مكتب صغير فى مبنى ماسبيرو فى منتصف سبعينات القرن الماضى، مجموعة من الموظفات اجتمعن حول مكتب "الريسة" التى دخلت عليهن صباحاً "ببونيه" غريب الشكل تتدلى منه "القصة"، اقتحمت "نيللى كريم" المشهد متسائلة بدهشة "إيه يا عواطف اللى انتى حاطاه على راسك ده، انتى رايحة تعومى؟".. ردت عليها "عواطف" صاحبة البونيه : "جوزى جابهولى وهو راجع من الخليج وقالى الحجاب سترة"..
مشهد سريع فى مسلسل "حكاية بنت اسمها ذات" ، لخص ببساطة بداية حكاية "البونيه"، الذى دخل مصر متسللاً فى حقائب سفر المصريين العائدين من رحلات الإعارة بالخليج العربى، جنباً إلى جنب مع "المروحة" الشهيرة، ومن على رؤوس الزوجات بدأت خريطة جديدة لمظهر المرأة المصرية التى تخلت عن تسريحات الشعر، واستبدلتها "ببونيه السترة" فى ذلك الوقت، تمهيداً لعقود طويلة من تطور شكل البونيه بين فترة بداية ارتداء الحجاب، وبداية خلعه مؤخراً "بتربون القلع".
"بونيه السترة" فى السبعينات..
بين "بونيه السترة" فى السبعينيات، و"بونيه الخلع" فى الألفية الثالثة يمكن تلخيص رحلة تطور الحجاب فى مصر، ففى المرحلة الأولى التى تصدر فيها البونيه رؤوس سيدات مصر فى نهاية السبعينات، ظهر فى شكله التقليدى كوسيلة تمهيدية لتغطية رأس المرأة المصرية تأثراً بمشايخ الخليج، وهو ما حلله الكاتب المصرى الدكتور "جلال أمين" أستاذ الاقتصاد وصاحب كتاب "ماذا حدث للمصريين؟"، بالقول بأن" ظهور الحجاب فى ذلك الوقت كان ظناً من المصريين العائدين من الخليج بأن التشبه بالتدين الخليجى فى ذلك الوقت كان أسرع طريقة للثراء، وهو ما خلق بيئة مناسبة لانتشار الحجاب، ودفع المرأة المصرية وقتها لابتكار شكل مناسب لارتدائه ".
البونيه فى الثمانينات ..
ظل البونيه الذى اكتسب منذ ظهوره شكلاً مختلطاً بين الحجاب ومحاولات المرأة للتحايل عليه، بشكله التقليدى عبارة عن غطاء رأس من الصوف، له عدة ألوان يغطى الرأس فقط ويترك جزء من مقدمة الشعر مكشوفة، مع الاحتفاظ بحرية ارتداء أى ملابس تحته سواء قصيرة أو طويلة، والتمست السيدات لأنفسهن العذر فى ذلك الوقت بمبدأ "كفاية انى غطيت شعرى"، ثم تطور الأمر فى الثمانينات، لشكل كامل لحجاب الرأس والجسد، فلم يعد التفكير فى المظهر وأناقة الأزياء مطروحاً أمام فتيات الثمانينيات كما كان الأمر فى السبعينيات، واحتفظت المحجبات الأوائل "بالبونيه" رغم تطور المشهد.
البونيه فى التسعينات ..
انحسر الاهتمام بالبونيه مع دخول التسعينات، وانتشار الجماعات الإسلامية فى الجامعات، وهيمنة فكر جماعة الإخوان المسلمين على الشارع المصرى، وهى الحقبة التى شهدت سيطرة النقاب والخمار على حساب البونيه الذى بقى فى هذه الفترة شياكة شاهدة على عصر مضى لا تمارسها سوى المتقدمات فى السن فى عصر "الحجاب بالجملة" أو الحجاب للجميع فى التسعينات.
"تربون الخلع" .. وبداية تراجع الحجاب..
نفس مواصفات "بونيه السترة"، هى تلك التى تجمعت فى "تربون الخلع" الذى انتشر مؤخراً، بعد مرور "البونيه" بمراحل الطرحة الصغيرة على الملابس الضيقة، ثم الطرحة الاسبانيش، ثم عودة البونيه بقوة فى صورة "تربون" أعلن عن فصل النهاية فى حكاية الحجاب كما أعلن من قبل عن فصل البداية.
فبين بداية ظهوره، مروراً بمراحل تطوره، وظهوره على رؤوس السيدات، ثم انحساره فى عصر النقاب، وحتى عودة ظهوره بقوة فى صورة "التربون"، كان البونيه هو الملخص الواضح لحكاية الحجاب فى مصر.