مات نجيب.. مات الرجل الذي اشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء إذا كان للسماء طوب، مات نجيب الذى لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب، مات الرجل الذى لا يعرف إلا الصراحة فى زمن النفاق ولم يعرف إلا البحبوحة فى زمن البخل والشح، مات الريحانى فى ستين ألف سلامة.. هكذا رثى نجيب الريحانى نفسه قبل وفاته بــ 15 يوم وكأنه يشعر بالفراق.
واليوم وبعد 127 عاما من مولده، يعيد عشاقه هذه الكلمات احتفالا به، مرددين عباراته الرنانة فى أفلامه التى أمتع جمهوره بها بسخرية ضاحكة ومبكية غرست آثارها فى النفوس، فلم يترد رواد مواقع التواصل الاجتماعى من إحياء ذكره ميلاد "كشكش بيه" على طريقتهم الخاص، بداية من هاشتاج على موقع التغريدات الصغيرة، إلى نشر أطرف المشاهد التى قدمها خلال تاريخه الفنى الكبير، ليعود الفنان الراحل القدير للحياة مرة أخرى فى العالم الافتراضى.
وتصدر هاشتاج "نجيب الريحانى" من الصباح موقع التغريدات الصغيرة "تويتر" ضمن قائمة الأعلى تداولا، فجاءت معظم التغريدات فى يوم "الريحانى" لتذكر بجملة أو أفيه من أفلامه، وكان من أبرز هذه الجمل عندما كان يغنى "علشانك انتى انكوى بالنار وألقح جتتى، وأدخل جهنم وأنشوى وأصرخ وأقول يـــــا دهوتى"، و"حاسس بمصيبة جايالى يا لطيف يا لطيف، مصيبة مكانتش ع بإلى يا لطيف يا لطيف" و"إن لم تكن لى والزمان شورم بورم ، فلا خير فيك والزمان ترللى"، وعبارة الفقير "اكل العيش يخلي الواحد يتفاهم مع البراغيت"، "أنا راجل مليان وفاء، مليان إخلاص وتضحية، قاعد عاطل جعان مش لاقى لقمة، ورونى جزار يدينى حتة لحمة، حتة عضم وياخد تمنها وفاء".
كما أعاد آخرون نشر جملته الشهيرة فى فيلم "أبو حلموس " عن الفساد مع الراحل الكبير "عباس فارس" عندما قال له لما تعوز تسرق.. متبقاش غشيم "2 جنيه أكل للخروف، و2جنيه جردل للخروف، و2 جنيه حلاق للخروف".
هكذا استمر عشاق "الريحانى" فى سرد اللقطات الضاحكة الباكية من أفلام المبدع العبقري الذين لقبوه بـ"شارلي شابلن العرب".
من جانبه، نشر الفنان التشكيلى إبراهيم فرحات لوحة فنية رائعة لــ "الريحانى " بمناسبة ذكرى ميلاده الــ 127، على موقع فيس بوك ، كما علق أحد الرواد قائلا : "استاذ حمام المبدع المحترم مينفعش ألاقى له فيلم شغال وافوته ربنا يرحمه و يغفر له"، ووصفه آخر بأستاذ الكوميديا السوداء - يخرج الضحكة من بين الدموع.
"نجيب الريحانى " ولد فى 21 يناير 1889 م فى حي باب الشعرية، وعاش فى حى الضاهر، بدت عليه ظاهرة الانطوائية إبان دراسته بمدرسة الفرير الابتدائية، ودرس بالفرنسية وتحدثها بطلاقة، وعندما أكمل تعليمه ظهرت عليه بعض الملامح الساخرة، ولكنه كان يسخر بخجل أيضا، وعندما نال شهادة البكالوريا، كان والده قد تدهورت تجارته فاكتفى بهذه الشهادة.
التحق الريحانى بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر بنجع حمادي بالصعيد، وكان يتقاضى منها راتبا شهريا ستة جنيهات، ولكن هذه الوظيفة لم تشبع رغبته فاستقال منها وعاد إلى القاهرة.
وفى يوم قادته قدماه إلى شارع عماد الدين الذى كان يعج آنذاك بالملاهى الليلية، وقابل صديق له كان يعشق التمثيل واسمه محمد سعيد وعرض عليه أن يكونا سويا فرقة مسرحية لتقديم الاسكتشات الخفيفة لجماهير الملاهى الليلية.
ومعظم أعمالة كانت مسرحية، ولا يوجد منها نسخ مصورة كاملة، على عكس أفلامه التى يوجد منها ستة أفلام يعتبروا من أعمق ما قدم فى السينما العربية من ناحية التركيبة السيكولوجية الساخرة.
ورحل الريحانى أثناء تمثيله فيلم "غزل البنات" 1949 م ، إثر إصابته بمرض التيفويد فتم تعديل نهاية الفيلم قسرا، وشاركه البطولة نخبة من النجوم منهم ليلى مراد وأنور وجدى ويوسف وهبى ومحمود المليجى وفريد شوقى وظهرت هند رستم لأول مرة ككومبارس (راكبة حصان في أغنية ليلى مراد "اتمخطري يا خيل") والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب الذي قدم فيه أجمل أغانيه (عاشق الروح).