على مدى ما يزيد عن ثلاث ساعات متصلة، جلس السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، نظراته جادة، عيناه يملأها الأمل، وكذلك الإصرار، على مواجهة التحديات، ووضع حلول لمشكلات، كانت تركةً ثقيلة من سابقيه، أثقلت كاهله، لكنه قبلها، بدوافع وطنية خالصة، وحب لهذا الوطن، وعشقٍ لكل ذرة من ترابه. إصرار الرئيس أذهلنا، وزادنا رغبة فى البناء والعمل من أجل المستقبل.
ترأس الرئيس الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار بكامل تشكيله، هذا المجلس الذى كانت سعادتى كبيرة بإنشائه، وعلى تشريفى لى بعضويته، بوصفى رئيساً للاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، وأعتبرها أمانة ومسئولية، تأتى فى وقت تحتاج فيه مصر، إلى شحذ الهمم، وتضافر الجهود، وإنكار الذات، والبحث عن حلول واقعية، قابلة للتنفيذ لمشكلاتنا الاقتصادية، وإعلاء المصلحة العليا للوطن، والوقوف خلف القيادة الوطنية المسئولة للسيد الرئيس، والتى تستهدف النهوض بمصر فى شتى القطاعات، ومختلف المجالات.
وفِى تقديرى أن المهام الـمُوكلة للمجلس إيجابية للغاية، وخاصة ما يتعلق بتحديث الخريطة الاستثمارية، ومتابعة تنفيذ أجهزة الدولة للخطط والبرامج المتعلقة بالاستثمار، وتطور العمل بالمشروعات الاقتصادية الكبرى، ووضع الإطار العام للإصلاح التشريعى والإدارى لبيئة الاستثمار، وكذلك متابعة آليات تسوية منازعات الاستثمار، وتحقيق التناغم فى أداء الوزارات والهيئات العامة والأجهزة الحكومية المعنية بالاستثمار، واستعراض الفرص الاستثمارية المتاحة فى جميع القطاعات.
وأرانى من خلاله حريصا وبشكل كامل على تقديم المشورة القائمة على العلم والمعرفة، والدراسات المتخصصة - مع القامات الوطنية أعضاء المجلس - فى وضع الحلول، وإزالة العقبات.
لقد اتخذ المجلس العديد من القرارات المهمة، منها: تخصيص الأراضى الصناعية المُرفقة فى الصعيد مجاناً وفقاً لبعض الضوابط والاشتراطات التى تضعها الهيئة العامة للتنمية الصناعية، وطبقاً للخريطة الاستثمارية للدولة، والموافقة على إعفاء الاستثمار الزراعى والصناعى الجديد فى الصعيد من الضريبة على الأرباح لمدة خمس سنوات من تاريخ استلام الأرض، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة للتصالح الضريبى بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التى ليس لها ملفات ضريبية، والموافقة على إنشاء المجلس القومى للمدفوعات، لخفض استخدام النقد خارج البنوك، وعقد لقاءات مع مجتمع الأعمال لدراسة جميع مقترحات إزالة معوقات الاستثمار، على أن تعرض نتائج هذه اللقاءات على المجلس بشكل فورى، وتفعيلالمشاركة مع القطاع الخاص من خلال وحدة مشروعات المشاركة مع القطاع الخاص، ودراسة أفضل إطار مؤسسى لتبعيتها، وتشكيل لجنة دائمة بوزارة الاستثمار لبحث شكاوى المستثمرين، ورفع تقرير دورى بشأنها للمجلس الأعلى للاستثمار، والموافقة على قيام الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بتأسيس شركة للترويج للاستثمار داخلياً وخارجياً.
قرارات مهمة لا شك، تأتى فى إطار جهود وتوصيات نادينا بها كثيراً فى الدراسة التى أعدها الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، بهدف تقديم الحلول القابلة للتنفيذ للمشكلة الاقتصادية التى تعيشها مصر، وقدمت حلولاً لا تتعارض مع التزامات مصر فى الاتفاقيات الدولية، وقواعد منظمة التجارة العالمية.
وخلصت الدراسة إلى المشكلتين الرئيسيتين اللتين تواجهان الاقتصاد المصرى:
المشكلة الأولى: عجز الموازنة العامة المتزايد. والحلول تكمن فى:
العودة لنظام الضرائب التصاعدية حتى 30%، دون المساس أو الزيادة على أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، والبديل فرض رسم تنمية 3% على أصحاب الدخول من 5 - 20 مليون جنيه. يرتفع إلى 5% على أصحاب الدخول من 20 - 50 مليون جنيه. يزداد إلى 7% لمن يتجاوز دخله 50 مليون جنيه، وذلك لمدة ثلاث سنوات على الأقل، القضاء على التهريب الكلى والجزئى، و تفعيل قرارات مجلس الوزراء فيما يخص تصفية الأوضاع الضريبية المعلقة، ومخالفات الإسكان، و تغليظ العقوبات المتعلقة بالتهرب الضريبى والجمركى، بحيث تكون رادعة ومانعة، و ترشيد الإنفاق الحكومى، بالامتناع عن شراء أية أصول لمدة ثلاث سنوات، وعدم اللجوء لنظام التأجير التمويلى، و تشديد الرقابة على الأسواق للسيطرة على انفلات الأسعار.
المشكلة الثانية: عجز ميزان المدفوعات ( النقد الأجنبى ) المتزايد.
والحلول تكمن فى زيادة الإيرادات وضغط الإنفاق لتحقيق التوازن، ثم الفائض.
أولا: زيادة إيرادات مصر من النقد الأجنبى (صادرات - استثمارات جديدة).
بوضع الصناعة المصرية على قدم المساواة مع منافسيها، من حيث تكلفة إنشاء المصنع، وتكلفة التشغيل، لزيادة القدرة التنافسية للإنتاج المصرى، وذلك من خلال رفع الأعباء المحملة على العملية الإنتاجية، التى لا يتحملها الإنتاج فى البلاد الأخرى، وتفعيل قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر بشأن استيفاء جميع الاحتياجات الحكومية من الإنتاج الوطنى، فيما عدا ما لا ينتج محلياً، و تحفيز الصادرات : باستمرار برنامج مساندة الصادرات، وزيادة مخصصاتها، وتطوير المعارض، والاعتماد على الشركات المتخصصة فى التسويق الدولى، وتطبيق نظام الشباك الواحد، تيسيراً للإجراءات، ومنعاً للفساد (نظام متكامل، دون حلول وسط) للقضاء على الروتين والبيروقراطية.
ثانيا: تقنين استخدام وإنفاق النقد الأجنبى:
بوقف استيراد السلع الاستفزازية وكذلك وقف استيراد السلع التى لها مثيل من الإنتاج الوطنى، لمدة ثلاث سنوات، بشرطين:
أولهما: أن يكون المنتج الوطنى متاحاً، ويتمتع بجودة منافسة، وبكميات كافية.
ثانيهما: أن تتدخل الحكومة فى تسعير المنتج، منعاً للاستغلال. والاستخدام الكامل، لما شرعته لنا القواعد الدولية من فرض رسوم الإغراق والحماية، وتصحيح الفهم الخاطئ والمتعمد لسياسات السوق، لأن حرية السوق لا تعنى بحال من الأحوال عدم رعاية الصناعة الوطنية، وعدم التدخل فى السوق، لضبط الأسعار، حمايةً للمستهلك، ولا تعنى كذلك فتح الأسواق للمنتجات الواردة دون أية ضوابط، واستخدام قواعد منظمة التجارة العالمية، التى لا تحظر زيادة الرسوم الجمركية، عندما تتعرض الصناعة لمنافسة غير متكافئة، والارتفاع بسقف المواصفات القياسية عند الاستيراد.
لقد كان اجتماعاً مثمراً للغاية، كلنا أمل فى مستقبل أكثر إشراقاً، يجود بالخير الوفير لهذا الوطن العظيم.