طالب الناقد المصرى الكبير الدكتور صلاح فضل اللجنة التشريعية فى مجلس النواب، بصورة فورية، بضرورة فتح جلسات حوار واستماع لكبار المثقفين، للحديث حول رفض إلغاء المادة 98 من قانون العقوبات والمتعلقة بـ"ازدراء الأيان".
وقال صلاح فضل، فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، إنه يتعين على جميع المثقفين أن يحمدوا للسادة الأعضاء الذين تقدموا بمشروع تعديل المادة شجاعتهم فى اتخاذ هذه المبادرة وإصرارهم على مناصرة الحق، وتصويب المسار التشريعى فى مصر كى يتلاءم مع الدستور، وإنقاذهم لسمعة الثقافة المصرية والعربية، التى تتهم أمام العالم كله بأنها ضد الحريات وغارقة فى التعصب الدينى، ومطاردة أصحاب الرأى والفكر المستنير.
ورأى صلاح فضل أن الأعضاء فى البرلمان ممن تقدموا بطلب إلغاء هذه المادة فاتهم فيما يبدو أن يوضحوا الحجج التالية التى كانت كفيلة بإقناع زملائهم الرافضين مع أنهم مثلهم، من رجال القانون وممثلين للشعب، وحسنوا النية فى الدفاع عن ثقافتنا، لكن فاتهم ما يلى:
أولاً: هذه المادة مثل غيرها من المواد التى تنص على عقوبة السجن فى حق من يدلى برأى علمى أو فكرى أو ثقافى يتوهم بعض الناس مخالفته للدين، مع أن التشريع الإسلامى فى أساسه يعتمد على تباين الآراء وتقارع الحجج، ولو كانت عقوبة الحبس هى جزاء من يختلف مع أهل السلطة، لكان معظم الفقهاء مصيرهم فى السجون، فاختلاف الرأى ما دام لا يعارض نصاً صريحاً لا يجوز تأويله أحادى الدلالة مطلوب ومشروع والرد عليه لا يكون إلا بالحجة والبيان.
ثانياً: هذه المادة مناقضة لعدة مواد فى الدستور المصرى، تنص صراحة على ضمان حرية الرأى والتعبير بكل أشكاله، ومنع أى عوائق تقوم فى سبيلها، وإعمال الدستور من أول واجبات مجلس النواب، فعار عليه أن يحتاج المواطن إلى المحكمة الدستورية العليا لتصويب هذه المواد، وممثلوه الذين انتخبهم ليعبروا عن مصالحه يرفضون ذلك.
ثالثاً: لو تتبعوا وثائق الأزهر التى أعلنها الإمام الأكبر منذ خمس سنوات عام 2011، لوجدوا أن من أهمها وثيقة بعنوان "منظومة الحريات الأساسية" توافق عليها كبار علماء الدين مع كبار المثقفين، وتنص على ضرورة احترام حرية العقيدة، وحرية الرأى، وحرية البحث العلمى، وحرية الإبداع الأدبى والفنى، وأن ذلك لا يتعارض إطلاقاً مع المبادئ الأساسية للفكر الإسلامى والوثائق الدولية.
رابعاً: ما يتوهمه الرافضون من أن المناخ العام فى مصر لا يناسب مثل هذه الخطوة لوجود الجماعات التفكيرية التى تلجأ إلى الجريمة والإرهاب وتهدد الحياة المدنية فى مصر، لابد أن يجعلنا أكثر حزماً وتصدياً لهم، لا أن نلجأ إلى الموائمة السياسية خوفاً منهم.
خامساً: ما يعتقده بعض النواب من أنهم قد يخسرون قواعدهم الشعبية، أو بعضها، نتيجة لذلك خطير جداً لأنه يعنى أنهم لا يراعون المصلحة العليا للوطن، ولا حماية مسيرته الحضارية؛ إيثارًا لبعض المكاسب الانتخابية الموقوتة.
وقال "فضل": ومن هنا فإننى أطالب على الفور اللجنة التشريعية، وعلى رأسها قاضٍ عظيم أن تفتح جلسات حوار واستماع لكبار المثقفين كى نشرح لهم، ما خفى عنهم، لأن موقفهم صادم لنا، ومثير للتساؤل وخاضع لابتزاز الإرهاب الأعمى الذى يهددنا اليوم، ويؤدى فى النهاية إلى تشويه وسمعة مصر وتخويف المفكرين، وبث الرعب فيهم حتى لا يقوموا بواجبهم فى تجديد الخطاب الدينى دون هذا السيف المسلط على رقابهم بأحكام الحبس والسجن ضد أصحاب الفكر والرأى، على العكس مما نشر، تقتضى الموائمة السياسية الحسم فى مواجهة هذه النزعات المتطرفة والاختيار الصحيح بين الحرية المحكومة بجدلية القبول الدينى والاجتماعى، وبين الإرهاب باسم الدين، لا يوجد مسلم ولا مسيحى يزدرون دينهما، لأن الإسلام يكفل سقفاً واسعاً لحرية من يريد أن ينقد بعض الأفكار التى تقادمت من مخلفات العصور الماضية، ويحث كل المشتغلين به على إعمال خيالهم وتجديد حياتهم وتحقيق مقاصده الرفيعة فى إطلاق طاقة المسلمين نحو حياة أفضل.