خلال فاعليات مؤتمر الشباب بشرم الشيخ وخلال أغلب الجلسات كنت تسمع وترى أنه لا حديث يعلو فوق صوت المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ فبعد مبادرة البنك المركزى لتوفير 200 مليار جنيه بفائدة مخفضة لتوفير التمويل لهذا القطاع المهمل منذ عقود، سرت حماسة غير تقليدية بين كل المهتمين بالشأن الاقتصادى للحديث عن أثر هذه المبادرة وإمكانياتها وفرص نجاحها، ولكن الحديث كان يحتاج إلى التطرق لأشياء أخرى لكى تكمل تلك المبادرة جوهرها الحقيقى ورؤيتها التنموية.
وكان السؤال الذى فرض نفسه هو: "كيف نعيد تنظيم هذا القطاع ونحقق الهدف من هذه المبادرة؟".. وكشف محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، أن البداية يجب أن تكون من خلال إنشاء كيان تنظيمى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة يعمل على تنمية هذا القطاع الرائد والحيوى وزيادة دورة الاقتصادى ورفع معدلات صادراته مع رفع فرص العمل التى يحققها، وذلك من خلال إطار تشريعى يبلوره قانون يختص بهذا النوع من المشروعات ولكن فى صورة تنظيمية وتنموية قابلة للتنفيذ بما يتماشى مع طبيعة هذه المرحلة ومع التطور الاقتصادى، وذلك خلافا للوضع بالنسبة للتشريع الحالى الصادر عام 2004، والذى يستلزم تعديلات فى فلسفته وهيكلته بصورة أكثر عمقًا مما يقدمها.
وأوضح أن هذا التعديل التشريعى يأتى فى الوقت الذى تمثل فيه الشركات الصغيرة والمتوسطة عصب الاقتصاد المصرى، رغم أن هذا القطاع يعانى من عدم وجود جهة معينة مسئولة عنه وعن تنميته بشكل مباشر، حتى أصبح يوصف بأنه قطاع لقيط بدون أوب ولا أم، والأمل فى إحداث طفرة فى معدلات التنمية والاستثمار، لتصميم نموذج مميز محليا وعالميا وفقا لأفضل الممارسات العالمية فى هذا المجال، لفتح الأسواق الجديدة محليا وإقليميا وعالميا من خلال التصدير عن طريق وسائل التجارة الإليكترونية الحديثة، حيث يمثل هذا القطاع نسبة تصل إلى أكثر من 90% من حجم القطاع الخاص فى مصر ويستوعب ملايين العاملين فى كافة أرجاء مصر.
ويأتى فى ظل تحسين مناخ الاستثمار المستهدف من الحكومة المصرية بالاعتماد على تكنولوجيا المعلومات فى تهيئة بيئة عمل محفزة وخلق منظومة متكاملة من عدة حلول ومزايا، تهدف إلى الإسراع بتنمية القطاع وتمكينه وتسهيل إجراءاته الحكومية وتشجيعه على الاستثمار على كافة مراحل تطور الصناعات الصغيرة والمتوسطة، بدءا من نشأة فكرة المشروع، مرورا بمرحلة البدء فى المشروع ثم تعظيم فرص نجاحه، والعمل على تذليل العقبات التى تواجه المشروعات المتعثرة فى قطاع الأعمال، بالإضافة إلى التشجيع على الدخول فى القطاع الاقتصادى الرسمى.
ويجب من هذا المنطلق أنه عند إعداد هذا التعديل التشريعى أن يكون الهدف هو تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة حتى تكون داعما اساسيا للتنمية الاقتصادية فى الدولة ونشر وتشجيع ثقافة البحث والإبداع والابتكار وريادة الأعمال التى تحقق طموحات الدولة الاقتصادية مع تنسيق جهود الجهات المعنية لتطوير تلك المشاريع، وتعزيز تنافسيتها من أجل توفير فرص العمل لصالح الاقتصاد الوطنى وتطوير البرامج والمبادرات الرامية إلى تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة. كما يجب أن يرمى هذا التشريع إلى تحفيز ودعم المواطنين لدخول سوق العمل فى مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة لزيادة مساهمتها فى الناتج المحلى الإجمالى للدولة مع تعزيز مكانة الدولة كمركز لريادة الأعمال فى هذا المجال.
وأشار إلى أنه يجب أيضًا أن يتضمن التشريع النص على التعريف الخاص بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة الذى بدء البنك المركزى العمل به مؤخرا بحيث يكون هذا التعريف هو الأساس القانونى لكل تلك الفئة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة أينما وردت فى القوانين أو القرارات أو اللوائح أو النظم، حيث سيكون على الجهات المعنية وذات العلاقة استخدام هذا التعريف الموحد فى كل امر ذى صلة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وكان من الضرورى أن ينظم التشريع من خلال مواده ضوابط تخصيص الأراضى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وإلية إصدار التراخيص والموافقات لها، بالإضافة إلى تفعيل النصوص فى القانون رقم 141 لسنة 2004 الخاصة بتخصيص نسبة من التعاقدات لتلك الفئة من المشروعات إلى جانب وضع الحوافز الخاصة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة غير الضريبية والتزامات تلك المشروعات للحصول عليها.
ويجب أن يتكامل هذا التشريع مع تعديل فى السياسة الضريبية تجاه المشروعات الصغيرة والمتوسطة بحيث يتم وضع نظام للمعاملة الضريبية المميزة لأنشطة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لفترة محددة كبديل عن الضريبة النسبية على الإيراد أو الأرباح، وفقا لضوابط تضعها مصلحة الضرائب بالمشاركة مع الجهاز كضريبة مقطوعة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى هذا فإن مثل هذه التشريعات يجب أن تتضمن تيسير عملية التصفية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة مع وضع آلية للصلح الواقى من الإفلاس للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأكمل محسن عادل تصريحاته، قائلاً: أتصور أن البداية قد انطلقت نحو تحويل هذا القطاع الخاص بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى محور فاعل فى الاقتصاد، إلا أنه يجب أن يتكامل ذلك مع سياسات ضريبية وآليات تراخيص ومراقبة تهدف لتنمية هذا القطاع ودمج القطاع غير الرسمى من خلال سياسات نمو احتوائى حقيقية.
كما أن استراتيجية البنك المركزى الحالية لتحفيز النمو من خلال استراتيجية تمويل بفائدة منخفضة وتوسيع نطاق قاعدة الممولين ستؤدى إلى تحركات ملموسة فى تخفيض الضغوط على التوظيف بالبنوك إذا ما ارتبطت بتعديلات هيكلية فى التشريعات الخاصة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة بإنشاء جهاز لتنظيمها، وإصدار قانون لتنمية تلك المشروعات وإصدار قانون جديد للتراخيص والسجل الصناعى يتماشى مع المعايير العالمية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة قانون الاستثمار وتعديل النظم الحالية لتخصيص الأراضى والضرائب خاصة على المشروعات الصغيرة وإصدار قانون جديد لتنظيم التعامل مع القطاع غير الرسمى بما يجعله قطاع فاعل فى الاندماج مع منظومة الاقتصاد الرسمى.