على مدار الأيام القليلة الماضية، ومع قوة التوقعات بـ"تعويم الجنيه"، اشتعلت المضاربات على الدولار بشكل ملحوظ، ليقارب الـ 16 جنيهًا، للمرة الأولى فى تاريخ سوق الصرف المصرية، وذلك فى السوق السوداء ذات أحجام التعامل التى تقترب من 50 مليار دولار سنويًا، ويلجأ إليها المستوردون لتلبية احتياجاتهم من العملة الصعبة لدعم توقف أعمالهم.
ويعد السعر العادل للجنيه أمام الدولار بين 11.80 و12 جنيهًا للدولار، وفقًا لقياسات السوق ودراسات مراكز أبحاث بنوك الاستثمار الكبرى، فى حين يعد الفارق بين السعر الحالى فى السوق السوداء والذى يصل إلى نحو 15.5 جنيه للدولار، بفارق 3.5 جنيه عن السعر العادل، نتيجة للمضاربات على العملة الصعبة بأرقام كبيرة تؤثر على السوق، إلى جانب تأثيرها السلبى على الأسعار بزيادات كبيرة متوقعة.
وهناك نوعين من المضاربين على العملة، أحدهما يبحث عن ملاذ استثمارى آمن لأمواله بالجنيه المصرى لزيادة أحجامها ولتتضخم ثروته، فيشترى الدولار كنوع من الاستثمار الآمن فى أوقات تراجع العملة المحلية، والنوع الآخر يرى فى الدولار الأمريكى نوع من الحماية من تآكل القوة الشرائية للجنيه فى ظل التراجع فى السوق الموازية والتى زادت وتيرته على مدار الأسبوعين الماضيين.
وتوجد فى سوق صرف الدولار فى السوق السوداء 3 من الأسماء كبيرة الحجم فى مجتمع الأعمال المصرى، هم المسؤولون عن المضاربات العنيفة التى تحدث حاليًا، وأحد رجال الأعمال ينتمى إلى مجال الصناعات الثقيلة، والثانى ينتمى إلى قطاع تجارة السيارات، أما الثالث، فيعمل فى مجال استيراد أحد أهم السلع الاستراتيجية، وتتعامل تلك الأسماء بأحجام نقد أجنبى تتجاوز الـ4 مليارات دولار مما عمل على اشتعال المضاربات فى السوق السوداء، الأمر الذى دفع سعر العملة الأمريكية إلى الارتفاع إلى نحو 16 جنيه للدولار.
وعندما اتخذ هشام رامز، محافظ البنك المركزى المصرى السابق يوم 4 فبراير 2015، عدة إجراءات فنية لضبط سوق الصرف أهمها وضع حد أقصى للإيداع النقدى "كاش" بالدولار الأمريكى، بحد أقصى 10 آلاف دولار يوميًا من الأفراد والشركات، وإجمالى إيداعات شهرية بحد أقصى 50 ألف دولار "كاش" بالبنوك العاملة بالسوق المصرية، أتاحت القضاء نهائيًا على تعاملات السوق السوداء فى اليوم التالى لتنفيذ هذا القرار.
وجاء قرار طارق عامر محافظ البنك المركزى المصرى، بإلغاء الحدود القصوى المقررة للإيداع والسحب النقدى بالعملات الأجنبية للأفراد والشركات العاملة فى السلع الأساسية مثل الأغذية والأدوية ومستلزمات الإنتاج، وإلغاء قرارات فبراير 2015 المقيدة للإيداع والسحب النقدى للأشخاص الاعتبارية التى تتعامل فى مجال السلع والمنتجات الأساسية، ليعد البداية الحقيقية لتعزيز الأرصدة للقطاع المصرفى وعودة الثقة فى إيداع المدخرات فى الجهاز المصرفى.
وتعد تلك الإجراءات والقرارات تصحيحًا بالفعل لبعض الأوضاع الاقتصادية التى كانت غائبة عن الاقتصاد المصرى والتى تتمثل فى التنسيق بين أطراف العملة الاقتصادية وترشيد الاستيراد الترفى من الخارج، ولكن لابد أن يتبعها رقابة فعالة على الأسواق لوقف تلك المضاربات فى السوق السوداء للدولار، وأيضًا بتنفيذ تغليظ العقوبات الخاصة بالاتجار فى الدولار والتى تصل إلى غرامات باهظة وعقوبات بالسجن تصل إلى 10 سنوات.
وتتمثل مصادر العملة الصعبة ذات الأهمية للبلاد، فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإيرادات قطاع السياحة ورسوم عبور قناة السويس، وتحويلات العاملين المصريين بالخارج، وإيرادات الصادرات، وبعض تلك القطاعات تأثرت بالفعل على مدار السنوات الـ5 الماضية نتيجة الاضطرابات، خاصة قطاعى الاستثمارات والسياحة.
وتعمل البنوك على تنمية مواردها الدولارية الذاتية من عمليات تنازلات العملاء عن العملة والإيداعات فى الأوعية الإدخارية بالعملات الأجنبية الرئيسية، بالإضافة إلى أرصدة البنوك الدولارية الناتجة عن العمليات المصرفية المختلفة، ثم تلجأ لعطاء البنك المركزى المصرى الذى يجرى كل يوم ثلاثاء أسبوعيًا لتدبير حصة محددة هامة لتقليل الفجوة بين الطلب على العملات وحجم المعروض الذى تعمل على تدبيره.