تلتفت أنظار العالم إلى زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج إلى مصر، وهى الزيارة التى وجه الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى بجعلها أولوية ومنحها اهتماما خاصا، أملا فى توطيد وتوثيق العلاقات بين حضارتين من أقدم حضارات العالم، ولا يوجد شك فى أن التقارب بين القاهرة وبكين يفتح الباب لمزيد من التعاون على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية وخلافه.
ووصل الرئيس الصينى إلى القاهرة اليوم الأربعاء، قادما من المملكة العربية السعودية، فى إطار جولته الأولى بالشرق الأوسط كما يعتزم زيارة إيران بعد اختتام زيارة مصر وهى الأولى له من توليه منصبه.
تحديات اقتصادية كبيرة تواجه البلدين
وتأتى الزيارة فى وقت يواجه فيه اقتصاد كلا البلدين تحديات كبيرة، فالصين تعانى من انكماش القطاع الصناعى، والذى توقع صندوق النقد الدولى أن يؤدى إلى تباطؤ نمو اقتصادى فى التنين الأسيوى إلى 6.3% و 6% فى 2016 و2017 على التوالى.
أما مصر فتواجه تحديات جسام على رأسها أزمة العملة الصعبة الطاحنة التى نجمت عن تراجع الصادرات والسياحة وعوائد قناة السويس، فى حين تسجل واردات البلاد نموا دراماتيكيا يضغط على ميزان مدفوعاتها بدرجة كبيرة، وهو ما دفع الحكومة مؤخرا إلى الإعلان عن حزمة من الإجراءات لكبح جماح الواردات من السلع غير الضرورية والتى عرفت إعلاميا بالاستفزازية، إلى جانب السلع التى لها بديل محلى.
وأصدر وزير التجارة والصناعة المهندس طارق قابيل قرارًا خلال الشهر الحالى بمنع استيراد نحو 50 سلعة إلا بعد تسجيل المصانع، التى يتم الاستيراد منها فى هيئة الرقابة التابعة للوزارة، وذلك لمنع دخول السلع المهربة ومنتجات "بير السلم"، حيث ينص القرار على منع استيراد أى منتجات من تاجر إلى تاجر آخر، وإنما يتم الاستيراد من مصانع مسجلة وحاصلة على شهادات جودة تضمن دخول سلع ذات مواصفات قياسية جيدة.
وتم منح مهلة شهرين للمستوردين، لتسجيل المصانع التى يتم الاستيراد منها فى السجل الذى تم إنشاؤه بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، وتعد المدة فترة سماح للمصانع الأجنبية المصدرة لمصر فى تسجيل كل بيانات كشرط للسماح بالمنتجات للدخول للسوق المصرية، وسيتم رفض أى شحنات مستوردة بعد هذه المدة ولم يقم المصنع المورد لها بتسجيلها.
عجز كبير بالميزان التجارى لصالح بكين
وتحتل الصين المرتبة الأولى فى قائمة الدول المصدرة لمصر إذ تشكل نحو 11.4% من جملة الواردات فى 2014، وارتفعت الواردات منها خلال الفترة المذكورة إلى 24.4% بقيمة 59.57 مليار جنيه، مقابل 47.90 مليار فى 2013.
وتشمل صادرات مصر إلى الصين المواد الخام مثل البترول والغاز الطبيعى والرخام والجرانيت والرمل الحديدى وخام الحديد والجلود، فى حين تستورد القاهرة العديد من المنتجات الصينية مثل الإلكترونيات والآلات والملابس الجاهزة وقطع الغيار والمركبات بكل أنواعها.
ولكن هناك منتجات أخرى ينطبق عليها لفظ "استفزازية" وفقا للمسئولين وبعض الخبراء الاقتصاديين ومنها على سبيل المثال فوانيس رمضان التى بلغت فاتورة استيرادها حوالى 60 مليون دولار العام الماضى، فى حين أن لها بديلا محليا، كما بلغت فاتورة استيراد طعام القطط والكلاب ما يقرب من 4 مليارات جنيه فى بلد يقترض من البنك الدولى وبنك التنمية الإفريقى لدعم الموازنة.
ومن دون شك ستتراجع الصادرات الصينية إلى مصر بمجرد البدء فى تفعيل قرارات الحد من الواردات بعد انتهاء مهلة الشهرين، وهنا يطرأ تساؤل حول دوافع الحكومة الصينية لضخ استثمارات فى السوق المصرية، بينما تغلق الأخيرة أبوابها فى وجه صادرات بكين.
ومن المنتظر أن يحتل هذا القرار وتداعياته حيزا كبيرا مباحثات زعيمى البلدين المقرر أن يعقدا قمة ثنائية الخميس، فى محاولة للوصول إلى اتفاق مشترك يضمن نفاذ منتجات المارد الأسيوى إلى 90 مليون مواطن مصرى دون قيود.
السمة الغالبة على العلاقات الاقتصادية بين البلدين هى المصلحة المتبادلة، فالصين ترى مصر سوقا كبيرة تضم 90 مليون نسمة وبوابة للوصول إلى ما يزيد على مليار مستهلك من خلال موقعها الجغرافى المميز وإطلالتها على البحرين الأحمر والمتوسط وقناة السويس التى تربط بين الشرق والغرب، فى حين تسعى القاهرة إلى تعزيز علاقاتها مع ثانى أكبر اقتصاد بالعالم بعد الولايات المتحدة.
ويتعين على صانعى القرار المصرى إدارة ملف الحد من الواردات بذكاء وحنكة لاستغلال حماس الصين وهى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم لضخ استثمارات فى السوق المصرية، رغم التحديات التى تمر بها بكين.
وارتفع حجم التبادل التجارى بين القاهرة وبكين فى 2014 إلى 11.6 مليار دولار مقارنة بـ10.2 مليار دولار خلال 2013، 1.16 مليار دولار صادرات مصرية للصين، مقابل 10.46 مليار دولار صادرات صينية لمصر، وفقاً لإحصائيات السفارة الصينية بالقاهرة، وخلال الفترة من شهر يناير وحتى نوفمبر فى عام 2015 بلغ حجم التجارة بين مصر والصين نحو 10 مليارات دولار.
وتعكس الأرقام عجزا كبيرا فى الميزان التجارى بين البلدين، ومن المتوقع أن تؤثر قرارات الحد من الاستيراد على حجم الصادرات الصينية إلى مصر، لكن هذا القرار قد يقلل من حماس الصين إلى ضخ استثمارات فى السوق المصرية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مشترك يضمن نفاذ منتجاتها إلى 90 مليون مواطن مصرى دون قيود.
وبلغت واردات مصر حوالى 61 مليار دولار خلال العام المالى الماضى (المنتهى فى 30 يونيو)، وهو ما يقارب 3 أضعاف الصادرات وفقا للبيانات الرسمية، لكن طارق عامر، محافظ البنك المركزى الجديد، أكد فى حوار صحفى لوكالة "بلومبرج" للأنباء، أن إجراءات الحد من الواردات التى وصفها بـ"غير الضرورية" قد توفر نحو 20 مليار دولار فى 2016.
الغرفة التجارية: الحد من الواردات قد يعكر صفو العلاقات بين القاهرة وبكين
فى هذه السياق، أكد سامح زكى عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية بالقاهرة وشعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، أن غلق الباب فى وجه الواردات الصينية قد يعكر صفو العلاقات الاقتصادية التى تطمح لها البلدان.
وكشف زكى فى تصريحات خاصة لـ"انفراد" أنه التقى الوزير المفوض التجارى الصينى بالقاهرة، وأن الأخير أعرب عن تخوفه من تلك القرارات وتأثيرها على التبادل التجارى بين البلدين.
وأكد عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية بالقاهرة أنه الغرفة قدمت مذكرة وتم رفعها لوزير التجارة والصناعة برفض القرار، الذى وصفه بـ"غير المدروس" لأن سلبياته تفوق إيجابياته بمراحل.
وتابع: "من غير المنطقى أن تتخذ الدولة قرارا انفعاليا بتحجيم الواردات بهذه الصورة، لاحتواء أزمة تراجع الاحتياطى من النقد الأجنبى لدى المركزى وأزمة العملة الصعبة".
كما أشار إلى أن الاتحاد الأوروبى وتحديدا ممثل التشيك أبدوا تخفوهم من هذا القرار وتمثل الصادرات المصرية لدول الاتحاد الأوروبى نحو 75 و80% من إجمالى الصادرات المصرية، وهو ما يهدد حال تنفيذ هذه القرارات بأن تعامل هذه الدول مصر بمبدأ المعاملة بالمثل".
توقيع 12 اتفاقية على هامش زيارة الرئيس الصينى
ومن المزمع أن يشهد الرئيس السيسى ونظيره الصينى التوقيع على عدد 12 اتفاقية تعزز التعاون الاقتصادى والاستثمارى والسياسى بين البلدين، كما تقدم الصين قرضا بقيمة مليار دولار لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى، فضلا عن منحة بقيمة مليار يوان يتم توجيهها إلى مشروعات الصحة والبنية الأساسية والصرف الصحى ومشروعات تنمية قناة السويس الجديدة.