قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، إن الأزهر الشريف هو قلعة الوسطية ومركز الاعتدال فى العالم منذ نشأته عام 972، ويعد مدرسة لنشر علوم أهل السنة ومنبرا للانفتاح على كل المذاهب والطوائف لأكثر من 1050 عاما، وعن دعوات التظاهر فى ذكرى ثورة 25 يناير "أنا ضد أى عمل يؤدى إلى إسالة قطرة واحدة من دم أى مصرى، فإذا كان أى تجمع أو مظاهرة سوف يؤدى إلى مواجهة ثم اقتتال ثم إسالة للدماء، فيجب رفضه ومنعه".
الإمام الأكبر: الأزهر لم يخرج قيادى واحد من قادة الفكر التكفيرى
وأضاف الإمام الأكبر فى كلمة خلال لقاء ثقافى حوارى مفتوح مع كوكبة من المثقفين والإعلاميين الكويتيين فى مكتبة الكويت الوطنية، ونشرتها صحيفة "الشاهد" الكويتية، أن الأزهر جامعة تحتوى على 67 كلية ومدرسة لجميع المراحل الدراسية، وتضم 400 ألف طالب وطالبة منهم ما يقارب من 40 ألف طالب وطالبة وافدين من أكثر من 110 دولة، وعلى مدار 1060 عاما لم يتخرج من الأزهر قائد واحد من قادة الفكر الإرهابى،جميعهم تخرجوا من جامعات أخرى،مضيفا "مناهجنا لا يمكن أن تخرج متطرفا".
أحمد الطيب: الأزهر أحد مداخل العبث بالمنطقة
وقال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب،شيخ الأزهر الشريف،إن الهجوم على الأزهر الشريف يعد ضمن خطة العبث بالمنطقة "لأن الأزهر قوة ناعمة كبيرة جدا للمسلمين وللعالم العربى والإسلامى،وبما أن المطلوب هو العبث بالمنطقة والعبث بمصر فإن الأزهر الشريف هو أحد مداخل العبث بالمنطقة".
الطيب: الأزهر لا يقصى ولا يكفر أحدا
وأوضح "الطيب" أن الأزهر يتبنى منهجا منفتحا وتعدديا، حيث إن لكل طالب حرية اختيار المذهب الذى يريد دراسته سواء المالكى أو الحنبلى أو الشافعى أو الحنفى لتجتمع المذاهب جميعا فى فصل واحد وسكن واحد، الأمر الذى رسخ لدينا التعددية وقبول الاختلاف المقبول بيننا حتى انتقل هذا التعدد معنا حتى دراستنا الجامعية التى ندرس فيها جميع المذاهب.
وتابع: "هذه الروح جعلت الأزهر لا يقصى ولا يكفر ولا يبعد أحدا الأمر الذى ألقى بأثره على مصر كلها إذ تجاوزت المذاهب الأربعة فى الأزهر لتتجاور فى مصر كلها"، لافتا إلى أن الأزهر مصرى جغرافيا ولكن علميا فهو عالمى بلا شك، مضيفا "الثقافة الإسلامية ترسخ الاختلاف المحمود فى إطار الغاية الواحدة".
و قدم الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب، أمس، محاضرة فى مسجد الدولة الكبير فى الكويت عن مواجهة التطرف والعنف، تتناول طبيعة المنهج الأزهرى فى التربية والتعليم وتكوين نفسيات وعقليات طلابه،وصياغتها صياغة وسطية يستحيل استقطابها فى براثن التطرف،مطالبا بأن يكون هناك تعليم مشابه للتعليم الأزهرى حتى نضمن القاعدة العريضة من جيل الشباب فى العالمين العربى والإسلامى،مؤكدا أن التطرف استغل الخلفية الفكرية والثقافية الضعيفة عند الشباب واستطاع أن يغزوها.
وقال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف،إن الإرهاب لم يعد يقتصر على منطقتنا العربية بل تعداها إلى العالم كله،ما يستوجب مواجهته مواجهة شاملة،ليست أمنية فحسب،بل لابد من العمل على حماية الشباب من خطر التطرف،وعلينا أن ننتبه جميعاً إلى أن تنظيم "داعش" الإرهابى تمدد فى السابق فى الشرق الأوسط إلا أنه يطل اليوم برأسه فى أماكن كثيرة،لذلك،لابد أن تكون هناك إرادة عالمية جادة للتصدى لهذا الوباء المدمر،ولابد من المصارحة فى تحليل الأسباب التى أدت إلى ظهور وتمدد التنظيم الإرهابى،فهناك سياسات كبرى مشبوهة تقف وراء التنظيم المتطرف وتدعمه بالقوة وبالمال.
شيخ الأزهر: الأديان السماوية ليست إلا رسالة سلام للبشر
وأكد أن الصراعات فى المنطقة متعددة ولا يمكن حصرها فى سبب واحد،فطابع المصالح الخاصة طغى كثيرا عليها،مبيناً أن الجماعات المسلحة،أيا كان اسمها وأيا كانت اللافتة التى ترفعها،لا تعبر عن روح الإسلام وصحيح الدين،ونظرا لأن منطقتنا العربية تمر الآن ومنذ خمس سنوات بظروف غاية فى الصعوبة وفقدان السلام،لذلك فقد ساهمت فى إنشاء مجلس حكماء المسلمين لنشر السلام فى العالم وذلك إلى جانب دورنا فى الأزهر الشريف فى هذا الشأن.
وأضاف: إن الأديان السماوية ليست إلّا رسالة سلام إلى البشر، وعلينا أن نعلم جميعا أن الإسلام لا يبيح للمسلمين أن يشهروا السلاح،إلا فى حالة واحدة هى دفع العدوان عن النفس والأرض والوطن،والأزهر الشريف بذل ولا يزال يبذل جهوداً كبيرة من أجل نشر السلام والمحبة والصورة الحقيقية لديننا الحنيف.
وأكد حرص منهج الأزهر التعليمى على أن يرسخ فى عقول الطلاب ووُجدانِهم صورةَ الوجهِ الحقيقى للإسلام،كما يُرسِّخُ فى ذهن الطالب الأزهرى،مبدأ الحوار وشرعية الاختلاف.
شيخ الأزهر: مؤامرة من وراء البحار وراء الدِّماء العربيَّة
وأوضح الإمام الأكبر أن هناك مؤامرة من وراء البحار وراء الدِّماء العربيَّة التى تُسفَك ليل نهار بأيد عربية وغير عربية،كما فى سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان،فلماذا ينعم العالَم كله بالأمنِ والسلام والرَّفاهية،ويشقى عالَمُنا العَربى بِحروب طاحنة،وذكر الأسباب التى أدَّت إلى ما نَحْنُ فيه من آفات التكفير والإرهاب والقتل على الطائفة والمذهب،وأولها هو أننا أَغضينا الطرف طويلًا عن نوع من التربية والتعليم لم يضع فى برامجه وحدة الأُمَّة والعرب.
كما أشار شيخ الأزهر إلى ضَرُورَة العودة بالخلافيات الحسَّاسة من شاشات الفضائيات إلى أروقة الدرس ومجالِس العُلَمَاء المتخصِّصة، صيانةً لهذه الخلافيات العِلميَّة الدَّقِيقَة من أنْ تصبح فى مُتناول مَن لا يَملِكون أدوات بحثها، وضرورة تصدِّى العُلَمَاء من جميع المَذاهِب الإسلاميَّة، بفتاوى صَريحة، للعَابثين بتراث الأُمَّة،وأكد على أن سبيلنا الوحيد للخروج من هذه الأزمات المُعاصرة التى تطحننا نَحْنُ العَرب والمُسْلِمين هو الحوار وحده، كما اقترح أن تخصص الكويت هذا العام عامًا لثقافة الحوار تأصيلًا وتطبيقًا،حتى تفوز بِلَقَب عاصِمة الثَّقافة الإسلاميَّة وعاصِمة الحوار العربى والإسلامى.
ونفى الإمام الأكبر ما شَاعَ مؤخَّرًا فى بلادنا من ظاهرة التنكر لولاء الوطن،والاستبدال به ولاءات أخرى عقدية أو سياسية تَضرُّ بمصلحة الوطن الذى يعيش على ثراه هذا المستبدل الجاحد،فللوطن حقوق شرعية وأخلاقية، والبِرُّ به ورعايةُ حقوقِه من صَميمِ أحكام الإسلام ومقاصِد شريعته.
وحذر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب،شيخ الأزهر الشريف،الشباب من الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعى فى الحصول على معلوماتهم عن الإسلام وشريعته وأحكامه، مطالبهم بأن يعتمدوا على المصادر الموثوقة فى المعلومة أو العلماء الثقات فى توثيق هذه المعلومات السهلة.
شيخ الأزهر يحذر من الحصول على المعلومات الدينية من وسائل التواصل الاجتماعى
وأضاف خلال لقائه بمجموعة من الشباب المثقف وشباب الإعلاميين وشباب الرياضة، بالكويت،صباح اليوم الأربعاء، أحذر من الغربة التى اعترت الأسر العربية بسبب قضاء معظم الوقت فى متابعة هذه الوسائل الحديثة فتجد الأب والأم والأولاد مجتمعون وكل منهم يحاور هذه الوسائل والجميع صامت مما أسهم فى هذه الغربة الجديدة،داعيا كافة القيادات العربية بالاهتمام بالشباب وإشراكهم فى بناء أوطانهم وصناعة مستقبله، لافتا إلى أن هناك خطوات ملموسة فى هذا المجال بدأت فى بعض البلدان العربية.
الطيب: داعش نبتة شيطانية
وأشار "الطيب" إلى أن تأثير العالم الغربى أحدث ما يمسى بالشرخ بين الثقافتين الإسلامية والعلمانية وأصبح كل ما لدى طرف مرفوض من الطرف الآخر، مؤكدا أن هذا بلاء نجح الغربيون فى ترسيخه.
واستطرد "وبين أن ضرب اللغة العربية وتهشميها وجعلها لغة جامدة كئيبة لدى الناشئة والشباب يعد ضربا للقومية والشخصية الاسلامية والعربية"، مشددا على دور الازهر فى مقاومة هذا التوجه بالرغم من الصعوبات التى يواجهها، لافتا إلى أن هناك اسباب داخلية وخارجية معقدة ادت إلى ظهور ما يسمى داعش كأنها نابتة شيطانية بما تملكه من اموال وأسلحة وقدرات تكنولوجية واعلامية كبيرة، مفيدا بأن اهم الاسباب الداخلية هو "توجسنا من بعضنا البعض عقائديا ووطنيا حتى من يختلف معك فكريا يقصيك حتى وصلنا إلى كارثة تكفير الآخر التى يقف بوجهها الأزهر".
.
وذكر "الطيب"، ان الدم العربى الذى يسيل حاليا بسبب خلاف مذهبى فقهى، معتبرا أن ذلك فضيحة، حيث ان الدين الاسلامى جاء ليجمع لا ليفرق، قائلا "بين ما نراه فى الدول العربية من خراب سببه تشغيل مصانع السلاح فى الغرب التى لن تعمل إلا بسيل الدماء العربية وبأيد عربية كنوع من الاستعمار الجديد بأن نقتل بعضنا البعض وندفع اموالنا لذلك باستغلال الخلاف المذهبى والطائفى".
وقال "الطيب" إن مرصد الأزهر الذى انطلق بسبع لغات ليرصد ما يخرج من داعش من رسائل كثيرة يوميا تصل إلى 2000 رسالة تدعو للهجرة من دولنا وترجمتها للغة العربية، ثم الرد عليها ونشرها للقنوات بلغات مختلفة.
ونوه إلى أن الازهر أرسل قوافل للسلام من العلماء ممن يتحدثون عن الاسلام بلغات مختلفة، ليجوبوا العالم، داعيا السفارات العربية لبذل مزيد من الجهود لإيجاد مراكز لتقديم الإسلام بصورته الحقيقة.
شيخ الأزهر يزور دار الآثار الإسلامية بدولة الكويت
كما قام الإمام الأكبر بزيارة دار الآثار الإسلامية بدولة الكويت،وكان فى استقباله الشيخة حصة صباح السالم الصباح،مديرة دار الآثار الإسلامية الكويتية،وكبار المثقفين بالدولة،حيث أعربت الشيخة حصة عن تقديرها الكبير لشيخ الأزهر وجهوده المباركة فى نشر الوعى الثقافى بين شباب الأمة لتحصينهم من الفكر الذى يدمر الأوطان،مشيدة بلقاءاته المتتالية مع المثقفين والمفكرين والأدباء مما يعكس انفتاح الأزهر على كافة الآراء الفكرية.
واستعرضت الشيخة حصة مع الإمام الأكبر مكونات دار الآثار الكويتية وأهم مقتنياتها من مختلف العصور الإسلامية، من جانبه، أشاد الإمام الأكبر بالدور الذى تقوم به الشيخة حصة الصباح فى إبراز تاريخ وآثار بلادها وتطويرها للمنتج الثقافى الكويتى مما يعكس عمق نظرتها المستقبلية فى خلق جيل كويتى يهتم بالثقافة والأدب.
الجدير بالذكر أن الإمام الأكبر شيخ الأزهر يقوم بزيارة الآن لدولة الكويت لتسلم جائزة شخصية مهرجان القرين،وذلك تقديرا لدوره الكبير فى حماية العقيدة وبما يمثله من حضور مؤثر فى الثقافة العربية والاسلامية،بوصفه المفكر والداعية المستنير.