بعد مرور 5 سنوات على "ثورة الياسمين" فى تونس والتى قادت قاطرة "الربيع العربى" فى المنطقة كلها والتى لا تزال دول عديدة تدقع ثمنها، بعد أن تحولت ثوراتها لعمليات فوضى وتخريب وحروب أهلية، اندلعت لليوم الخامس على التوالى مواجهات حادة واشتباكات عنيفة بين متظاهرين غاضبين بسبب البطالة وقوات الأمن فى تونس اليوم الخميس.
ووفق وسائل الإعلام المحلية التونسية امتدت الاحتجاجات التى بدأت يوم الأحد الماضى، فى مدينة "القصرين" إثر وفاة عاطل عن العمل يدعى رضا اليحياوى، صعقا بالكهرباء، لتشمل مدنا أخرى بالجهات الغربية وبجنوب البلاد حيث ترتفع نسب الفقر والبطالة.
ونتيجة الاشتباكات بين الأمن والمتظاهرين، لقى شرطى مصرعه، وأصيب عدد آخر من عناصر قوات الأمن، فى مواجهات مع الشباب العاطل الغاضب فى منطقة "فريانة" التابعة لولاية القصرين، بينما انسحب الأمن من مدينة "تالة" بنفس الولاية مساء أمس الأربعاء، لتفادى مواجهات أوسع.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية وليد اللوقينى، إن عناصر متطرفة شاركت فى الاحتجاجات، مضيفا أن 59 عنصرا من الأمن والحرس الوطنى أصيبوا بين يومى الثلاثاء والأربعاء، بينما توفى عنصر أمنى أمس فى انقلاب سيارة أثناء ملاحقة محتجين فى القصرين.
وأضاف اللوقينى فى تصريحات لوكالة الأنباء التونسية اليوم الخميس، إن مجموعات من المحتجين تشوه الاحتجاجات السلمية، بما تقوم به من أعمال عنف واعتداء على المقرات الأمنية، واستهداف سيارات الأمن، وهى أعمال يجرمها القانون.
الشرطة: تورط مجموعات تخريبية
وقال المتحدث الرسمى باسم وزارة الداخلية التونسية، إن مجموعات تخريبية صغيرة لا تتجاوز 20 شخصا لا يمكن وصفها بالمحتجين تقوم بأعمال عنف وتخريب وبحرق العجلات المطاطية فى عدد من المفترقات بعدة مناطق من البلاد.
وأضاف أن هذه المجموعات تشوه الاحتجاجات السلمية بما تقوم به من أعمال عنف واعتداء على المقرات الأمنية واستهداف لسيارات الأمن، مؤكدا أن تواصل هذا الوضع بإمكانه أن يؤدى إلى ما لا يحمد عقباه - على حد قوله.
الحكومة تحاول التهدئة
وعلى مستوى السلطة أعلنت حكومة الرئيس الباجى قائد السبسى أنها ستشغل أكثر من 6000 عاطل من القصرين، وستبدأ فى مشروعات إنشائية فى المنطقة.
وقال المتحدث باسم الحكومة خالد شوكات "الحكومة ليس لها عصا سحرية لتغير الأوضاع فى القصرين، ولكن ستبدأ فعلا هذا العام عدة مشاريع هناك سعيا لامتصاص معدلات البطالة المرتفعة."
ورغم أن الانتقال الديمقراطى فى تونس كان سلسا وغير عنيف، على العكس مما حدث في بلدان مثل ليبيا واليمن وسوريا، وحظى بإشادة واسعة مع إقرار دستور جديد وانتخابات حرة، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشة تمثل أكبر تحد للائتلاف الحاكم فى تونس.
وفي 2015 بلغت معدلات البطالة فى تونس 15.3%، فى حين كانت 12% فى عام 2010. ويشكل أصحاب المؤهلات الجامعية حوالى ثلث العاطلين عن العمل فى تونس.
وحذرت الحكومة التونسية من خطر تشتيت جهود المؤسسة الأمنية فى مواجهتها للإرهاب، معلنة عن حزمة من القرارات لامتصاص غضب العاطلين فى "القصرين" من بينها استيعاب آلاف العاطلين عن العمل والتكفل بتمويل 500 مشروع صغير، بتكلفة إجمالية تصل إلى 6 ملايين دينار تونسى.
وشملت القرارات تخصيص سيولة لتهيئة البنية التحتية بجهة القصرين برأسمال قدره 150 ألف دينار وبناء ألف مسكن اجتماعى.
مظاهرات عارمة بعدة مدن تونسية
وخرج متظاهرون غاضبون اليوم فى مدن "جندوبة" و"باجة" و"القيروان" و"قبلى" و"بنزرت"، واتجه أغلبهم إلى مقرات الولايات للمطالبة بإجراءات حكومية مماثلة وبفرص عمل وببرامج تنمية على الأرض تأخرت الحكومة فى إيجادها منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن على قبل خمس سنوات.
وفى السياق نفسه قالت الإذاعة التونسية الرسمية إن مدينة "الصخيرة" من ولاية صفاقس شهدت اليوم تحركات احتجاجية، حيث تم غلق الطريق العام وإشعال النيران فى الإطارات المطاطيّة وذلك على خلفية المطالبة بالعدالة الاجتماعية وتشغيل العاطلين عن العمل.
فرص العمل
الجدير بالذكر، أن يمثل توفير فرص عمل لأكثر من 600 ألف عاطل ثلثهم من أصحاب الشهادات العليا، أحد أكبر التحديات التى تواجهها الديمقراطية الناشئة إلى جانب التنمية فى الجهات الفقيرة ومكافحة الارهاب.
وتأخرت الإصلاحات الاقتصادية فى تونس خلال فترة الانتقال السياسى الجارية منذ 2011 ووجهت الهجمات الارهابية التى شهدتها البلاد ضربة قوية للاقتصاد إذ لم يتجاوز النمو فى 2015 نسبة 0.5%.
وتأمل تونس توظيف التعاطف الدولى مع فوزها بنوبل السلام ونجاحها فى تحقيق انتقال سياسى خلال طرحها خطة انقاذ اقتصادى فى منتدى "دافوس" بسقف تمويلات خارجية يصل إلى 23 مليار دولار تحتاجها على مدى الخمس سنوات المقبلة.
ويطالب المحتجون بفرص عمل وبمشاريع للتنمية فى الجهات الداخلية الفقيرة، لكن بعض الاحتجاجات العنيفة والمواجهات مع رجال الامن أدت إلى إصابة المئات بحالات اختناق بسبب الغاز المسيل للدموع.