باتت مصر على بعد خطوة واحدة من الحصول على قرض صندوق النقد، إذ نفذت 4 إصلاحات رئيسية مهمة تم الاتفاق عليها خلال المفاوضات مع صندوق النقد الدولى للحصول على 12 مليار دولار، فيما تشير تصريحات رسمية عن قرب توقيع قرض صندوق النقد قبل نهاية الشهر الجارى.
ولم تخب الحكومة المصرية ظن كريستين لاجارد، مدير صندوق النقد الدولى، التى قالت فى حوار لها الأسبوع الماضى، إذا قررت السلطات المصرية أن تتحرك إلى الأمام فإننا سنضع أموالنا على الطاولة لمساعدتهم على الطريق.
وكانت كريستين، السيدة التى تدير أهم مؤسسة مالية فى العالم، تقصد بجملة "التحرك إلى الأمام"، أن تبدأ الحكومة المصرية تنفيذ الاتفاقات التى تعهدت بها أمام بعثة صندوق النقد التى زارت مصر خلال الأسبوعين الأولين من أغسطس الماضى، وهى تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن الوقود، بجانب إقرار قانونى القيمة المضافة والخدمة المدنية، واللذين طبقتهما الحكومة بالفعل.
ردود أفعال جيدة
ردود أفعال المؤسسات الدولية والخبراء رحبت بالقرار، بل واعتبرت أن مصر اتخذت أهم القرارات التى ستؤدى لتحسين تنافسيتها الخارجية، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبى، وهو ما عبر عنه كريس جارفيس، رئيس بعثة صندوق النقد الدولى إلى مصر، بقوله، إن كل ذلك سيساعد على تعزيز النمو، وخلق فرص العمل، وتقوية مركز مصر الخارجى.
أما كريستين لاجارد، فذهبت فى تصريحاتها إلى أبعد من ذلك، حيث رأت أن الحكومة المصرية بلغت مرحلة "النضج"، وقالت فى تصريحات لرويترز على هامش مؤتمر اقتصادى لصندوق النقد الدولى فى واشنطن، "قرار تحرير سعر الصرف يوضح نضج السلطات المصرية وتدارسها للمسألة بعناية، بما يصب فى صالح الاقتصاد المصرى والعملة المصرية".
لكن ماذا تبقى لمصر لتحصل على قرض صندوق النقد؟
خلال الأيام القليلة المقبلة، ستوقع مصر على اتفاقية تبادل العملة مع الصين بنحو 2.7 مليار دولار، وهو ما أعلنته تصريحات حكومية سابقة، أكدت التوصل لاتفاق شبه نهائى بين البلدين، وبذلك فإن مصر تكون وفرت الـ6 مليارات دولار التى اشترط صندوق النقد الدولى توفيرها قبل موافقة مجلسه التنفيذى على قرض مصر.
الأيام القليلة المقبلة، ستشهد نقاشات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولى، حيث ستعرض مصر الآلية التى ستحافظ بها على السوق، فيما بعد رفع الدعم وتحرير سعر الصرف بما يساهم فى حماية محدودى الدخل.
لكن كيف يفيد قرار تحرير سعر الصرف الاقتصاد المصرى؟
الحكومة تستهدف من تحرير أسعار الصرف استعادة تداول النقد الأجنبى داخل القطاع المصرفى، من خلال عودة الاستحواذ على تحويلات المصريين فى الخارج، والتى بلغت نحو 20 مليار دولار العام الماضى، ولكن تم تحويل أكثر من نصفها عبر السوق السوداء، وتستهدف الحكومة عودة ثقة المصريين بالخارج فى الجهاز المصرفى وعودة إجراء تحويلاتهم عبر البنوك العاملة فى مصر وليس عبر السوق السوداء.
كما تستهدف الحكومة جذب الاستثمارات، حيث كان هناك الفترة الماضية سعران للدولار فى مصر، سعر رسمى بـ888 قرشا، وسعر فى السوق السوداء، ووجود سعرين للعملة هو أحد أكبر معوقات جذب الاستثمارات من الخارج وله تأثيره وآثاره الضارة على التصدير، كما أن تحديد البنك المركزى سعراً محدداً للدولار فى البنوك لا يتفق مع السعر العادل للجنيه دفع المواطنين للتعامل مع الدولار كسلعة وليس كعملة، ما أدى لخلق السوق السوداء.
وشهدت الفترة الماضية إحجام المستثمرين ورفضهم الاستثمار فى مصر، إذ إنه لا يقبل عاقل، أياً كان، أن يتم تحويل أمواله إلى البنوك بالدولار ويحصل على مقابل بالسعر الرسمى، وفى نفس الوقت تتم كل التعاملات الداخلية والأسعار بسعر السوق السوداء، ما أثر بالسلب على أرباحهم، كما كان المستثمرون لا يستطيعون تحويلها للخارج إلا من خلال البنوك بالسعر الرسمى، ومن هنا كانت المطالب بضرورة تحرير سعر الصرف، خاصة أن مصر سوق اقتصادية مهمة أمام المستثمرين بالعالم، وهو ما تحقق بالفعل، وتعول مصر على عودة الاستثمارات من جديد.
كما تأمل الحكومة بشكل كبير أن تتم زيادة الصادرات الفترة المقبلة مع تراجع الواردات، حيث إن خفض قيمة العملة المصرية نتيجة التعويم ستؤدى إلى زيادة الصادرات لأن المنتجات المصرية ستصبح أرخص كثيرا فى الأسواق الخارجية بسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار واليورو والجنيه الإسترلينى وغيرها من العملات، ولكن تكلفة الاستيراد ستكون أكبر، ومن هنا تسعى الحكومة لمواجهة الآثار السلبية بعدة إجراءات، كما تسعى لمواجهة الارتفاع فى الأسعار وموجة الغلاء المتوقعة فى مواجهة تحرير سعر الصرف، وتأمل أن تساهم الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الفترة الماضية فى تقليل تأثير القرارات الاقتصادية الصعبة التى اتخذت، لكن اختلال الميزان التجارى فى صالح الاستيراد لاشك لا يزال عقبة كبيرة.
أما بالنسبة للسياحة، فإن السوق السوداء كانت تلتهم القدر الأكبر من أموال السياح، حيث كان السائح يستبدل الـ100 دولار فى السوق السوداء بما يتجاوز 1500 جنيه، فى حين كان يستبدله فى السوق الرسمية بـ888 جنيها فقط، ومن هنا كان يلجأ للسوق السوداء، وتستهدف مصر عودة هذه الأموال للبنوك من جديد، كما تأمل مصر أيضا أن تتخذ روسيا خطوات أكثر إيجابية فى طريق عودة السياحة من جديد، حيث إنه منذ حادث الطائرة الروسية بسيناء أكتوبر العام الماضى تراجعت إيرادات مصر من السياحة بنسبة تصل لـ66%.
وفى حال دخول العملة الصعبة من خلال المحاور الأربعة السابقة فإن مصر فى طريقها للوصول إلى سعر عادل جيد للجنيه أمام العملات الأخرى، ويكون قرار "التعويم" حقق أثره بالفعل وهو ما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد فى المستقبل.