كاتب ورائى فلسطينى حاز على جائزة البوكر العربية عن روايته "مصائر"2016، ويمتلك سلاحا قويا يعبر به عن هويته، وهو القلم، ولا يخشى اتهامات أحد، فلديه القناعة بأن الكاتب عليه أن يواجه القضايا بكل شجاعة، هو الكاتب ربعى المدهون، والذى أجرى "انفراد" معه حوارا مطولا خلال استضافته بمعرض الشارقة الدولى للكتاب بدورته الـ 35، وإلى نص الحوار..
حدثنا على التواجد الملحوظ للثقافة الفلسطينية؟
إن الوضع السياسى العربى يطرح من خلال الأبحاث والدراسات الأكاديمية أو الندوات الواسعة، أما بالنسبىة للثقافة الفلسطينية فمن الممكن أن يحصر الموضوع فى إطار أكثر، ومن خلال السنوات الأخيرة نكتشف نهوض ثقافة واسعة فى فلسطين، وتحديدا فى الضفة الغربية أكثر ورام الله، باعتبار عرب 48 لديهم مستوى من الثقافة، تراكمى ومتواصل بشكل جيد، وهم يكافحون من أجل حقوقهم فى وطنهم، وفى الضفة الغربية الوضع يختلف.
ومع ذلك نشاهد تطورات فى السنتين الأخيرتين لنقلة جديدة جاءت بعد تولى الدكتور إيهاب بسيسو وزارة الثقافة، فقد أحدث نقلة جديدة وقوية ومهمة تقوم على تشجيع كل الطاقات الشابة أولا، ثم دفع الكتاب والأسماء الكبيرة إلى الانتقال إلى صفوف الناس، والتى كانت ترتكز من قبل داخل متحف محمود درويش، لكن فى السنوات الأخيرة، بدأت تنتقل من رام الله إلى القرى الفلسطينية، لنرى شيئا من النهوض والالتحام بين المستويات الثقافية سواء الشبابية أو كبار الكتاب، وتوسيع نطاق الندوات، موضحا أن المستوى الثقافى العام أيضا شهد نشاط وانتشار وتقدم واسع على مستوى الرواية، وفى الفترة الأخيرة شاهدنا مستويين من تطور الرواية، فهناك جيل خرج وأسماء غادرت منطقة الشعر وكلاسكية الرواية "المناضلة" التى ارتبطت بقضية المقاومة الفلسطينية، كما أن فى لبنان خرجت الرواية الآن بشكل حداثى متطور وأكثر فنية، وهذا رافق تطورا على مستوى القصة القصيرة، وعلى مستوى التعليم، ورأينا سلسلة من النجاحات تتحقق فى هذا المستوى، وأصبح لدينا عدد من الكتاب المتميزين والشعراء كذلك، ففى المجمل نجد المستوى الثقافى الفلسطينى جيد، فهم الآن يسيطرون على الجوائز الأدبية، مضيفا أن الفلسطينيين الآن يسيطرون على الجوائز الأدبية، ولا أدرى كيف جاءت لكن ربما تكون محصلة نهوض عام، وربما أن يكون نتيجة الفشل السياسى الذى أوصلنا لطريق مسدود.
حول حصولك على جائزة البوكر العربية..هل تعتبر ذلك تتويجا للرواية الفلسطينية؟
يجب أن نعترف أن رواية "مصائر" هى جهد فردى والرواية تنتمى إلى هويتى الفلسطينية، ولهذا يقال إنها رواية فلسطينية، لكن فى الواقع أنا صاحب العمل، وهذا العمل مرتبط بهويتى وموضوعه فلسطين وفى المحصلة دائما تكون رواية فلسطينية، وتمثل نوعا من التقدير والتتويج للرواية الفلسطينية، كما أن هذا الفوز يلقى ضوءا على الرواية الفلسطينة مجددا، وهناك فوز يحيى يخلف، وإبراهيم نصر الله بكتارا، فعندما تنظر لهذه الصورة تشعر بالارتياح وتقول بأن هناك بالفعل تقديرا للهوية الفلسطينية.
هل ترى أن الجوائز تصنع كتّابا؟
هذا السؤال مهم، لكن أقول أنه قبل الجوائز يوجد نجوم وبعد الجوائز سيكون هناك نجوم، لكننى أميل للقول بأن الجائزة تؤثر على حياة الكتاب ومسيرته وتلقى الضوء على مسيرة الكتابة فى عمله القادم، وتؤدى إلى انتشار روايته وحضورة فى وسائل الإعلام، وكل هذا محصلة الجائزة، وكما قال الكاتب السودانى أمير تاج السر "الجوائز حبيبة الجميع والكل أيضا يحقد عليها"، لكن إذا فاز بها يمدح سلالتها السابقة كلها.
كيف ترى الحركة النقدية بشكل عام؟
النقد فى الغرب يحكمة سقف، يحكمه قدر من الأخلاق والقانون، ويوجد مستوى معين للانتقاد لا يمس الشخص نفسه، فالعمل يتعلق بعمله، وأى ناقد يشاء أن يتحدث عن العمل برغبته ولكن بآليات محددة، وهناك مستوى آخر فى الوطن العربى، حيث ينتقل إلى الشخص بطريقة مباشرة، ويؤذى ويجرح صاحب العمل الإبداعى، وهذا الشىء غير مسموح به فى أوروبا وأمريكا، فهناك قانون يحكم الأشخاص.
وفى رأيك ما الأسباب التى جعلت الحركة النقدية فى الوطن العربى كذلك؟
فى ظل فوضى الفيس بوك ووسائل الإعلام، يسمح لأى أحد أن يخوِّن أى شخص بدون وجه حق ويسبه و"يلعن أبوه"، كما يشاء، وبهذه الطريقة تدخل مناقشة كل الجوائز أيضا بنفس المستويات، ويبقى السؤال حول المعايير واللجان وهناك شىء من الفكر التأمرى حول الموضوع، وإذا حبيت أن ترى صورة العرب من الممكن أن تتلخص فى الصراعات على الجوائز وكم الانتقادات فهى صورة من الشعب العربى، هذا بالإضافة لانفتاح العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، فحدث انهيار لكل الشعر والرواية وأصبح أى شخص يكتب، فلا يوجد فى الحقيقية معايير نقدية.
هل ترى أن مواقع التوصل الاجتماعى مضرة فى مجملها؟
هى مفيدة وغير مفيدة فى الوقت نفسه، ونستطيع أن نقول عنها سلاح ذو حدين، وفى الزمن القديم كان هناك نجيب محفوظ والعقاد، بمعنى وجود نجم فردى لكن هذه الظاهرة انتهت لوجود انتشار واسع عن طريق الإنترنت الذى عمل على توسيع وانتشار الأعمال بدون حدود، وربما يؤدى لقدر كبير من السلبيات، لكن إلى أى مدى يسىء إلى القراءة، يجب أن نبحث فى ذلك.
هناك الكثير من الناس أطلقوا عليك "الخائن" ماذا كان رد فعلك؟
أنا لا أحب أن أرد عليها، وأقول بالعامية "رمين كل هذا الكلام فى الزبالة"، ولا اهتم مع أنى جرحت، فتاريخى يشهد فأنا من ميليشى مقاتل إلى مطروط ومعتقل فكله تاريخ وطنى ومرتبط بالوطنية، والتخوين أصبح أمرا سهلا وهذا الجزء يتعلق بالانهيار السياسى والأيدولوجى والأخلاقى وغياب القانون، وأنا لا أهتم، ولكن هناك لفته إيجابية فى هذا الجنب القبيح، أن رواية مصائر أحدث جدلا لم تحدثه رواية أخرى، سواء جنسية أو سياسية، وهذا الجدل هو القصد، وأنا أتعمد مواجهة ما ينبغى مواجهته وطرح القضايا المطلوب الكشف عنها وعلينا أن نواجه هذه القضايا ولذلك تحدث هذه المواجهه صدمات لبعض الناس، ودفع القارىء إلى التفكير، فربما نجد ملامح للتطلع إلى المستقبل، وينبغى على الكاتب أن يكون شجاعا، ولا أخشى أو أخاف ولكى جرحت.
هل ترضى على أداء الحكومة الفلسطينية؟
بصراحة توقفت عن الكتابة السياسية منذ 2014، لأننى أرى أنه ليس لدى ما أضيفه فى ذلك الوقت إلى الآن، لكننى أرى أن الطريق مغلق والأحداث التى تجرى فى المنطقة العربية أحدثت تهميشا للقضية الفلسطينية، ولم يعد على خارطة العالم، وللأسف فى الوقت الذى تراجعت فيه الحركة الوطنية مسافات طويلة بدئا من الخروج من لبنان وانهيار المعسكر الاشتراكى الداعم الأول والرئيسى وتراجع دعم الدول العربية ثم التغيرات التى شاهدها العالم، ثم ضغط إسرائيل البشع وقوة الاحتلال على أمريكا أمام شعب بسيط قياداته فى حالة تراجع، غير قادرة على تواجد استراتيجية تواصل به النضال وتحقق الهداف المطلوبة.
قضيت شبابك بمصر فماذا تمثل أم الدنيا لك؟
كل المعانى لا تستطيع أن تصف حبى لمصر، فأنا نصفى مصرى، وبها كان الحب الأول وانتمائى السياسى الأول واعتقالى الأول ونجاحى وحياتى مع الناس الشعبية، والمصريين على رأسى من فوق، والإسكندرية بالنسبة لى هى حياتى.