أثار حكم محكمة الأسرة بإثبات عقد زواج مدنى لزوجين مسيحيين مصريين بعدما رفضت الكنيسة بعد تحرير دعوى قضائية الكثير من الجدل، إتمام المراسم الدينية لهما لأنها لا تعترف بالزواج المدنى، وهو ما يعد مخرجا للكثير من العالقين فى زيجات فاشلة بين الزواج والطلاق، حيث ترفض الكنيسة تطليقهم وإعطائهم تصاريح بالزواج الثانى، فى حين أصدرت نفس المحكمة حكم آخر يعارض الزواج المدنى الذى لم تتم فيه المراسم الدينية الكنسية، ليطرح تساؤلات عديدة عن الدستور وحقوق المسحيين فى الطلاق والزواج دون إذن ومطالبة أخرين بتطبيق شرائعهم فلا طلاق إلا لعلة الزنا، ما يجعل الكثيرين يقفون أمام الكنيسة والمحاكم، باحثين عن مخرج.
فيما يرى البعض الزواج المدنى قنبلة موقوتة قد تفجر أزمات لا حصر لها، وأخرون يعتبرونه حلا لأزمات يعيش أصحابها محرمون فى حقهم فى الحياة، فيما تعرضت الكنيسة عن الاعتراف بأى زواج يتم بعيدا عنها دون إتمام المراسم الخاصة بها.
نشطاء أقباط: فصل الدين عن الدولة والزواج والطلاق بقانون مدنى
قال الناشط الحقوقى فى ملف الحريات مايكل بطرس: الحل الذى يطالب به معظم المتضررين من عدم استطاعتهم استصدار تصاريح زواج هو تدخل الدولة، وإصدار قانون يسمح بمقتضاه بالزواج المدنى، منفصلا عن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، فلا يمكن أن يكون ملزما للكنيسة، لكن فى ذات الوقت على الكنيسة أن تحترمه كقانون من قوانين الدولة لكن لا يكون ملزما لها"،فالدولة المدنية من مقوماتها فصل الدين عنها وتحكمها مصلحة المواطن وصحيح القانون.
وتابع: هناك إشكالية بين الكنيسة والزواج المدنى، وأيضا إشكالية بين الكنيسة والدستور، ومدى تعارض المادة الثالثة من الدستور التى تعطى للمسيحيين الحق فى تطبيق شرائعهم فى أحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية وبين المادة العاشرة من الدستور التى تحرص الدولة على حمايتها للأسرة واستقرارها.
وأضاف:"المادة الثالثة من الدستور جاءت لتقر أن مصدر المسيحيين فى تنظيم أحوالهم الشخصية هو شرائعهم، ومعنى ذلك أنه لا يمكن إلزام الكنيسة بأى نظام آخر بالزواج يتعارض مع مفهوم الزواج الدينى، ولكن تبقى الإشكالية قائمة فيما قرره الدستور من حق المواطن فى تكوين أسرة وحمايتها، وهو ما نصت عليه المادة العاشرة من الدستور".
وأكمل: على الدولة أن تساند وتحل أزمات أكثر من نصف مليون متضرر بسبب الأحوال الشخصية فى إصدار قانون مدنى .
قانونيون: تعارض المادة الثالثة والعاشرة من الدستور
قال أيمن جورج المحامى: اللائحة الجديدة التى وضعتها الكنيسة لأسباب الطلاق بها توسع فى قضية الزنا، منها وجود رسائل للموبايل أو غيرها مما يفتح الشك وينتهك الخصوصية، ويجب أن يكون وجود شهود على واقعة الزنا هو الأساس، ويضاف لها القرائن، كرسائل الموبايل وغيرها..
وتابع : "المسيحيون زواجهم ينقسم لجزء مدنى مرتبط بتوثيق العقود فى وزارة العدل، والثانى زواج كنسى مرتبط بممارسة الشعائر الدينية، وكلتا الحالتين تقعان تحت يد الكاهن فى الكنيسة".
وأضاف أن مشكلة الأحوال الشخصية تتعلق بعدم تفعيل قوانين الدولة ودستورها الذى نص على تكوين الأسرة فى المجتمع، لكن الدولة تنازلت عن دورها فى حماية الأفراد وتركته للكنيسة، مشيرا إلى أن المجلس الإكليريكى لا يحدد مدة زمنية معينة للنظر فى الملفات، وهناك تفاوت، فبعض الحالات تحصل على تصريح زواج بعد عدة شهور، وهناك حالات أخرى تمكث بالسنوات فى المجلس.
وقال فايز كريم، المحامى المتخصص فى قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين: الكنيسة لا ترد على المقترحات الخاصة بحل المشاكل الناتجة عن الزواج الثانى والتطليق، كما أن الدولة لديها مشكلة فى عدم وضع تفسير يوضح ماهية المادة الثالثة من الدستور.
وأضاف: الزواج وفقا لشريعة الأقباط الأرثوذكس، وعلى ما جرى عليه نص المادة ١٥ من مجموعة قواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس عام ١٩٣٨ سر مقدس، يثبت بعقد يرتبط به رجل وامراة ارتباطا علنيا طبقا لطقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كما جرى نص المادة ٣٢ من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، على أنه يتعين على كل شخص مباشرة عقد الزواج أن يستصدر ترخيصا بالزواج من الرئيس الدينى المختص، ومن الأسرار التى تدخل فى صميم السلطان الروحى الممنوح لرجال الدين، ولا يصدره آباء الكنيسة فى الزواج للمرة الثانية، إلا إذا كان موافقا لقوانين الكنيسة، متفقا مع عقائدها التى تحرم الطلاق إلا لعلة الزنى، وعليه فإن طلب التصريح بالزواج لأبناء طائفة الأقباط الأرثوذكس للمرة الثانية يكون من اختصاص الرئيس الدينى لهذه الطائفة، وليس من ولاية القضاء.
واستكمل: محكمة النقض قضت فى هذا الشأن بالآتى: السلطات الممنوحة لرجال الدين المسيحى والتى ما زالت باقية لهم رغم إلغاء المحاكم الملية بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم ٤٦٢ لسنة ١٩٥٥ إنما تتمثل فى السلطان الكهنوتى المستمد من الرب الذى يقوم عليه النظام الكنسى بما يفرضه لرجال الدين من حقوق وامتيازات، وما يوجب على المؤمنين بهذا النظام من ولاء وخضوع، وكان أبرز هذه السلطات الباقية التى تتمتع بها الجهات الرئاسية سلطة التعليم وسلطة منح الأسرار المقدسة وسلطة قبول أو رفض طلبات الانضمام.
مدافعون عن التدخل فى شئون الأقباط: الزواج فى المسيحية لا يكتمل إلا بعد إتمام المراسيم والطقوس الدينية
فيما قال نبيل بطرس المحامى للأحوال الشخصية الرافض للزواج المدنى ومخالفة الدستور قائلا: النص الدستورى ملزم للجميع ولا يستطيع القاضى أو أى سلطة من السلطات الثلاثة التى نص عليها الدستور مخالفته أو معارضته، وإلا أصبح الخطأ ليس فى تطبيق القانون فحسب بل الخطأ فى مخالفة نص دستورى واضح وصريح ولا يحتمل التأويل أو التفسير.
وأضاف: من الناحية القانونية ووفقا لما استقر عليه من أحكام محكمة النقض فإن الزواج فى المسيحية لا يكتمل إلا بعد إتمام المراسم والطقوس الدينية الخاصة بكل طائفة ولا يتم الزواج ولا ينتج أثره بدون تلك المراسيم وهذا أصبح حق مطلق للكنيسة قانونيا ولا يستطيع أحد مراجعتها فى من تزوجه أو فى من ترفض زواجه–.
وتابع: إذا كان الزواج بعيدا عن الكنيسة لا يعترف به ويعتبر زنا صريح بعد فلا يجوز حل مشكلة بارتكاب جرم أكبر الأهم أن يكون فى إطار الكتاب المقدس وبما لا يخالف ثوابت وتعاليم ومبادئ المسيحية.