى فرنسا طُلب منهم الذهاب إلى مطار شارل ديجول فى باريس، والدخول فى صالة تفتيش الأمتعة ومراقبة «وأعنى الكلمة - مراقبة» الحالة الأمنية فى المطار فى عملية تفتيش الشنط ودراسة النواحى الفنية للماكينات الحديثة المتخصصة فى التفتيش، وكانت سعادتى بالغة عندما سمعت من موظفى شارل ديجول إعجابهم بالفنيين المصريين وإمكانياتهم وقدرتهم على النقاش التقنى، واطلاعهم على أحدث الأجهزة فى العالم.
أيضا كان لى الشرف أن أكون حاضرا مع العظيم سيادة اللواء العصار فى موسكو فى سفارتنا هناك، بدعوة من السفير النشيط محمد البدرى، كنت حاضرا لقاء مع الجانب الروسى نشرح فيه الموقف، ونحاول أن نعيد الطيران الروسى إلى المطارات المصرية بعد حادث الطائرة الروسية، وقد حمل السفير المصرى محمد البدرى على كتفيه هذه المهمة، هو وكثير من الجهات العاملة فى الدولة حتى هذه اللحظة، وأصبحت هذه القضية الشغل الشاغل والهم الذى يقع على عاتق المسؤولين عنها.
والمشهد الأخير هو مشهد أحد كبار رجال الأعمال العاملين فى مجال السياحة، وقد جلسنا معا فى فندق بشرم الشيخ، وهو واحد من أروع الفنادق فى الشرق الأوسط، وتكلف الملايين لإنشائه، إلا أنه للأسف كان خاليا بعد أزمة الطائرة الروسية مباشرة، وكانت المحلات التجاربة حوله تستوقفنا، وتشكو من عدم وجود دخل على الإطلاق، وكان يحاول هو أن يهون عليهم ويمنحهم مددا إضافية، كى يسهل عليهم أن يدفعوا التزاماتهم، وهو بداخله يبكى على هذا الحال.
كل هذه المشاهد كانت كفيلة تماما أن تجعلنى وتجعل أى وطنى يشعر أننا أمام تحدٍ حقيقى يواجه الوطن بأكمله، فأمن المطارات المصرية أصبح تحت مجهر العالم وهذا حقهم، كما هو حقنا أيضا، وسبق للجان مصرية تفتيش عدد من المطارات الأوروبية، ومنها مطار هيثرو فى لندن.
فوجب علينا أن تكون روح الوطنية هى الباعث على الالتزام والدقة فى كل مطاراتنا المصرية، ليس فقط احتراما لقواعد منظمات الطيران الدولية، ولكن الأهم هو الحفاظ على بلادنا، فبسبب يقظة رجال الشرطة فى مطاراتنا تم ضبط العديد من القضايا التى لو لم يتم ضبطها كان من الممكن أن أكون أنا أو أنت أو ابنى أو ابنك ضحية لها، كان أمن الموانئ يسابق الزمن بين دقة التدريب والرقابة المستمرة، ورفع تمام الأمور إلى وزير الداخلية، وبالتالى الوزير يتعهد بسلامة الأمر أمام القيادة السياسية، ويقوم الرئيس فى كل جولاته بدعوة وفود لزيارة المطارات المصرية، منظومة كبيرة وشاقة، وبها الكثير من نكران الذات، والعمل فى صمت من رجال وسيدات هم بالفعل أبطال هذا الوطن، ليسوا أبطالا على شاشات التليفزيون أتت بهم الصدف السياسية فى مناصب، ولا نعلم بعد الجامعة إلى أى معهد علم ذهبوا، وإنما أبطال بأعمالهم ونكرانهم لذاتهم فى خدمة هذا الوطن.
إن طريقة التفتيش فى مطارات العالم جميعها تقتضى خلع الحذاء ووضعه فى ماكينة الـ«إكس راى»، وهذا أمر ليس على سبيل الاختيار، فيحق لأى دولة منع أى راكب من السفر إذا لم يمتثل لهذه الإجراءات، ويطلب أيضا وضع جهاز الكمبيوتر والآى باد خارج شنطة السفر المحمولة على الطائرة، ومنع صعود المواد السائلة زيادة على مائة مللى متر، وهذه الأمور معروفة للمسافرين بشكل دائم، وتمر فى دقائق دون أى لبط أو محاولة لفرد العضلات.
لكن حقيقة الأمر أن البعض فى مصر من الذين لم يأخذوا أى منصب بعد 30 يونيو يعتقد أنه بطل قومى، ويجب عمل تمثال له فى الشارع، وأنه يجب عندما يتخذ قرار استراتيجى فى البلد لازم نرجع له، لأنه بطل الأبطال، وكان لازم أقل حاجة بعد نجاح الثورة يبقى وزير أو عضو مجلس نواب بالتعيين أو حتى رئيسة المجلس القومى للمرأة، لكن الرئيس السيسى فيه ميزة، وأرجو أنكم تلاحظوها: إنه رئيس ما بيختارش من التليفزيون، هو فهم الموضوع بدرى، فليس بالضرورة أن كل المشاهير يكونوا الأكثر كفاءة أو أن أصحاب الصوت العالى هم الذين يتم الاستعانة بهم.
الرئيس ينظر إلى مصر الحقيقية وليس مصر التليفزيونية كى يختار، وهذا الأمر أغضب كثيرين الذين اعتقدوا حتمية أن يكون لهم من الحب جانب، فولد ذلك حالة نفسية من الأنا العليا عند البعض الذين يعتقدون أنهم مفجروا الثورة «وفى واحد بس هو اللى بيعتقد إنه قائدها - والله وحشنى كان بيضحكنى»، هذه الأنا تتضخم عندما يذهب البسطاء من أهالينا أو محبو الشهرة للتصوير مع هؤلاء الأشخاص، فالشارع المصرى يحب المشاهير التليفزيونيين، فبذهابه للسلام والتصوير مع هؤلاء خيل لبعضهم أنه بطل الشارع، ومن هنا لابد أن يحدث له الاستثناء، أنه مش لازم أطلع رخصة العربية فى أى لجنة، أو مش لازم أخلع الجزمة فى المطار، يا أخى طظ فى جنابك مهما كنت، إن لم تمتثل لقرارات الدولة المصرية.
كلى ثقة فى وزير الداخلية ورجال أمن المطار أنهم سيقومون بمنع سفر أى راكب أيا كان حال عدم التزامه بإجراءات التفتيش والأمن، لقد حكم هؤلاء على أنفسهم بالمنع من السفر نهائيا، لحين الوقوف أمام رجل الشرطة الذى يمثل الدولة، وخلع الحذاء مثلهم مثل غيرهم، حتى وإن كنسوا المطار ليل نهار.
كفانا تفاهة وصخبا، وخلونا نفكر فى العمل الجاد لصالح مصر.
وتحية لكل هؤلاء الذين لا نعرفهم، ويعملون فى صمت، ونكران ذات لصالح أمن وأمان هذا البلد.