اختتمت ندوة "مصر والقضية الفلسطينية" المنعقدة فى العين السخنة أعمالها، مساء الثلاثاء، وسط حضور فلسطينى ومصرى بارز وخلصت مناقشات المتحاورين إلى التأكيد على أن قضية الإرهاب التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط تمثل رسالة تحذير على اهتمام الدول والحكومات العربية بالقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذى يتطلب ضرورة إعادة النظر فى أولويات الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية فى الوقت الراهن، وطالب المشاركون فى فعاليات الندوة بضرورة وجود إستراتيجية عربية موحدة لإعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية وجعلها فى المقدمة باعتبارها قضية العرب المركزية التى يجب أن يكون لها الأولوية على سائر القضايا الأخرى بما فيها قضية الإرهاب التى تستهدف فى مجملها الأمن القومى العربى وليس فقط القضية الفلسطينية.
وطالب الحضور المصرى والفلسطينى بضرورة أن يكون هناك مسارات للحركة العربية لدعم القضية الفلسطينية ومساندة الأشقاء الفلسطينيين فى عودة الصف الفلسطينى الموحد، ومواجهة التحديات والمخاطر التى تواجهها القضية الفلسطينية فى هذا التوقيت.
ورأى المشاركون أنه من الضرورى فى هذا التوقيت الذى تواجه فيه القضية الفلسطينية مأزقا حقيقا من انسداد الأفق السياسى، ما يتطلب وضع أولويات وطنية حددها الخبراء المصريون على أكثر من مسار لدعم الجانب الفلسطينى فى المرحلة المقبلة.
على جانب آخر حدد المشاركون أسس ومعطيات مستقبل القضية الفلسطينية فى الفترة المقبلة ووضعوا عدة سيناريوهات للحل تبدأ بتشكل معطيات جديدة تحرك المشهد المجمد منذ فترة طويلة نتيجة التشتت والانقسام بين القوى الفلسطينية المختلفة، وتمر بسيناريو التعامل مع المشهد وانتظار تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية على المشهد الفلسطينى المتعثر فى إشارة إلى المبادرة الفرنسية والرؤى الأوروبية والتصور المصرى لتكشف المسار الفلسطينى الإسرائيلى، وانتهاء بسيناريو البدء فى الإصلاح الذاتى واستنهاض المشروع الفلسطينى فى البناء على أسس جديدة تراعى الظروف التى تمر بها القضية الفلسطينية فى هذا الوقت وفى ظل الممارسات التى تقوم بها إسرائيل بالقدس والضفة الغربية.
من ناحية أخرى، طرح المشاركون إستراتيجية وطنية للتوصل لمسار لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، حيث أكدوا على أن تكون البداية فى هذا التوقيت على ضرورة إيجاد آليات وطنية للحل ومنها ضرورة تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية والتعددية السياسية وتطوير مؤسسات العمل داخل المنظمة وتعلية المصالح الوطنية العليا الفلسطينية فى هذا الوقت على اعتبار أن ترك الأوضاع بهذه الصورة سيؤدى إلى تكريس سياسة الأمر الواقع وهو ما يعتبر مصلحة أساسية بالأساس لإسرائيل، وهو ما حذر منه المشاركون وطالبوا بأن يكون هناك مسار جديد للقضية الفلسطينية، فيما طالب الأكاديميون المصريون بالانتباه إلى الخطر الاسرائيلى ومشروعاته الاستراتيجية، الأمر الذى يتطلب سرعة الحركة الفلسطينية بالأساس ودعم المفاوض الفلسطينى ومناشدة القوى الفلسطينية المختلفة باستلهام روح المشروع الوطنى الفلسطينى فى مواجهة تلك المخططات.
وبرز توجه برز فى الندوة لاستكمال مناقشة القضايا الفلسطينية الملحة ووضعها على قائمة الأولويات فى المرحلة المقبلة لتكون محوراً لنقاش مصرى فلسطينى على المستوى الأكاديمى والبحثى، وقد طالب الحضور الفلسطينى باستكمال النقاشات والرؤى الأكاديمية والمتخصصة فى الملف الفلسطينى، باعتبار أن هذا التوجه يخدم المفاوض الفلسطينى ومن أجل ترتيب الأولويات السياسية والإستراتيجية فى الملف الفلسطينى وهو ما يؤكد على تواصل المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط الذى تبنى الحوار الأكاديمى مع القوى الفلسطينية فى قطاع غزة وهو ما سيكون له الأولوية فى المرحلة المقبلة.
ودعا بعض الحضور لتحديد جدول زمنى واضح للانتخابات الفلسطينية محذرا من الفوضى التى يمكن أن تحدث جراء التخبط السياسى، داعيا مصر للدفع نحو تشجيع الأطراف الفلسطينية لتفعيل مؤسسات الدولة عبر تحديد موعد محدد للانتخابات.
بدوره قال الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة: إن سيناريو الانتظار غير مجد والوضع الفلسطينى متأزم جدا، داعيا لضرورة فض الاشتباك بين إسرائيل وقطاع غزة حتى لا تلجأ تل أبيب لاختلاف الذرائع وتقوم بتصعيد يدفع نحو الدمار، محذرا من أصوات إسرائيلية بدأت تتحدث عن فكرة الوطن البديل عبر الكونفيدرالية وأن التوقيت له دلالته وهو ما يشكل خطرا داهما.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة أن الأزمة فى قطاع غزة فى كافة القطاعات وان القضية سياسية فى الأساس، مشيرا إلى أن قضية فتح معبر رفح مرتبطة بضوابط الأمن القومى، محذرا من قيام دول اقليمية منها قطر وتركيا للعبث بقطاع غزة وتوظيف الملف لاعتبارات عديدة، مشددا على أن إسرائيل تسعى لفصل القطاع عن الضفة وأن مصر ستظل داعمة للإخوة الفلسطينيين.
قال المفكر والسياسى الدكتور مصطفى الفقى، إن الكفاح المسلح مهما استمر، فلابد من الجلوس على مائدة المفاوضات، مشيرا إلى أن القضية الفلسطينية فى منعطف صعب للغاية، وأن الربيع العربى لفت الأنظار له على حساب قضية فلسطين.
ودعا "الفقى" للسعى نحو التلاحم بين عناصر حركة فتح وأن حدوث شقاق داخل الحركة فالقضية الفلسطينية ستضيع، مؤكدا أن حركة حماس غير معترف بها دوليا وليس لها دور فى المنطقة، محذرا من الانقسامات داخل حركة فتح الرائدة للقضية الفلسطينية التى حولها الرئيس الراحل ياسر عرفات لرمزا عالميا.
وأشار إلى أن الدول العربية شجعت الإرهاب ومولته وكان الحصاد هو ما يحدث فى سوريا وليبيا والعراق، موضحا أن الصورة الراهنة محبطة ولكن فى ظل الإحباط تظهر نقطة ضوء، وأن اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة بدأ يتراجع فهى تسببت وحلفائها فى بلاء كثير لدول المنطقة، موضحا أن إسرائيل هى المستفيد الوحيد مما يدور فى منطقتنا العربية وأنهم يقفون وراء الرؤية العربية والغربية لتشكيل المنطقة.
بدوره قال مخيمر أبو سعدة أستاذ العلوم السياسية فى جامعة الأزهر بقطاع غزة: إن الوضع الإنسانى فى قطاع غزة صعب وهناك أزمة جراء الحصار الإسرائيلى للقطاع، مؤكدا أن عدم قيام السلطة الفلسطينية بممارسة كامل مهامها بسبب مناكفة فتح وحماس، إضافة لعدم قدرة حركة حماس على مدار 10 سنوات من القيام بمهامها تجاه الفلسطينيين فى غزة، دفع بتأزم الأمور فى القطاع وحدوث مشكلات مزمنة.
ورصد "مخيمر" من خلال الإحصائيات الرسمية النمو السكانى الكبير فى القطاع مع زيادة الفقر المدقع لفئة كبيرة من المواطنين الفلسطينيين، مشيرا لارتفاع معدل الجريمة فى غزة بسبب الأوضاع الحالية ما دفع بالشباب للسرقة بسبب الظروف الاجتماعية.
بدوره أوضح الكاتب والمحلل السياسى الفلسطينى طلال عوكل أن الأوضاع فى غزة تشبه السجن المغلق، مشيرا إلى أن 50 % من غزة يرغبون فى الهجرة و25 % فى الضفة يريد الهجرة وهى واحدة من أسوأ نتائج السياسة الفلسطينية، مشيرا لعدم قيام السلطة الفلسطينية بفعل شىء من أجل تخفيف الحصار عن أبناء قطاع غزة مما يفقد المواطن الفلسطينى الأمل.
من جانبه دعا الكاتب سميح خلف إلى توحيد القوى الوطنية الفلسطينية لان تفككها يسمح لحماس بالهيمنة على قطاع غزة، مؤكدا أن جميع قرارات السلطة الفلسطينية سلبية ضد أبناء القطاع منها عدم توظيفهم منذ عام 2007.
بدوره قال المحلل السياسى الفلسطينى أكرم عطا الله أن حركة حماس أخرجت غزة خارج إطار السلطة الفلسطينية وهو ما صنع مجموعة من المشكلات حول قانونية من يحكم قطاع غزة.
قدم النائب فى المجلس التشريعى الفلسطينى أشرف جمعة، توصيات خرج بها المجتمعون بعد يومين من النقاش والحوار الجاد للندوة التى انعقدت فى العين السخنة يومى الأحد والاثنين بدعوة من المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، وما صحبها من تبادل رؤى وأفكار تركزت على توفير أقصى إمكانات الدعم للموقف الفلسطينى فى ظل تزايد الهجوم الإسرائيلى ومحاولة تبديد ما حقق الشعب الفلسطينى من إنجازات على طريق استقلاله.
وأكد عضو المجلس التشريعى أشرف جمعة، أن النقاشات الجادة خلصت إلى جملة من التوصيات الهامة وهى ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وإتمام المصالحة بين الفلسطينيين وإنهاء الانقسام بما يضمن استكمال مشروع التحرر الوطنى وإقامة الفلسطينيين لدولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، ضرورة توفير الدعم العربى للموقف السياسى الفلسطينى وعدم تركه وحيدا أمام التطرف الإسرائيلى وإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأولويات العربية بعد أن تراجعت اثر الاضطرابات التى حصلت فى الإقليم وتراجع الدعم العربى.
وأشار إلى أن التوصيات تشمل دعم القيادة السياسية للشعب الفلسطينى فى خطواتها الدبلوماسية والدولية وتوفير أقصى الممكنات العربية فى هذا الإطار لضمان حضور فلسطينى فى كل المؤسسات الدولية، ضرورة حل أزمة معبر رفح بما يضمن الحفاظ على ضرورات الأمن القومى المصرى وضرورات الحياة الإنسانية لسكان قطاع غزة، موضحا أن المتحاورين أكدوا على ضرورة التمسك بالشرعية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية رئيسا ولجنة تنفيذية ومجلس وطنى لضمان استمرار الاستقرار الوطنى واستكمال مسيرة عودة الأراضى المحتلة لإقامة الدولة الفلسطينية.
وشدد المتحاورون على ضرورة استمرار الحوار والتعاون بين الشعبين المصرى والفلسطينى وتعزيز أواصر الأخوة المصرية الفلسطينية من خلال استمرار الحوارات عبر مؤتمرات وورش عمل متخصصة بكافة الاهتمامات والتخصصات وتوسيع دائرة المشاركة لتشمل فئات أوسع للشعب الفلسطينى وذلك بأقرب فرصة.
ووجه المتحاورون تحية للرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن والجامعة العربية، مؤكدين على ضرورة بذل أقصى ما يمكن لخدمة القضية الفلسطينية.