تواصل فرنسا انحيازها إلى خيار التشدد وتعزيز الإجراءات الأمنية يوما تلو الآخر، على حساب ملف الحريات وحقوق الإنسان، بعدما شهدت عدة هجمات إرهابية على مدار الأشهر الأخيرة، والتى كان آخرها حادث الدهس فى مدينة "نيس"، والذى أسفر عن مقتل ما يقرب من 90 شخصا وإصابة 100 آخرين.
وفى تصعيد جديد ضد الأقلية المسلمة داخل فرنسا، أصدر عمدة بلدية "لانى سور مارن"، اليوم السبت قرارا بمنع أداء الصلاة وكل الطقوس الإسلامية فى شوارع المدينة، مطالبا الحكومة الفرنسية بدعم قراره وتعميمه فى جميع أنحاء البلاد، للحد من التطرف والإرهاب، على حد وصفه.
وبحسب ما ذكرته الإذاعة الفرنسية "أوروبا 1"، فقال بيان عن إدارة حكم المدينة: "المساجد تمثل منزلا ووكرا تولد فيه الأيدولوجية الراديكالية، كما أن هذا السبب هو ما دفع إلى غلق المسجد الوحيد بالمدينة، إضافة إلى اعتقال اثنين من الأئمة القائمين عليها ووضعهما فى السجن بتهمة التطرف، والتحريض على العنف".
وطالب العمدة الفرنسى الحكومة بتفعيل قراره بمنع الصلاة فى الشوارع ودعمه، لأن المسلمين فى بلديته أصبحوا يتجمعون بالقرب من المسجد المغلق لإقامة صلاواتهم على الطريق، مما أثار غضبه وغضب الكثير من سكان المدينة، على حد قوله.
وفى شمال فرنسا، أرغمت الشرطة لاجئين ومهاجرين على خلع أحذيتهم والسير حفاة، وذلك لمنعم من مغادرة معسكر ميناء "كاليه" المعروف بـ"مخيم الأدغال"، بحسب ما نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية فى تقرير لها يوم السبت، مشيرة إلى أن هناك العديد من التقارير التى تشير إلى تعرض اللاجئين فى هذا المخيم إلى التهديد باستخدام القوة حال عدم امتثالهم للأوامر، بجانب مصادرة هواتفهم المحمولة.
وذكرت "الإندبندنت" أن هناك تصعيدا لأعمال العنف والترويع بحق اللاجئين، وأن هناك اتهامات طالت بالفعل مسئولين محليين عن المخيم الفرنسى. ونقلت الصحيفة عن نائب حزب العمال البريطانى بالاتحاد الأوروبى، كلود مورايس، والذى يرأس لجنة الحريات المدنية، إدانته لما أسماه بـ"التجاوزات المثيرة للقلق" فى المخيم الفرنسى، فيما طالب محام بريطانى بفتح تحقيق رسمى فى انتهاكات حقوق الإنسان من جانب قوات الشرطة الفرنسية، بحسب "الإندبندنت".
وعبر المراقبون عن مخاوفهم من زيادة ممارسات العنف من قبل الشرطة الفرنسية، خاصة دخول فصل الشتاء واقتراب تفكيك مخيم الأدغال بعد صدور قرار بإغلاقه لنقل آلاف اللاجئين لمراكز استقبال أخرى، والذى سيبدأ فى غضون أسبوعين، بحسب الصحيفة البريطانية.
وكان مئات الفرنسيين قد تظاهروا نهاية الأسبوع الماضى فى مناطق فرنسية عدة رفضا لمراكز استقبال للمهاجرين تعتزم الحكومة إقامتها، بجانب مطالبتهم بإزالة مخيم اللاجئين فى كاليه بشمال البلاد، كما يطالب الكثير من مواطنى فرنسا بضرورة إجلاء المهاجرين من البلاد ككل، وأنه لا مكان لهم على أراضيهم.
من جهة أخرى، تتواصل فى مختلف المدن والبلدان الفرنسية قرارات حظر "البوركينى"، والذى تحول إلى مادة دسمة للمرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المرتقبة فى فرنسا.. حيث تعهد المرشح المحتمل نيكولا ساركوزى، رئيس فرنسا السابق، الرموز والشعارات الإسلامية، قائلاً: "العبادة والعقيدة محلها القلب"، مشيراً إلى اعتزامه منع الحجاب والنقاب وكذلك الصليب والقبعة اليهودية، وغيرها من المظاهر الدينية فى الأماكن العامة، وفرض غرامات وعقوبات قانونية على المخالفين.
فى السياق نفسه، أعلنت زعيمة اليمين المتطرف فى فرنسا مارين لو بان رغبتها عدم إظهار ما يدل على الديانات، وتضامنت مع عمد المناطق الفرنسية التى حظرت ارتداء المايوه الشرعى البوركينى على شواطئها، وقالت على حسابها الخاص بموقع التواصل الاجتماعى "بلوج": "حياة فرنسا تكمن فى هذه المسألة، وإن تحريم البوركينى أمر ضرورى للغاية كما يجب على كل مدن وأقاليم فرنسا حظره فهو من شأنه المحافظة على الهوية الفرنسية وعلمانية الجمهورية والنظام العام".